المشرف العام الشيخ الدكتور

محمد عبدالكريم الشيخ

حماية السنة النبوية

حماية السنة النبوية

الحمد لله الذي رضي من عباده باليسير من العمل، وأفاض عليهم النعمة وكتب على نفسه الرحمة، وضمن الكتاب الذي كتبه أن رحمته سبقت غضبه، دعا عباده إلى دار السلام فعمهم بالدعوة حجة منه عليهم وعدلا، وخص بالهداية والتوفيق من شاء منهم نعمة منه وفضلا، فذلك عدله وحكمته وهو العزيز الحكيم، وذلك فضله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم.

أشهد ألا إله إلا هو شهادة نرضي بها الرحمن، ونخسأ بها الشيطان، نحل بها الحلال ونحرم بها الحرام، ونؤمن بها أن الدين ما شرعه الله، وأن الأمر أمر الله.

ونشهد أن سيدنا محمدا رسول الله، خيرته وخليله أرسله الله تعالى بهذا الدين فبلغ البلاغ المبين، وأدى ما عليه من الوحي الإلهي العظيم، فما ترك شيئا أمر ببلاغه إلا وبلغه، فنشهد أنه بلغ وأدى ونصح، اللهم احشرنا في زمرته، واجعلنا من خير أهل ملته، واسقنا من حوضه شربة هنيئة مريئة لا نظمأ بعدها أبدًا.

عباد الله:

عليكم بتقوى الله جل وعلا، فإنكم إن اتقيتموه جعل لكم من كل هما فرجا، ومن كل ضيق مخرجا، كما وعد ربنا: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ) (سورة الطلاق الآية 2،3)، وتقوى الله تبارك وتعالى، هو الضمان وهو الأمان، وهو الذي أمرنا الله تعالى به حتى ننتفع بالعلم، (وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (282) سورة البقرة)

تزود من التقوى فإنك لا تدري

تموت بليل أو تعيش إلى الفجر

اللهم إن نسألك التقى والهدى والعفاف والغنى

 

عباد الله:

إن هذا الدين متين، وإن دين الله سبحانه وتعالى قوامه على الوحي، والوحي وحي متلو؛ وهو القرآن، ووحي غير متلو؛ وهي السنة النبوية.

إن الرسول صلى الله عليه وسلم جاء بهذين الوحيين، وأكد القرآن عليهما وعلى قدسيتهما، فقال سبحانه وتعالى: (وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى (4) (سورة النجم)، أي كل ما ينطقه الرسول عليه الصلاة والسلام عن ربه جل وعلا فإنه حق لا مرية فيه، وكان هنالك صحابي جليل، من كتبة السنة، وهو عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، يكتب كل شيء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنهته قريش يوما، وقالوا له: تكتب عن رسول الله كل شيء؟ ورسول الله بشر يغضب، أي يغضب كما يغضب البشر، فقال ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له الحبيب المصطفى، اكتب، فوالله ما يخرج من هذا إلا حق؛ مؤكدا قول الله جل وعلا: (وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى (4)) (سورة النجم)، والله سبحانه وتعالى ما اكتفى بالقرآن وهو المتكلم به جل وعلا، ما اكتفى بالقرآن في الحجية أو في إقامة الحجة علينا، وإنما ضم إلى القرآن ما يكون من الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم من البيان، قال جل وعلا في سورة النحل، وهي سورة النعم: (وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (44) سورة النحل).

