المشرف العام الشيخ الدكتور

محمد عبدالكريم الشيخ

ملامح الدستور الإسلامي

ملامح الدستور الإسلامي

الحمد الله الذي حرم الظلم على نفسه ، وجعله بين عباده محرماً ، والصلاة والسلام على أنبيائه ، الذين أرسلهم " ليقوم الناس بالقسط " وعلى سيدنا محمد الذي سن دولة العدالة والشورى ، وعلى كل من التزم بسنته من الخلفاء والحكام إلى يوم الدين . أما بعد: 
فإن كلمة القانون اصطلاح أجنبي معناه: الأمر الذي يصدره الحاكم ليسير عليه الناس، وقد عرّف بأنه: ((مجموع القواعد التي يجبر السلطان الناس على اتباعها في علاقاتهم)) وقد أطلق على القانون الأساسي لكل حكومة كلمة الدستور، وأطلق على القانون الناتج من النظام الذي نص عليه الدستور كلمة القانون، وعرّف الدستور بأنه "القانون الذي يحدد شكل الدولة ونظام الحكم فيها، ويبيّن حدود واختصاص كل سلطة فيها"أو "القانون الذي ينظم السلطة العامة أي الحكومة ويحدد علاقتها مع الأفراد، ويبين حقوقها وواجباتهم قِبَلَهم، وحقوقهم وواجباتهم قِبَلَها.
هذه خلاصة الاصطلاحات الذي تعنيه كلمتا دستور وقانون، وهو في خلاصته يعني أن الدولة تأخذ من مصادر متعددة سواء أكانت مصدراً تشريعياً أو مصدراً تاريخياً أحكاماً معينة تتبناها وتأمر بالعمل بها فتصبح هذه الأحكام بعد تبنيها من قِبَل الدولة دستوراً إن كانت من الأحكام العامة، وقانوناً إن كانت من الأحكام الخاصة،

مفهوم الدستور في علم السياسة:
يقصد بالدستور في علم السياسة أحد معنيين :
المعنى القديم : نظام الحكم في أي دولة .
المعنى الحديث : تعريف الدستور من خلال العناصر التالية :

  ( أ) لا يكون نظام الحكم دستورياً ، إلا إذا كان شورياً ، أي أن الحاكم مفوض ووكيل عن الأمة .

  (ب) أن لا تكون السلطة مطلقة بيد الحاكم ، بل منها ما يختص به الحاكم كإدارة الحكومة ، وما تشارك الحاكم فيه هيئات أخرى تجسد مصالح الأمة ، كمجلس النواب

  (ج) السلطة الشعبية غير المباشرة هي سلطة الدولة ، وسلطات الدولة ثلاثة فروع :
            ـ الفرع التشريعي ، ويجسده مجلس النواب .
            ـ فرع القضاء ، ورأسه المحكمة العليا ( أو المحكمة الدستورية ) .
            ـ الفرع التنفيذي .

والغرض من هذا التوزيع الحيلولة دون تمتع أي فرع من هذه الفروع بسلطة مفرطة ، لأن القوة بطبيعتها الامتداد ، والامتداد يفضي إلى الاستبداد ، والاستبداد يفضي إلى الفساد ، فالسلطة المطلقة مفسدة مطلقة .

إن توزيع السلطات يمنع إساءة استخدامها  ، وبذلك تكون الدولة العادلة الشورية ، فمن يضمن هذه الصيغة التي تقوم على توزيع السلطة إلى ثلاث فروع ؟ إن الضامن لذلك هو وجود انتخابات ، ينتخب فيها الشعب من يمثله في ( مجلس النواب ) ؛ الذي يجسد أهل الحل والعقد وهم أهل العلم والرأي والثقة والاختصاص ، ومجلس النواب يجسد السلطة الشعبية ( بصورة غير مباشرة ) .

