المشرف العام الشيخ الدكتور

محمد عبدالكريم الشيخ

روعة الإسلام

روعة الإسلام

بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله. وبعد:

أيها الحبيب :

لتعرفَ روعةَ الإسلام جوهراً وحقيقة، أوقف شخصاً عاش في غياهب الظلمات بين عبادة الوثن والحجر، والصنم والبقر، أو عاش ملحداً لا يؤمن بإله، اسأله كم هي الروعة التي استشعرها عند نطق الشهادتين، ولك أن تتابع مقطعاً لشخص ينطق الشهادتين ويدخل الدين الإسلامي وتعيش معه تلك اللحظات بقلبك تستشعر فيها عظمة النعمة، إنها روعة الإسلام.

لقد احتل الجارُ مكانةً عظيمةً ومرموقةً لم يحتلَّها جار في الديانات الأخرى "ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه " ، وكم من موقف رائع ومثل عظيم ضربه رسول الله صلى الله عليه وسلم في تعامله مع جاره ولو كان غير مسلم، إنها روعة الإسلام.

أيها الغالي:

لا يعقل بمجتمع مؤمنٍ يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، ويؤمن بوجوب الزكاة المفروضة؛ أن يعيش بين ظهرانيه فقير أو معدوم لا يجد ما يسد رمقه وأهله في رغد من العيش، إنها روعة الإسلام.

لا يعقل بمجتمع مؤمن يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ويعلم أن الله حرّم الظلم على نفسه وجعله بين عباده محرّما ونهاهم عنه؛ أن يعيش بينه ظالم أو مظلوم، فالمؤمن مطالب بنصر أخيه ظالماً أو مظلوماً.

إن روعة الإسلام تكمن في عبودية الواحد الديّان، واتباع سيّد ولد عدنان، عليه أفضل الصلاة والسلام، كما تكمن في حفظ الضروريات الخمس (الدين، والنفس، والعقل، والعرض، والمال)، وجعْل التعدّي عليها جناية وجريمة تستلزم عقاباً مناسباً، وبحفظ هذه الضروريات يسعد المجتمع ويطمئن كل فرد فيه.

وتكمن روعة الإسلام في تكريم المرأة أمًا وأختًا وزوجةً وبنتًا وإعطائها حقوقَها كاملةً، فها هو صلى الله عليه وسلم يزور قبر أمه، ويوصي بالأم، ثم الأم، ثم الأم، ثم الأب. وحياته صلى الله عليه وسلم مليئة بالتعامل الحسن مع زوجاته، وبنته فاطمة سيدة نساء الجنة؛ تدخل عليه فيقبلها بين عينيها ويجلسها مكانه، وعجوز في المدينة يمازحُها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويكرم صواحب زوجه خديجة رضي الله عنها، ويوصي بالنساء خيرًا.

          وتكمن روعة الإسلام في تكريم الطفل وتنشئته على المبادئ الحميدة والسجايا العطرة، والوصية بالرفق والرحمة به. وحياته صلى الله عليه وسلم بها من المشاهد على تلك الروعة من تقبيل الأطفال، بل وقطع الخطبة لحمل حفيديه صلى الله عليه وسلم، وإطالة الصلاة بسبب ركوب حفيده على ظهره. والمشاهد كثيرة على ذلك.

والرجل مكرم في الإسلام؛ ابنًا كان أو أخًا، أو أبًا، أو زوجاً، فالأب أوسط أبواب الجنة والأخ من أَوْلى من يصلهم المرء رحِمًا وقرابة، والزوج ذو شأن عظيم في الإسلام، محفوظ مصون في حضوره وغيبته، والابن له من الرعاية والعناية من اختيار الاسم وتعليمه وتحفيظه القرآن وتربيته وتنشئته النشأةَ الصالحةَ.