أنزل الله سبحانه وتعالى الذكر، وأرسل مع الذكر رسولا يبين ما في هذا الذكر من الجوانب التي أجملها القرآن الكريم. كان في مقدور الله جل وعلا سبحانه وتعالى، أن يودع هذا القرآن تفاصيل العبادات، وتفاصيل المعاملات، وتفاصيل الأشياء، ولكن الله تعالى جعل أحكاما كثيرة في القرآن مجملة، وبيانها وتفصيلها في السنة المطهرة، وأُولى هذه الأحكام، الصلاة التي نؤديها، أين في القرآن أنها خمس؟ أين في القرآن أنها صلاة الظهر وصلاة العصر؟ أين هذا التفصيل؟ لم يرد في القرآن عدد ركعات الصلاة الواحدة ولا عدد الصلوات في اليوم، وإنما قال القرآن إجمالا: (حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى … (238) سورة البقرة)، وقال القرآن: (وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ ..) (في البقرة، والنساء، والأعراف، ويونس، والنور، والروم، والرحمن، والطلاق، والمزمل)، وقال القرآن: (وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ) (سورة هود 114)، (أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا) (سورة الإسراء 78)، أين تفاصيل الصلاة في القرآن؟ ولكن السنة جاءت لتقول لنا: (خمس صلوات كتبهن الله على العباد)، ويفصل الرسول عليه الصلاة والسلام هذه الصلوات الخمس، يفصلها بمقاله وفعله، فيصل إلينا ذلك عبر السنة النبوية المطهرة، فلما ذهب أناس ينكرون السنة عجزوا عن أن يعرفوا عدد الصلوات التي فرضها الله تعالى عليهم، فظهر لدينا أناس يسمون بـ[ـالقرآنيين]، اكتفوا بثلاث صلوات فقط، لا يضيفون إليها صلاة رابعة على الفرض، من أجل ماذا؟ من أجل أنهم لم يجدوا ذلك في القرآن، وفعلا، لا يوجد هذا التفصيل في القرآن الكريم.

إن علماء الإسلام وأهل الإسلام أجمعوا على حجية السنة وأن من أنكر السنة جملة، فإنه كافر خارج من الملة، لأنه يقوض بذلك ركنا ركينا من أركان الإسلام، ويطعن بذلك في القرآن نفسه، فإن القرآن الكريم أوجب علينا طاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال الله: (مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ) (النساء 80)، وقال تعالى: (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا) (الحشر 7)، وقال جل وعلا: (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (31) (آل عمران)، فمن أراد أن يترجم محبة الله تعالى إلى الواقع والتطبيق فليس له من طريق إلا أن يطيع رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما أمر به.

وقد تنبأ رسولنا صلى الله عليه وسلم بخروج نابتة من أمته، يدَّعون الانتساب إلى الإسلام ولكنهم ينكرون السنة. تنبأ الرسول صلى الله عليه وسلم بذلك كما عند الترمذي وغيره، قال صلى الله عليه وسلم: (يوشك رجل شبعان متكئ على أريكته يقول بيننا وبينكم كتاب الله، ما فيه من حلال حللناه وما فيه من حرام حرمناه، ألا وإنما حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل ما حرم الله). إن الرسول عليه الصلاة والسلام، يخبرنا في هذا الحديث أن جماعات وفئاما من الناس يأتون في إثر هذه الأمة ينكرون السنة، ينكرون السنة ويقولون للناس: مالكم وللسنة؟ مالكم ولأحاديث أبي هريرة وعبد الله بن عمرو بن العاص وعائشة؟ عليكم فقط بالقرآن، القرآن فيه كل شيء، يخدعون الناس بهذا الكلام، نعم فيه كل شيء، ومما في هذا القرآن الأمر بالسنة، القرآن فيه كل شيء، ولا يمكننا أن نصل إلى كل شيء إلا عبر ما أمرنا به القرآن من أن نحكمه؛ السنة النبوية المطهرة.

إخوة الإسلام:

لعل قلوبكم قد اطمأنت بهذه العقيدة ولا أحسب أن أحدا فينا يشكك في هذه الحقيقة؛ إن السنة النبوية وأن الأحاديث النبوية لها قدسيتها ولها حجيتها، وكلنا يعرف الرجال العظام الذين حفظوا لنا سنة النبي عليه الصلاة والسلام، كم بذلوا من الجهد، والسفر، والتعب، وأنفقوا من العمر من أجل أن يضبطوا لنا أحاديث رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم.