 ( د ) السلطة الشعبية المباشرة : المجتمع الأهلي : متمثلاَ في الشعب هو الذي يضمن أن تجري السلطة انتخابات نزيهة لمجلس النواب ، ويضمن أن لا يلتف السلطان على القضاء  بتعطيل أو تأويل ، والشعب لا يمكنه ذلك إلا عبر تجمعات المجتمع الأهلي ولاسيما المدني ، من نقابات وجمعيات وروابط ، هذه التجمعات هي التي تجسد السـلطة الشعبية ( الوسيطة ) .

يتبين من ذلك أن الأمة تمارس سلطتها مباشرة وغير مباشرة :
أولاً : السلطة المباشرة ، ولها أسلوبان:
أوضح أسلوب لها هو الاستفتاء العام ، ولكن هذا الأسلوب ، من الصعب اللجوء إليه ، لأسباب عملية ، ولذلك لا يلجأ إليه إلا في الأحوال الضرورية القصوى والكبرى .

السلطة شبه المباشرة ، عبر التناهي عن المنكر والتعاون على المعروف، من خلال المجتمع الأهلي ولا سيما المدني ، تجمعات ونقابات وجمعيات وأحزاباً ، في كافة مرافق الحياة، ويحتفظ المجتمع الأهلي، بحقه في حماية المجتمع من هيمنة الدولة واسـتبدادها ، عبر وسائل التعبير الشـفوية والمكتوبة والمسموعة والمرئية ، ومن خلال البيانات والتجمعات والاعتصامات والتظاهرات والإضرابات ، وكافة الوسائل السلمية .

ثانيا: السلطة غير المباشرة ، عبر المؤسسات الدستورية  ( على مستوى الدولة ) أو هي سلطة الدولة  ، بتوزيع أعباء السلطة على ثلاثة أعمدة أو دوائر غير مغلقة هي :
أ – السلطة النيابية
ب- السلطة التنفيذية
ج- السلطة القضائية

ويستخدم في علم السياسة اليوم ، مصطلح الفصل بين السلطات الثلاث ، وهذا الفصل يسمح بالتعاون بينها ، لأنه لا يتخذ صيغة الفصل المطلق ، وإنما يتخذ مفهوم الاستقلالية الذي يعني أن كل سلطة تمارس اختصاصاتها ووظائفها ، مع الاحتفاظ بمبدأ التعاون والتعاضد ، من أجل تبادل الرقابة والمحاسبة ، منعاً للاستبداد وإساءة استخدام السلطة . وهو في ذلك تجسيد لمفهوم التعاون على البر والتقوى في ممارسة الحكم . وبذلك يحتفظ رأس الدولة بقدر كبير من الصلاحيات في إدارة الدولة والحكم . ( انظر اختصاصات رأس الدولة ) .

وهذا يعني تقسيم صلاحيات رئيس الدولة إلى صلاحيات خاصة به ، وصلاحيات يشارك فيها مجلس النواب أو السلطة القضائية .

مفهوم الدستور الاسلامي :
إن هناك فرقاً بين الدستور الإسلامي والقوانين الإسلامية، وبين غيرها من الدساتير والقوانين، فإن باقي الدساتير والقوانين مصدرها العادات وأحكام المحاكم ، ومنشؤها جمعية تأسيسية تسن الدستور ومجالس منتخبة من الشعب تسن القوانين، لأن الشعب عندهم مصدر السلطات كما أن السيادة للشعب لديهم.
أما الدستور الإسلامي والقوانين الإسلامية فإن مصدرها الكتاب والسنة ومنشؤها اجتهاد المجتهدين حيث الحاكم يتبنى منهما أحكاماً معينة يأمر بها فيلزم الناس العمل بها، لأن السيادة للشرع، والاجتهاد واستنباط الأحكام الشرعية حق لجميع المسلمين، وفرض كفاية عليهم. لأن قاعدته الأساسية التي يقوم عليها تختلف كلياً عن القواعد التي تقوم عليها الأنظمة البشرية جميعاً، فالإسلام يجعل السيادة لله وحده، فالأمر والحكم كله لله، وهو المرجع الأعلى في كل شيء والمصدر الوحيد لكل قانون أو دستور. فهو نظام مستقل متكامل لا علاقة له بتلك النظم لا حين تلتقي معه، ولا حين تفترق عنه، فهذا الافتراق، وذلك الالتقاء عرضيان ووليدة مصادفات، وفي أجزاء متفرقة، ولا عبرة بالاتفاق والاختلاف في الجزئيات والعرضيات، إنما المعول عليه هي النظرة الأساسية وتصوره الخاص، وعنه تتفرع الجزئيات فتلتقي أو تفترق معه جزئيات من النظم الأخرى ثم يمضي الإسلام في طريقه المتفرد بعد كل اتفاق أو اختلاف

