استغرب الكثيرون الافراج عن الضباط المعتقلين على خلفية ما تسمى التخريبية، والذين يتقدّمهم العميد محمد إبراهيم الشهير بـ "ود إبراهيم" بعد أقل من خمسة أشهر على اعتقالهم، في وقت أعدم فيه ضباط كبار في المحاولة الانقلابية التي جرت في 28 رمضان، ومازال القيادي بالمؤتمر الشعبي "يوسف لبس" رهن الاعتقال الذي بقِي فيه 12عاماً لاشتراكه في […]
استغرب الكثيرون الافراج عن الضباط المعتقلين على خلفية ما تسمى التخريبية، والذين يتقدّمهم العميد محمد إبراهيم الشهير بـ "ود إبراهيم" بعد أقل من خمسة أشهر على اعتقالهم، في وقت أعدم فيه ضباط كبار في المحاولة الانقلابية التي جرت في 28 رمضان، ومازال القيادي بالمؤتمر الشعبي "يوسف لبس" رهن الاعتقال الذي بقِي فيه 12عاماً لاشتراكه في محاولة انقلابية مزعومة؛ الأمر الذي يوضح أن ضباط المحاولة الأخيرة لهم قوة أثرت على موقف القيادة المتمثلة في الرئيس البشير الذي أصدر عفواً عاماً عنهم.
جميع من تم اعتقالهم في المحاولة الانقلابية الأخيرة انضموا إلى القوات المسلحة من صفوف الحركة الإسلامية، كما أنهم شاركوا في غالبية متحركات العمليات بانحاء السودان المختلفة، يقودون كتائب المجاهدين الأمر الذي جعل لهم شعبية وسط قواعد الحركة الاسلامية والمؤتمر الوطني فضلاً عن أنهم من أصحاب المهمات الصعبة؛ فمثلاً تجد العقيد فتح الرحيم هو قائد ثاني القوات المشتركة السودانية التشادية ومشهود له التأمين الذي أحدثه على الحدود، فيما كان غيره في العلاقات الدولية بوزارة الدفاع، وآخرين بالاستخبارات العسكرية، كل هذا الأرشيف الملىء بالعمل والانجازات جعل قيادات الحركة الاسلامية في ورطة كبيرة بعد اعتقال ضباط التخريبية فإذا تم تركهم في المعتقل فهم يمثلون عظم الحركة وقادتها الذين يعتمد عليهم في الاستنفارات، وإذا سعت للافراج عنهم فإنها تقوم بمحاولة لرأب صدع في جسم التنظيم نسب نجاحه ضئيلة لعظم الجرم الذي ارتكبوه.
قيادات الحركة الاسلامية يتقدمهم بروفسير محمد سعيد الخليفة مدير جامعة الزعيم الأزهري شكلت لجنة للوساطة عقب الاعتقالات مباشرة، وجلست إلى د. الزبير محمد الحسن الأمين العام للحركة ثم الرئيس البشير، ويبدو أن في مقدمة دفوعاتها التي قدمتها للرئيس التأريخ الناصع للرجال هؤلاء في الميدان وآخر ملاحمه (هجليج)، وفي الحركة الاسلامية فكانت استجابة البشير سريعة حتى أنه بعد أن أصدرت المحكمة العسكرية قرارات بطردهم عن الخدمة جاء قرار رئاسي من القائد الأعلى للقوات المسلحة وهو رئيس الجمهورية بالغاء عقوبة الطرد والاستعاضة عنها بالابعاد لحفظ حقوق الضباط المادية، وهو خطوة تشير بوضوح إلى المكانة التي يحظى بها هؤلاء عند عمر البشير بالرغم من عظم المحاولة التي كانوا يخططون لها، والتي اذا نجحت ربما كانت تقذف به خارج كرسي السلطة.
أن يقوم قادة أمثال هؤلاء بمحاولة إنقلابية وهم من رموز الحزب الحاكم في المؤسسة العسكرية فهذا يعني أن تصدعاً كبيراً قد أصاب جسم النظام، وأن الفتق الذي حدث بين القيادات العليا أو قُل بعضها يصعب رتقه، وتأكدت هذه الفرضية سيما بعد أن جاءت المحاولة الانقلابية بعد خروج مجموعة من الشباب المجاهدين عن طوع الحزب، وأطلقوا على أنفسهم مبادرة "السائحون للإصلاح" والتي ضمت في صفوفها كوادراً من المؤتمرين الشعبي والوطني، وبما أنّ الغاضبين السائحين والانقلابيين هم أكثر الناس إلتزاماً بخط الحركة الاسلامية ومبادئها في المؤتمر الوطني فإن هذا الحزب تشير القرائن إلى أنه لم يبقَ فيه إلاّ أصحاب المصلحة والنفعيين، وهذه تؤكدها عملية غياب البرامج الاسلامية لدى حزب الحكومة وضعف تمسكه ودفاعه عن القضايا الإسلامية.
خطورة الوضع أن قيادات التخريبية استقبلوا استقبال الفاتحين من السائحين وكأنهم يباركون ما قاموا به من محاولة ثم إن من بين المستقبلين في اللحظات الأولى د. غازي صلاح الدين القيادي الإسلامي صاحب الرأي الواضح في الإخفاقات التي تصاحب أداء الحكومة والصوت الجهور المنادى بالإصلاح، لترسم هذه القرائن صورة مفادها أن جسماً سياسياً سيولد في الأيام القادمة قوامها المجاهدون وشباب الحركة الإسلامية، وأن هذا الجسم سيتحرك سواء سمح له بذلك أو تم التضييق عليه، ليبقى النظام أمام خيارين اما ان يجرى اصلاحات جذرية ومقنعة فى صفوفه تلبى طموحات المغاضبين وتعيدهم إلى الصف من جديد، أو أن يدير لهم ظهره وحينها سيجد معارضة أشرس من معارضة الأحزاب التقليدية لأنّ قوامها عناصر الحزب الحاكم والخلايا الموالية لمجموعة التخريبية الموجودة بأجهزة الدولة الحساسة .. وحتى ذلك الحين؛ يبقى لكل حدثٍ حديث.