المشرف العام الشيخ الدكتور

محمد عبدالكريم الشيخ

ميثاق الفجر الافتراضي .. والنقد المبرح (2)

ميثاق الفجر الافتراضي .. والنقد المبرح (2)

يقول الميثاق الافتراضي أنّ مكوناته توصلت إلى إنجاز تأريخي لرؤية سياسية جامعة للانتقال من الشمولية نحو الديمقراطية والسلام العادل ، ودولة المواطنة المتساوية ، والانعتاق من الشمولية التي احتكرت السلطة ، دون وازع من دين ، أو أخلاق ، أو ضمير ، والميثاق دائماً وأبداً يقدم ما هو افتراضي على ما هو محسوس وملموس ، "فالإنجاز" ، و "تأريخي" ، و "الرؤية" ، و"جامعة" ، و "الشمولية" ، و "الديمقراطية" .. كلها تعابير افتراضية نصيبها على أرض الواقع لا يزيد على نصيب قوى الميثاق في معاملها من الوازع الديني ، والأخلاقي ، والضميري ..

وقطعاً إذا كان عامل التدين عند أهل الإنقاذ مُتدني ومنخفض – وهو كذلك – وهم أصحاب المشروع الإسلامي .. قطعاً ودون الحاجة إلى أدلة أو براهين ، فهو مفهوم عن أهل الميثاق ، لأنهم أعداء المشروع الإسلامي، ولا حظ لهم من التدين ، ولا القدر الافتراضي ..

إنّ أهل الإنقاذ يتفوقون على أهل الميثاق بأن تدينهم افتراضي ، وأهل الميثاق محرمون حتى من التدين الافتراضي ..

إنّ على الإنقاذ أن تدرك أن القول بأن القيم المضمنة في الإنقاذ كلها قيم افتراضية لا وجود لها في أرض الواقع ، إلاّ أنّ الكفر الذي في الميثاق ليس افتراضياً ، والمؤامرة ليست افتراضية ، والدولار ليس افتراضياً ..
والميثاق يدعو إلى فترة انتقالية بعد إسقاط أي بارقة أمل في إقامة دولة الإسلام ـ أي إسقاط الإنقاذ ، وطي صفحة المشروع الحضاري نهائياً ـ مدتها أربع سنوات ، ثم انتخابات حرة ونزيهة ـ وهو طبعاً تعبير افتراضي بحت لا حظ له من الواقع ، ولا من الحقيقة ـ  وتدعو إلى مؤتمر دستوري ، وهذه الدعوة الوحيدة غير الافتراضية لأنها أُمنِية في المستقبل متعلقة بكيفية حكم السودان بدون شريعة ..

والعجيب والمدهش ـ وقطعاً ليس عجيباً ولا مدهشاً إذا عرف المصدر ـ أنّ الميثاق يُلقي باللائمة على المؤتمر الوطني والإنقاذ ، لأنهما فصلا جنوب السودان عن شماله ، ولكنه يأتي في الختام وبكل بساطة ليدعو إلى إقامة علاقات استراتيجية بين دولتي السودان ترنو إلى اتحاد سوداني بين بلدين مستقلين ..

ولكن ميثاق الفجر الافتراضي الكذوب لا يفوت فرصة يُنحي فيها باللائمة على الإنقاذ والمؤتمر الوطني ، ويغدق المدح على الحركة الشعبية ومتمردي (جنوب السودان !!) فالانفصال جريمة ارتكبها المؤتمر الوطني ، ولكنه إنجاز حققته الحركة الشعبية واستحقت بذلك أن تعامل على أنها دولة مستقلة !!

إنّ أشنع وأقبح ما في هذا الميثاق الكاذب أنه مثياق (افتراضي) ليس فيه حقيقة واحدة ، ولا قيمة واحدة قائمة بنفسها وذاتها استقلالاً وانفراداً ..

إنّ كل ما ورد فيه من قيم ، وكل ما رفع فيه من شعارات ، وكل ما ذكر فيه من دعاوى إنما جاء ذلك كله من باب ما هو افتراضي ، وما هو مزعوم ، بلا شاهد ولا دليل ولا حجة ، بل كلها ترهات وأباطيل وأحلام يسارية وعلمانية ، وأماني وتوهمات لا تستند إلاّ على عضد الأجنبي ، وعلى ماله ، وعلى مواعيده ووعده ..

انظر بالله عليك إلى هذه العبارة واستخلص منها قدر المستطاع ما هو حق وحقيقة ، وما هو زعم ودعوى وافتراض لا يقوم على ساق ، ولا يرتكز على عمد : "وقد عقدت القوى الوطنية والثورية السودانية العزم على خوض نضال لا هوادة فيه لتحقيق تطلعات شعبنا في الديمقراطية ، وإنها الحرب عبر سلام عادل " .

كل مفردة من هذه العبارة الطويلة لا تحمل من مدلولها اللغوي في اللفظ والمعنى إلاّ القدر القليل الشحيح ، وهي في النهاية مدلولات غير اصطلاحية ، وغير متفق عليها ، ولا يصح فيها إلاّ عبارة "المعنى في بطن الشاعر" ، – أي أنه لا يتحكم فيه إلاّ الشاعر وحده –  أما اللغة والاصطلاح والتراث الإنساني والديني فلا يُسعفان المطالع بمعنى ، ولا قيم ثابته .