قضايا الدستور الرئيسية:
القضية الاولى: المبادئ العامة
القضية الثانية: الكيانات المهمة التي تُدار بها الدولة ويُحقق بها القضاء والعدل
القضية الثالثة: اللوائح والانظمة التي تحكم هذه العلاقات

المبادئ العامة للدستور:
أهم المباديء التي يجب أن يشتمل عليها الدستور:
1- الكتاب والسنة وما يتبعهما من الأدلة الشرعية (الإجماع والقياس) هما المصدر الوحيد للتشريع ،فالمرجعية الدستورية والسياسية والتشريعية والقضائية لكل شئون الدولة هي الشريعة الإسلامية بمصدريها الكتاب والسنة، كما قال تعالى{وأن احكم بينهم بما أنزل الله}، وقال{أطيعوا الله وأطيعوا الرسول}. ولا يجوز صدور أي قانون يخالف مقاصدها وروحها.
        ومعنى ذلك أن كل قانون يرد ذكره في هذا الدستور يتسم بأمرين:
         الأول : أنه دستوري، أي لا يجوز لأي سلطة نقضه أو تعطيله.
         الثاني : أنه شرعي ينبثق من مقاصد الشريعة وروحها، في المبادئ والوسائل معا، وكل قانون غير شرعي فهو غير دستوري. وكل حكم شرعي قطعي فهو دستوري .
مع التنبيه إلى أنه لا يوجد عندنا في الاسلام ان تكتب الشريعة على شكل بنود لأن هذا تحجيم لواسع القرآن والسنة واستبعاد لأقوال العلماء بخلافاتهم المختلفة وبآرائهم التي تستوعب تغيير الزمان والمكان، ولا يمكن وضع الشريعة في إطار واحد وفي نص واحد ويلزم به الناس ويستثنى من ذلك ما ثبت في الكتاب والسنة دليلا ودلالة بشكل قطعي.

2- السودان دولة إسلامية ذات سيادة ، دينها الإسلام ، والشعب السوداني جزء من الأمة العربية والإسلامية، ولغتها الرسمية هي اللغة العربية فالإسلام دين الدولة ، ولكل مسلم حرية ممارسة شعائره الدينية ، وحرية الضمير مكفولة للجميع  .
3- يقوم الدستور على ركنين الأول : سلطة الأمة المباشرة، التي تكون عبر الاستفتاء العام والرأي العام، وعبر تجمعات المجتمع الأهلي ولاسيما المدني ، التي بيَّنها الباب الأول ، من هذا الدستور. الثاني : سلطة الأمة غير المباشرة، التي تكون عبر التمثيل والوكالة والنيابة.   والسلطة غير المباشرة تكون بتوزيع سلطات الدولة ثلاث شعب ، والرئيس يمثل الدولة باعتباره رأس الدولة :
      
 الأولى: السلطة التنفيذية
      
الثانية : السلطة النيابية ( مجلس النواب).
      