والإسلام كرّم المرء رجلاً كان أو امرأة أو طفلاً أو حتى جنينا، كرّمهم أحياءً وأمواتًا، ففي الحياة لهم حقوق ذكرت آنفا، وبعد الموت يكرم الميت بتغسيله، وتكفينه، والصلاة عليه، ودفنه، وحق الدعاء له، ومشروعية بعض العبادات عنه، واستمرارية ثواب الأعمال المتعدية النفع بعد موته، وحصوله على ثواب نشر الخير إلى يوم القيامة.

ومن روعة الإسلام سرعة انتشاره دون تأثير المال أو القوة، وذلك راجع إلى صدقه وعدله ومنطقيته، فلا يحتاج إلى إغراءاتٍ ماليةٍ ومبالغَ ضخمةٍ كما تصرفها المنظمات التنصيرية، أو القتل والإجبار، كما يفعل البوذيون وغيرهم، ومع أن المؤسسات والجهودَ الدعويةَ والتعريفيةَ بالإسلام، تكاد تكون أقل تنظيما ومأسسة وموازنة ودعماً ماديًا ومعنويًا، ومع وجود بعض الفساد في بعض مؤسساتها، مقارنة بمثيلاتها من الديانات الأخرى، إلا أن الإسلام يبقى هو الدينَ الشامخَ والعزيزَ، والأكثر انشارًا، فبعض الإحصائيات تذكر أن نسبة النمو السنوي للمسلمين تصل إلى 6%، بينما تصل إلى 1% فقط للنصارى*.        

ومن روعة الإسلام أنه لا يمثَّل بشخص سوى رسول الله صلى الله عليه وسلم، لذلك قال الله "لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة" ومع عظم مكانة الصحابة وجليل قدرهم إلا أن القدوة التامة في جميع الأفعال هو سيد البشر صلى الله عليه وسلم. وكل من انتسب إلى الإسلام عظمت مكانته أم صغرت، فهو معرّض للخطأ والزلل، والاقتداء به في كل أحواله غير محمود، والخطأ وارد من كل إنسان، فلا يصح تشبيه الدين في أشخاص، وإنما الأشخاص يتمثلون الدين ، فيعرّف الأشخاص بالدين ولا يعرّف الدين بالأشخاص، سوى سيد البشر صلى الله عليه وسلم فهو القدوة المطلقة.

أيها الأكارم:

لقد تعدّت روعة الإسلام تكريمَ الإنسان، فلقد حثّ على حفظ حقوق الحيوان – أجلكم الله–، فقد كان الصحابة رضوان الله عليهم في سفرٍ مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول الصحابي: فانطلق لحاجته فرأينا حُمرة معها فرخان، فأخذنا فرخيها، فجاءت الحُمرةُ فجعلت تفرِش، فجاء النَّبي صلى الله عليه وسلم فقال: (من فجع هذه بولدها؟ ردُّوا ولدها إليها، ورأى رسول الله صلى الله عليه وسلم قرية نمل قد أحرقت، فقال: من حرَّق هذه؟ ثم قال: إنَّه لا ينبغي أن يعذِّب بالنَّار إلَّا ربُّ النَّار ، ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أن يحدّ الرجل شفرته والبهيمة تنظر إليه وفي حال الحرب وصّى الصديق رضي الله عنه حين أرسل جيشه إلى الشام بوصايا عظيمة بيّنت روعة الإسلام وأخلاقه في الحرب، فقال "ولا تقطعوا شجرًا مثمرًا، لا تخربن عامرًا، ولا تعقرنَّ شاةً، ولا بعيرًا، إلا لمأكلة، ولا تُغرِقن نخلًا، ولا تحرِقنَّهُ، ولا تغلُلْ، ولاتجبنْ".

نسأل الله أن يذيقنا حلاوة الإيمان، وأن يجعلنا ممن يستشعر روعته، وصلى الله على محمد، وعلى آله، وصحبه أجمعين.

 

 

* ليس لدي مصدر موثوق للإحصائية أعتمد عليه.
 

للتواصل مع الكاتب: ishaqbakhsh@