تقرير: علاء الدين عبد الماجد علي فقه الضرورة المفتى عليه ..تطل علينا بين الفينة والأخرى مسألة القروض الربوية، التي تبيحها الحكومة السودانية بدعوى " فقه الضرورة "، وليست هي المرة الأولى التي تثير فيها هذا الجدل، والنقاش حول هذا الموضع الذي أقحمت فيه الحكومة السودانية ومجمع فقهها أهل العلم اقحاماً، لا سبيل ولا مناط أن […]
تقرير: علاء الدين عبد الماجد علي
فقه الضرورة المفتى عليه ..
تطل علينا بين الفينة والأخرى مسألة القروض الربوية، التي تبيحها الحكومة السودانية بدعوى " فقه الضرورة "، وليست هي المرة الأولى التي تثير فيها هذا الجدل، والنقاش حول هذا الموضع الذي أقحمت فيه الحكومة السودانية ومجمع فقهها أهل العلم اقحاماً، لا سبيل ولا مناط أن تقال فيه كلمة، وأسئلة كثيرة تدور في أذهان من كان حظهم من العلم قليلاً ، أسئلة من قبيل هل يجيز فقه الضرورة الربا؟ وما مقدار الضرورة المبيحة – إن وجدت – للقروض الربوية؟ وهل تمويل مشروعات التنمية والمهام الدفاعية "في مقاتلة العدو " من الضرورة المبيحة للقروض الربوية؟
كل هذه الأسئلة العميقة التي تحتاج إلى أجوبة مدعومة ومحشودة لها الأدلة الشرعية، نفاجأ – وكالعهد بها – بأن مجلس الوزراء أجاز برئاسة البشير فتوى تبيح تمويل مشروعات الدولة بالقروض الربوية، وتم ذلك عبر ندوة قام بتقديمها محافظ بنك السودان، محمد خير الزبير، وشارك فيها رئيس مجمع الفقه الإسلامي الجديد د. عصام البشير حيث قال عصام أحمد البشير للصحافيين عقب اجتماع مجلس الوزراء: إن الندوة شارك فيها علماء من داخل السودان وخارجه واستعرضوا خلالها 19 بحثاً حوت فقه الشرائع وفقه الوقائع.
مجمع الفقه بعيد عن الفقه ..
وأبان د. عصام أن الفتوى أكدت أن الاقتراض بالربا من الكبائر والموبقات، غير أن الدولة إذا وقعت في ضرورة أو حاجة عامة فإنه يجوز لها الاقتراض بالفائدة، شريطة استنفاد كل الوسائل في الحصول على مصادر تمويل مقبولة شرعاً. وأكد أن الضرورة تقدر بقدرها زمانا ومكانًا، دون تعد أو زيادة، وألا يترتب على القرض ضرر مساوٍ للضرر الأصلي أو أكبر منه. وأجاز المجلس مقترحات الندوة بتكوين آلية لدراسة اتفاقيات القروض كل على حده. وعجيب أمر الدولة، شرعت مباشرة في اعتمادها لسياسة الأخذ بالقروض الربوية كمنهج لها، فأين الفقه يا مجمع الفقه؟ ولا يخفى على أحد أن سد مروي تم إنشاؤه بقرض ربوي، ومن المفارقة الغريبة العجيبة أن من احتج على هذا القرض الربوي في البرلمان حينها أعضاء الحزب الشيوعي – قطعاً ليس ديانةً – بل لأنهم يصفون الرأسمالية بالطفيلية باعتبار أنها نظام معادٍ للاشتراكية التي يزعمون !!
الضرورة في حالة الحكومة السودانية باطلة ..
وكشف د. محمد شريف بشير الشريف أستاذ الاقتصاد والتمويل الإسلامي بجامعة السلطان الشريف علي الإسلامية – سلطنة بروناي عن أن القتوى التي صدرت من المؤتمر الثاني لمجمع البحوث الإسلامية بالأزهر الشريف، في مايو 1965م بالقاهرة، والتي شارك فيها لفيف من علماء الشريعة والاقتصاد والقانون داخل مصر وخارجها. منوهاً إلى أن هذه الفتوى تُمثل اجتهاداً جماعياً يرقى في قوته على اجتهاد الفرد، ولا يمكن نقضه بالآراء الفردية مهما علا شأن أصحابها.
وعدد د. محمد أهم ما جاء في الفتوى من أن الفائدة على أنواع القروض كلها ربا محرم، لا فرق في ذلك بين ما يُسمى بالقرض الاستهلاكي، وما يُسمى بالقرض الإنتاجي؛ لأنَّ نصوص الكتاب والسنة في مجموعها قاطعة في تحريم النوعين، قررت ثانيًا أن كثير الربا وقليلَه حرام، كما يشير إلى ذلك الفهم الصحيح في قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) بجانب أن الإقراض بالربا المحرم لا تبيحه حاجة ولا ضرورة، والاقتراض بالربا محرم كذلك، ولا يرتفع إثمه إلا إذا دعت إليه الضرورة. وكل امرئ متروك لدينه في تقدير ضرورته.
ويرى د. الشريف أن زبدة القول: " أنّ الاقتراض بالربا من المحرمات القطعية الثابتة التي لا مجال لتبريرها سواء للأفراد أو الحكومات إلا في حالة الضرورة إن وجدت، وأنّ الضرورة تحدد بشروطها وتقدر بقدرها. إنَّ استدلال بعضهم بقاعدة الضرورات تبيح المحظورات باطل لعدم وجود الضرورة في حالة الحكومة السودانية، وأنّ هناك من البدائل الشرعية ما يُغني عن أخذ القروض الربوية ".
الربا ممحوقة بركته ..
قال تعالى: (يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ)، فبصريح الآية أن السنة الكونية التي قضاها الله تعالى في الربا وأهله أنهم مبشرون بما يسوؤهم من المحق ونزع البركات، وحلول العقوبات بأن يأذن الله في حربهم، جاءت كذلك السنة الشرعية بتحريم الربا بنص لا لبس فيه (وأحل الله البيع وحرم الربا)، فبهذا تتوافق السنة الكونية القدرية والسنة الشرعية. وصح عن الإمام أحمد وصححه الحاكم عن ابن مسعود – رضي الله عنه – أن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال : (( الربا وإن كثر فإن عاقبته تصير إلى قل )).
دغمسة الحكومة السودانية ..
كل هذا المشهد في تعامل الدولة في التعاطي مع هذه القضية الشرعية يعطي المراقب صورة عامة بأن الدولة مضطربة في الأخذ بالربا الذي هو محرم بالنص القطعي "فإلى متى تظل الدغمسة؟" ، الجواب قطعاً حتى تفيء الدولة للحكم بالشرع حقيقةً لا شعارات.