الثالثة : سلطة القضاء.
والفصل بين السلطات والمؤسسات التنفيذية والتشريعية والقضائية والمالية، هو ما فعله الخلفاء الراشدون، إذ كان أبو بكر رضي الله عنه  أول من فصل بين السلطات، فاختار عمر رضي الله عنه  على القضاء، واختار أبا عبيدة على بيت المال، لضمان العدل على أكمل وجه في القضاء والعطاء، والأمة من وراء الجميع من خلال نوابها تحاسبهم وتراقبهم وتسددهم، كما في حديث البيعة (وأن نقوم بالحق لا نخاف في الله لومة لائم)، وكما قال أبو بكر رضي الله عنه  (إن أحسنت فأعينوني وإن أسأت فقوموني).

4- للمسلمين كافة رجالاً ونساءاً حق الانتخاب والترشيح وإبداء الرأي في الاستفتاء وفق القانون، ومساهمة المواطن في الشأن العام واجب إسلامي ، لا يجوز له أن يفرط فيه. وحق الأمة في اختيار الحكومة، هو اختيار حر مباشر، كما قال تعالى{وأمرهم شورى بينهم}، وكما قال عمر رضي الله عنه (الإمارة شورى بين المسلمين) (المصنف للصنعاني ص:446).
 ، وأن تكون البيعة للسلطة بيعة على الرضا والاختيار بلا إكراه ولا إجبار، من الأمة أو من يمثلها تمثيلا حقيقيا من نوابها وعرفائها، كما قال صلى الله عليه وسلم (أيها الناس إنا لا ندري من رضي منكم ممن لم يرض فارجعوا حتى يرفع إلينا عرفاؤكم أمركم)، وكما قال عمر في خطبته – كما في البخاري – (من بايع رجلا دون شورى المسلمين فلا بيعة له ولا الذي بايعه تغرة أن يقتلا)، وكان ذلك بمحضر الصحابة جميعا فكان إجماعا قطعيا موافقا للكتاب والسنة.

5- الناس سواسية أمام القضاء فليس هناك تمييز بين كبير ولا صغير ولا حاكم ولامحكوم ولا قوي ولا ضعيف امام القضاء فالكل سواسية امام القضاء. فسلطة القضاء على جميع الناس من الرئيس الحاكم الى اصغر شخص وكل مقيم على أرض السودان وليس هناك حصانة لبشر ضد نظر القضاء.

6- الناس سواسية كذلك في الاصل في الحقوق والواجبات، وخرج باحتراز كلمة " في الاصل" ما يرد في الحقوق والواجبات من التخصيص، وهذا التخصيص  مثل ما خصص للرجال دون النساء او للنساء دون الرجال ،وما اختص به المسلمون دون غيرهم .
7- حرية التعبير وحرية التجمع مكفولة بالشرع بل ان حرية التعبير تتحول إلى واجب إذا صارت أمرا بمعروف ونهيا عن منكر.  ولا يجوز تقييد حرية التعبير ابتداء بحجة حماية وإنما الذي يقترف خطأ يُحاسب بعد ان يصدر منه هذا الخطأ  والاصل في الاسلام أن الإنسان حر في تصرفاته ويؤاخذ بعد ان يصدر عنه الخطأ أو الجريمة.
8- حرية التنقل والاتصال مكفولة تماما مثل حرية التعبير والتجمع فالانسان له الحق أن يذهب أينما شاء وكيفما شاء ولا يجوز فرض إقامة جبرية. وما ينطبق على التنقل ينطبق على الاتصال فيجب ان يُسمح للانسان بالاتصال بمن يشاء وكيف يشاء.
9- صيانة حق الخصوصية وتحريم التجسس بكافة اشكاله والتجسس داخل البلد المسلم له استثناءات قليلة جدا ولا تكاد تذكر ويجب أن توضع الضوابط حتى لا تتوسع هذه الاستثناءات دون مبرر شرعي.
10- تحريم الاعتداء على الملكية الفردية وعكسه ابطال الامتلاك الحرام، فالملكية الفردية يجب ان تكون محمية من قبل الدولة وأي شخص يريد الاعتداء على الملكية الفردية سواء كان قويا اجتماعيا او قويا سياسيا يجب ان يؤخذ على يده  والعكس صحيح لا يُسمح لأحد ان يمتلك ملكا حراما مهما كانت قوته.
11- سلطة القضاء تمتد لجميع الشؤون من القضايا المدنية والجنائية  إلى القضايا السياسية وليس هناك حصانة لقضية من النظر القضائي.
12- يقوم الاقتصاد على مبادئ الشريعة الإسلامية بما يكفل الكرامة الإنسانية والعدالة الاجتماعية ويوجب السعي في الحياة بالفكر والعمل ويحمي الكسب الحلال.وحرية التجارة والصناعة والزراعة مكفولة في حدود الشريعة الإسلاميةكما تضع الدولة خططاً للتنمية الاقتصادية وفقاً للشريعة الاسلامية وتقاوم الدولة الاحتكار ولا تتدخل في الأسعار الا للضرورة .
13- الدولة مكلفة بتوفير الأمن وفي مقدمته الأمن الجنائي ثم الأمن الغذائي ثم الأمن الفكري ثم الأمن الاجتماعي وأخيرا الأمن القومي.
14- الدولة مكلفة بتوفير الخدمات الاساسية التي يحتاجها المجتمع أو ضمان توفرها وتنظيمها  مثل الصحة والتعليم والكهرباء والاتصالات والنقل وغيره. كما أنها  مكلفة بحماية الفئات الضعيفة وذوي الاحتياجات الخاصة وكفالة المنقطع منهم.