هذا الإمام البخاري رحمة الله عليه، كتابه أصح كتاب بعد كتاب الله تعالى أجمعت الأمة على صحة كتابه، هذا البخاري، لم يأت بهذا الكتاب من شبع، ولا من لعب، ولا لهو، وإنما كان رحمه الله تعالى ربما يمكث الأيام لا يطعم الطعام، ولا يجد ما يلبسه من اللباس، افتقده بعض تلامذته يوما، وهم في مجلس الحديث، فذهبوا إليه فطرقوا عليه الباب، فكلمهم من وراء الباب أن له قميصا، قميصا واحدا، وأن هذا القميص يغسله في كل يوم ليخرج به، فتلف عليه ذلك القميص، فأعطوه قميصا فلبسه فخرج إليهم.

ما كانوا يمدون أيديهم لأحد، وكانوا قد اشتغلوا بأحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم لدرجة أنهم نسوا الأطعمة، لما ذهب إلى بعض الأطباء وحلل “بوله” قال له إن هذا بول رجل لم يطعم اللحم منذ كذا وكذا، لم يجد ما يشتري به اللحم، كان يسافر رحمه الله تعالى الأسفار المتطاولة من أجل حديث واحد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقصته مع صاحب الداجن مشهورة، لما ذهب إلى قرية وقد سمع عن رجل يروي حديثا وكان لهذا الرجل داجن، (غنماية) فإذا به يستدرج الشاة بأن يرفع ثوبه كأن به شيئا، كأن به طعاما، فلما جاءت الشاة، ارتاب البخاري في هذا الرجل، ارتاب في هذا الرجل لأنه غش البهيمة، فخشي أن يكون ممن يغش في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، فترك الرواية عنه، فكان يترك الرواية لمثل هذه الأمور العجيبة الغريبة، وذلك صيانة لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم. ما أودع حديثا في صحيحه إلا وصلى قبل ذلك ركعتين، يستخير الله تعالى في وضع هذا الحديث في هذا الكتاب الجامع. وبعد كل هذا الجهد وبعد هذا الرضا من قبل الأمة بهذا العمل العملاق، العظيم، الذي حفظ الله تعالى لنا به السنة، يأتي على إثر هؤلاء رويبضات، رويبضات يتكئون على أرائكهم، وقد شبعوا من هذه الدنيا، شبعوا منها مطعما ومشربا، يتكئون فيجلسون، فيتحدثون بسفاهة عن البخاري، ويتحدثون عن السنة، وعن طرحها، وقد أخزى الله تعالى من هؤلاء من أخزاهم، مثل القذافي الذي كان يتهكم بالسنة، ويحاربها بكتابه الأسود الذي سماه بالكتاب الأخضر، فأخزاه الله تعالى خزيا عظيما، ولكن بقي من بعد القذافي وأبي رية، وجماعات من هؤلاء، أناس لا خلاق لهم، أخزاهم الله تبارك وتعالى، ومع خزي الله عز وجل لهم إلا أنهم يصرون على هذه الخطئية، ومن هؤلاء: هذا الذي ضرب في السبعين، ولا يستحيي ولا يزال ينكر السنة، وتلامذته الأبواق عنه، ينقلون هذا، هذا الترابي الذي ينكر السنة ومن معه، – ليس وحده – وإنما هم مجموعات، ولكن يترأسهم هذا، وإن الذي دفعني للحديث عن هذا الرجل مرة أخرى، وقد تحدثنا عنه كثيرا وعن زندقاته، وعن إنكاره للمعلوم من الدين بالضرورة، كإنكاره للقيامة الجامعة، وإنكاره لعذاب القبر ونعيمه، وحديثه المتطاول على أنبياء الله ورسله بزعم ضلالات الأنبياء، وغير ذلك من إنكاره للشريعة الإسلامية، وغير ذلك من الأمور التي هي عظيمة، ما كان لنا أن نعيد هذا الكلام، ولكن!! إذا خرج بعض تلامذته فيتحدثون مثل هذا الحديث الذي نما إلى سمع كثيرين منكم أو بعضكم عبر الوسائط الاجتماعية، من ادعائه أولا، بأن شيخه هذا نبي من أنبياء الزمان، أولا، ومن تطاوله على السنة ونسفه لأحاديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وحتى لا نتجنى عليهم، فإنني أنقل بعض ما دار من حوار في جريدة “المجهر السياسي”، لهذا المدعو عمار السجاد، رئيس لجنة مبادرة الإسناد الوطني القيادي بالمؤتمر الشعبي، يقول هذا العمار: صحيحا البخاري ومسلم وكل الأحاديث منسوفة عندي، الضابط هو القرآن والعقل، – هذا الكلام يقال في جريدة سيارة في السودان – ، ويقول أيضا عن عذاب القبر ونعيمه، -نقلا عن شيخه- يقول: (هذه خرافات، اختبارها سهل، – يعني عذاب القبر ونعيمه اختبارها سهل – وإذا فتحت القبر لن تجدي غير “العُضَام” والدود). وقال ذلك مثله شيخه لما جاء في هذا الحي في بعض المناسبات وتهكم بعذاب القبر ونعيمه، أيضا نفس العبارات يجرتها هذا ولكن بصورة واضحة حتى لا يأتي بعض أتباعهم فيغالطوننا في اعتقاداتهم وفيما يقولونه وينشرونه، فادعى هذا العمار، وهو دكتور، أن الترابي نبي زمانه، ويقول للصحفية هذه: (امشي وافتحي قبر هسي وشوفي هل ستجدي بداخله جنة أو نار؟ لن تجدي إلا “العُضام” والدود)، ثم يقول: هذه خرافات لا تصلح لأن “نحجي” بها الأطفال، حتى إذا حجيناهم بيها، سيضحكون علينا).

