المشرف العام الشيخ الدكتور

محمد عبدالكريم الشيخ

نصوص عبثية .. في قصة الشمال والجنوب!!

نصوص عبثية .. في قصة الشمال والجنوب!!

هناك حكاية تحتاج إلى من يكتبها في قصة العلاقة فاقدة المنطق بين شمال السودان وجنوبه!!.. أو بالاصطلاح المستحدث بعد التاسع من يوليو 2010م ، (دولة السودان) و (دولة جنوب السودان)!! ..

تلك هي حكاية (القتال ، والعناق )!! الذي ظل يراوح جيئة وذهاباً في منطقة التوتر في علاقات البلدين ، وإن شئت قل (الشطرين المنقسمين) !!..

اليوم .. وأعني باليوم ساعة كتابة هذه السطور نقلت الأخبار اتهامات متبادلة بين حكومتي الخرطوم وجوبا ، بحشد كل منهما قواتها على حدود الأخرى ، ثم توقعات طبيعية بتأجيل الموعد المضروب لاستئناف المفاوضات بين الجانبين تلك المزمع إجراؤها هذا الشهر .

والطبيعي المتوقع أيضاً أنه بعد قليل يعود الجانبان ركضاً إلى أروقة التفاوض ، ويتبادل قادة الوفدين العناق ،  والمصافحة ، والابتسامات ، ثم يجلسان على المائدة ليتوصلا إما إلى (لا شيء) !!.. يُسمى بلغة الأخبار عدم إحراز أي تقدم في الملفات العالقة!!..

وربما يتوصلان إلى (شيء)!!.. لا يعرفان الطريق إلى تطبيقه ، مثل (اتفاق التعاون المشترك) ، ذلك الذي تحول إلى عنوان لأزمة جديدة أضيفت إلى سجل الأزمات الطويل بين الشمال والجنوب .

تلك المشاهد بما فيها من حشود عسكرية ، وربما مناوشات ، ليست جديدة ألبتة ، ولكثرة تكرارها أصبح المواطن – هنا وهناك- لا يلقي لها بالاً ، ولا يعيرها اهتماماً إلا بقدر ما تعنيه له من أثر اقتصادي يتمثل في صعود الدولار وهبوطه ، وبالتالي ارتفاع معدلات التضخم ، أو ثبوتها ..

سخرت حتى القهقهة من كلمة قالها أحد أقطاب الحزب الحاكم في السودان "إن واحدة من مشكلاتنا مع الحركة الشعبية أنها ليست لديها خطة واحدة واستراتيجية موحدة للتعامل مع السودان"!!

والحقيقة أنه في السودان الرسمي لا وجود أصلاً لهذه الكلمة التي يرمون الحركة الشعبية بفقدانها (استراتيجية (ولو كانت هذه الكلمة لها وجود في قاموس أفعالنا السياسية لما تحولت تلك الأفعال إلى كوارث عظمى ، مثل كارثة نيفاشا وما تمخض عنها من كوارث أخرى ، نعد منها : (أزمة أبيي) ، و(أزمة ترسيم الحدود) ، و(أزمة الفرقتين التاسعة والعاشرة في جنوب كردفان والنيل الأزرق) ، و(أزمة النفط) ، و(أزمة الحريات الأربع ( ، ولو كان مفاوضونا يمضون إلى جولات التفاوض وفي أذهانهم استراتيجية متفق عليها لما كانت نيفاشا أصلاً بعد ميشاكوس .

ولو كان الطرفان يفكران باستراتيجة حقيقية لما كان الانفصال خياراً مطروحاً لأي من الجانبين على الأقل خلال العشرين عاماً التي تلي الاتفاقية.

فليس لأحد من الشطرين قدرة لأن يعيش بعيداً عن الآخر خلال فترة أقل من التي ذكرنا، والنتائج العملية بعد الانفصال أثبتت ذلك الأمر.

فلو كان هذا الأمر ممكناً لمضى كل طرف إلى سبيله ، واستقل بنفسه ، وما احتجنا إلى جملة من المتناقضات ؛ صراع ، واتفاق حول النفط ، وصراع على الحدود ، واتفاق على الحريات الأربع (التنقل، العمل، الإقامة، التملك).

ولو كانت هناك استراتيجية بل أدنى بعد نظر لما وقَّع أولئك الموقعون في أديس أبابا على اتفاق للتعاون المشترك .. والقاصي والداني يعلم أنهم أعجز الناس على الاتفاق على آليات تطبيقه ..
والحقيقة أن السودان لم يشهد طيلة تاريخه الطويل إدارة عبثية لملفاته المصيرية مثل ما يحدث الآن، وإذا سألوك عن الحل فالحل يكمن هناك بعيداً عن العبث!!..