الكيانات المهمة في  الدولة:
أولا: الكيانات الأساسية: التي تُدار بها الدولة وهذا ما دُرج على وصفه بالسلطات الثلاث، السلطة التنفيذية والسلطة القضائية والسلطة النيابية. فالسلطة التنفيذية هي الحاكم والوزارات وما يتفرع منها، والسلطة القضائية هي التي يتقاضى اليها عند الاختلاف سواء كانت مؤسسة واحدة أو متعددة، والمؤسسة الشوروية او المؤسسة النيابية التي تمثل الناس في محاسبة الحاكم ومشاركته في القرار. والسلطة النيابية قد تكون واحدة أو قد تتكرر على مستوى المناطق والبلديات.
ثانيا: الكيانات المرجعية: إذا أريد للهيكل الإداري للدولة أن يكون مستقرا فلابد من ترتيب المرجعية العليا للخلاف بين السلطات ولابد من كيان إضافي يضمن حماية الدستور بصفته عقدا اتفقت عليه الأمة. وفي معظم البلدان يوجد مجلس مستقل يراجع ما أقره البرلمان ويوجد كذلك محكمة دستورية يحتكم إليها اذا اختلفت السلطات فيما بينها في تفسير الدستور.
ثالثا: المجتمع والعلماء والمؤسسات المدنية

الأنظمة واللوائح التي تنظم العلاقات بين اجهزة الدولة:
هذه القضية الأساسية الثالثة صياغتها في حينها لأنه لابد من تحديد نفوذ كل جهة وطريقة تعاملها مع الجهات الأخرى.

 