انظر إلى قولهم (تطلعات شعبنا في الديمقراطية !!) ما هي درجة الحقيقة المختزنة في قوله "شعبنا" ؟! كم من الشعب السوداني يتطلع إلى الديمقراطية بمعناها الحقيقي المستخلص من جذرها اللغوي ، أو معناها الإفتراضي المستخلص من الممارسة السياسية المتأرجحة ؟ حتى أن بعض النظم العسكرية تدعي النسبة إلى الديمقراطية ، وبعض النظم الديكتاتورية الماركسية القبيحة تنسب نفسها بلا حياء ولا خجل إلى الديمقراطية !!!

هل هناك خواء وخداع وغباء أكثر من هذا ؟!!
وبالمقابل هاكم عبارة مأخوذة من ميثاق الفجر الإسلامي الذي صدر ترياقاً لأباطيل ميثاق الفجر الجديد البند (1) ص (6) : " الرجوع إلى كتاب الله وسنة رسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فإنه لا سبيل إلى الخروج من جميع أزماتنا إلاّ في ذلك " .. البند (2) ص 6 : " إقرار دستور إسلامي يتخذ من نصوص الوحي مصدراً للقوانيين والنظم والتشريعات والقيم " .

في الميثاق الإسلامي يغيب الافتراضي غياباً تاماً ، بل إنَّ تغييب الافتراضي يأتي مقصداً من مقاصد الميثاق ، بينما يكون وجود الافتراضي مقصداً من مقاصد ميثاق الفجر الجديد ، فميثاق الفجر الإسلامي بعد الأمر بكتاب الله وسنة رسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وهما حقيقتان مطلقتان ، يتحدث عن دستور مرجعيته نصوص الوحي ، ويذكر في لاحقه : " أن أي تشريعات أو قوانيين تخالف الشريعة الإسلامية فهي باطلة " .
إنّ ميثاق الفجر الافتراضي العلماني الكذوب يدعي الإجماع ، وهي من أكذب دعاوية ، إن لم يكن أكذبها على الإطلاق ، ومعلوم أن الإجماع ينعقد على المطالبة بالاحتكام إلى كتاب الله وسنة رسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وهو إجماع كاسح وشامل ، ولا يجرؤ على مخالفته ولا مفارقته حتى العلمانيون أنفسهم ، وحتى الذين أعمى الله بصائرهم من زنادقة اليسار ودعاة الديمقراطية الغربية ، فإنهم يتلصصون ويتحايلون للدعوة إلى مخالفة هذا الإجماع ، ولا يجرؤ أحدهم برفضه صراحة كما نرفض نحن الديمقراطية والعلمانية ونؤكد ونصرح بأنها كفر ناقل عن الملة .

إنَّ المنهج الافتراضي في ميثاق زنادقة العصر يظهر بوضوح في اتفاقهم على فشل الإنقاذ في تطبيق الشريعة ، ومن فسادها وإفسادها للتبشير بمنهجهم الكذوب الكفور ، وإلاّ بالله عليكم لولا فشل الإنقاذ ، على أي شيء كانوا يعتمدون في التبشير بكفرياتهم وأباطليهم ؟!!

إنَّ الافتراض في ميثاق الفجر الجديد يصل إلى درجة الكذب ، والكذب الصراح الذي لا يرده حياء ، ولا حلم ، ولا حكمة ، فالميثاق يقول أنَّ السودان دولة متعددة الثقافات والإثنيان والأديان واللغات .
إنَّ الأقباط في السودان لا يزيدون عن 1% بل هم أقل من ذلك  بكثير ، ونسبة المسيحية في جنوب كردفان لا تكاد تبلغ 1%  ، إلى 2% من جملة سكان السودان ، فالتعددية الدينية المفترضة تقوم على نسبة 97% من المسلمين ، و 3% من غير المسلمين !!

من أجل ذلك يريد الميثاق الكذوب ، ميثاق الفجور والفسوق والعمالة والارتزاق أن يقيم الحقوق والواجبات السياسية على أساس المواطنة التي تتيح للنصراني أن يترشح للرئاسة مستنداً على 3% من تعداد أهل السودان!!

إنَّ الذين تجمعوا وتكأكأوا لصياغة هذا الميثاق تجاوزوا كل معقول ..

أنا لا أستطيع أن أقول أنهم لم يحترمونا ، أو لم يحترموا عقولنا ، لا بل أزيد فأقول : أنهم لم يحترموا أنفسهم ، وإلاّ لما تجرأوا بالتبشير بميثاقهم هذا وسط أهل السودان ، أنا أقول أنهم كالذي يؤذن في مالطة ، فهذا أقل بكثير مما يستحقون أن يوصفوا به ، إنهم تماماً  كالذي يبشر بالكفر في عرصات القيامة !! بعداً .. وتعسا ً .. وسحقاً ..