الجهاز الرقابي: المجلس الأعلى للدولة:
مهمة الجهاز الأول أن يقدم طريقة دورية لمراقبة الحاكم ومجلس الشورى والجهاز القضائي والكيانات الأخرى وينظر كيف يتم الانتخاب؟ هل تمت الترشيحات بالطريقة الصحيحة؟ هل اتبع الحاكم في تعيينه للوزراء الاجراءات الصحيحة ورفعها الى مجلس الشورى بالطريقة الصحيحة؟ هل القرارات التي اتخذت من المجلس الشوروي اتخذت بالطريقة المناسبة؟ هذه الامور كلها تحتاج الى نوع من انواع الانضباط الدستوري والانضباط الشرعي. هذا الكيان يمكن أن نسميه سميه المجلس الاعلى للدولة أو مجلس صيانة الدستور او مجلس الاحتكام الوطني. وليست له سلطة مجلس الشورى وليست له سلطة الحاكم انما فقط يتأكد من انضباط هذه الاجهزة بالشرع أولا ثم بالدستور ثانيا.
كيف يمكن تحديد أعضاء هذا المجلس؟
أفضل طريقة للاختيار أنه مادام ان الحاكم منتخب ومؤتمن قد انتخبه الشعب اما انتخابا مباشرا او انتخاباَ عن طريق مجلس الشورى فلا بأس ان يرشح الحاكم اعضاء من ذوي العلم الشرعي والمعرفة بالفقه الدستوري وذوي خبرة في القضايا ذات العلاقة ويُرشح الاشخاص ذوي القدرة والكفاءة في هذا المجلس. وهؤلاء المجموعة لا يمكن أن يُقال احد منهم الا بشروط خاصة جدا تابعة لنفس المجلس فلا يعينون ولا يُقالون بل يرشحون ترشيحا من قبل الحاكم.
أيها الإخوة الكرام: إن النجاح والفلاح في الدنيا والآخرة معاً ، إنما هو في الحكم الإسلامي الشورى العادل ، وإن نخلة العدالة لا يمكن أن تستقر ولا أن تستمر ، ولا يمكن أن تثمر ،  إلا في حوض الشورى ، وسياج المجتمع الأهلي والمدني .
إن حياة المجتمع الإسلامي ( بقاءاً ) و( ارتقاءاً ) ، تقوم على عمودين :

الأول: القيم المدنية : وهي القيم المعروف ضرورتها في كل أمة وملة ، عرفها البشر بما وهبهم الله من التجارب والطبائع ، وإنما جاءت الشرائع للتذكير بها وتهذيبها من الانحراف ، كنظام الأسرة وقدسية الزواج ، والعفة والأمانة والوفاء بالعهد ، والبر والشفقة والصدقة والزكاة ، وطرق اكتساب العيش المشروعة ، والعدل في النفقة وقسمة المال والإدارة والصدق .
وهي القيم التي يرتقي بها الناس من عالم الوحوش والبداوة إلى عالم المدنية والحضارة ، وكما حفها الإسلام بالترغيب والحض ، وضع من الزواجر، سياجاً للحفاظ عليها ، فحرم الظلم والاستبداد ، والزنا واللواط والفواحش ما ظهر منها وما بطن ، كالغش والغدر والسرقة والاغتصاب ، والخيانة والكذب والقسوة ، والعدوان والقتل ، وكل ما يخل  بالإرادة والعقل ، كالخمر والمخدرات ، وكما أحال القرآن معرفة الفضائل إلى العرف الاجتماعي الجاري في الفطر السليمة ، فسماها (المعروف) أحال معرفة الرذائل إلى الفطر السليمة أيضا ، فسماها (المنكر) . كما أشار إلى ذلك عديد من المفسرين .

الثاني: القيم الروحية : التي يرتقي بها الناس من عالم الشياطين والبهائم ، إلى عالم الملائكة ، فتطمئن قلوبهم بذكر الله ، وتنتهي عن الفحشاء والمنكر ، وتطيب حياتهم بعمل الصالحات ، كالصلاة والذكر والدعاء ، والصيام والحج ، وعلى التواصي بهاتين المنظومتين ، يتميز المجتمع الإسلامي بطيب الحياة وسعادتها ، في الدنيا والآخرة معاً ، وكلاهما من العبادة التي أمر الله بها عباده ، في قوله تعالى : ( وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ) ، فالعبادة كما قال ابن تيمية : " اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه " ، وكل ما فيه مصالح للأمة ، فهو من الدين ، فإن ترتبت عليه مصالح كبرى فهو من أصول الدين ، وكل ما ترتب عليه مضار للأمة فهو من الفجور ، فإن كانت المفاسد كبرى ، فهو من كبائر الذنوب . كما نص الشاطبي وغيره ، وهذا وذاك أساس خلافة الناس في الأرض .
إن ما أصاب الأمة الإسلامية ، من كوارث ومحن ، إنما هو بسبب الغفلة عن مقاصد الشريعة الكلية ، وإهمال الجانب المدني من الشريعة ، هذا هو الذي عرض الأمة طوال العصر للفرقة والخلاف وسلط عليها العدوان الخارجي .

ولا سبيل إلى صيانة الأمة وقوتها ، إلا بإعادة الاعتبار للشق المدني من الشريعة ، وعمود ذلك إقامة ميزان العدل ، فالعدل هو الذي كتبه الله على نفسه كما في الحديث القدسي : " . . ياعبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماً فلا تظالموا. . " و قامت به السماوات والأرض ، كما قال تعالى : {شَهِدَ اللّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ قَآئِمَاً بِالْقِسْطِ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ } ( آل عمران : 18 ) فالكون كله قائم على القسط والعدل .
ولا تكون خلافة الناس في الأرض إلا بإقامة العدالة ، كما قال تعالى:{ يَا دَاوُودُ إِنا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأَرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ  } ( ص : 26 )  بل صرح الذكر الحكيم بأن الغاية من إنزال الكتب وإرسال الرسل ، هو إقامة ميزان العدل والإنصاف ،  واستدل العلماء بقوله تعالى :  [ لقد أرسلنا رسلنا بالبينات ، وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط ] ( الحديد : 29 ) لأن العدل ليس أساس الحكم فقط بل أساس الحياة كلها كما قال ابن تيمية : " العدل نظام كل شيء " ، وقال : " أمور الناس تستقيم في الدنيا مع العدل الذي فيه الاشتراك في أنواع الإثم ، أكثر من ما تستقيم مع الظلم في الحقوق ، وإن لم تشترك في إثم " . ولا تكون عدالة من دون شورى ، من أجل ذلك التزم بها الرسول صلى الله عليه وسلم ، فكان إذا حزبه أمر ، دعا : "الصلاة جامعة" ثم قال : " أشيروا عليّ أيها الناس"  . وللقسط مبادئ ووسائل ، لا تقوم الأمة في أي عصر ومصر من دونها ، ولا سيما في الدولة الإسلامية الحديثة ،وهنا يأتي الدور الملح لأهل العلم الناصحين يقول رشيد رضا " ان القرآن الكريم لم يكتفي بالوعيد على الكتمان بل أمر ببيان هذا للناس وبالدعوة للخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وأوعد من يترك هذه الفريضة وذكر لهم العبر فيما حكاه عن الذين قصروا فيها من قبل" ويقول "ما ورد عن تدافع علماء السلف في الفتوى انما هو في الوقائع العملية الاجتهادية التي تعرض للناس لا في الدعوة الى مقاصد الدين الثابتة بالنصوص وسياجها من الامر بالمعروف والنهي عن المنكر" ولذلك فمهمة العالم ليست بمجرد تلاوة القرآن وقراءة الحديث بل لابد من تنزيل القرآن والحديث وتفسيره حسب الوقائع واستنباط الاحكام منه وقول كلمة الحق فيما يعرض للناس. هذا ولن تكون هذه الملامح للدستور الأسلامي ذات جدوى إلا إلا إذا تبنت الدولة مشروع الدستور الإسلامي بجد ودون مواربة قال الله تعالى : (خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (171)) البقرة،والأعراف  ،ومن ثم تشكل الدولة ما شاءت من ذوي الإختصاص الحادبين على أمر الشريعة لاستئناف الحياة الإسلامية من جديد ممن يقوم بصياغة الدستور وكتابته على التفصيل هذا وإلا تفعلوه تكن فتنة وفساد عريض قال تعالى : (لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِوَاذًا فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (63)) سورة النور .