والله أنت الأحق بأن يضحك عليك، أنت ومن معك، أنتم الذين في خرافات، ثم يقول إنه مقتنع برؤية الترابي حول رفضه لحجية السنة، وإسقاطه لكل الأحاديث بما فيها صحيحا البخاري ومسلم، وقال: (إن الترابي يعمل على تجريد الدين من الخرافات والأوهام، ومن أمراض الأجيال السابقة)، ويضيف مؤكدا ويقول: أولا أنا أسقطت الأحاديث كلها، سبحان الله، استنسر البغاث بأرضنا. من أنت؟ من أنت حتى تنكر الأحاديث؟  لكن استنسر البغاث بأرضنا وتطاول الأقزام على القمم الشوامخ، هذا الذي هو شبعان متكئ على أريكته يريد أن يسقط الأحاديث كلها بمثل هذه الكلمات، يقول أولا أنا أسقطت الأحاديث كلها، أنا “بنسف” أي أحاديث وكل الأحاديث منسوفة عندي، القرآن والعقل سأضع أي حديث بينهما، بغض النظر عن روايته أو سنده أو متنه، فإذا استقام أو وجدته متماشيا مع القرآن ومع العقل، أخذت به وإلا إذا ما استقام سأرد هذا الحديث.

هذه بعض الطامات في هذا الحوار وهناك طامات أخرى، لكن!

أيها الإخوة والأخوات!

إن مثل هذه الجرأة على التطاول على السنة، لا يأتي إلا إذا لم يكن هناك من يحمون سنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، إن هؤلاء ما جاؤوا بجديد، إنهم يجترون ما ذكره المستشرقون، وما ذكره أذنابهم في مصر وفي بلاد الشام، وفي المغرب، ورد العلماء على ساداتهم، وعلى أساتذتهم ورد العلماء على من كانوا قبلهم، وخرجت كتب في الانتصار للسنة والدفاع عنها، والرد على ترهات هؤلاء، لكن هؤلاء مرة أخرى يأتون بهذه الترهات بحجة زعم التجديد للدين.

التجديد الذي نفهمه نحن، أنك تأتي إلى الإسلام الذي اندثر، وإلى السنة التي اندثرت فتحييها من جديد، تحيي في الناس السنن وتميت فيهم البدع، هذا عنوان التجديد الصحيح، أما التجديد الذي يريدونه، فهو نسف السنة النبوية، والإتيان على قواعد الشريعة  الإسلامية.

إخوة الإسلام!!

إن الحكم على هؤلاء الذين ينكرون السنة بالكلية هو الخروج من الملة، وإن التهكم في الغيبيات الثابتة في الكتاب والسنة؛ كالتهكم في عذاب القبر ونعيمه، هو من السخرية بدين الله سبحانه وتعالى، والله عز وجل يقول في محكم تنزيله: (قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ (65) لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ) (التوبة 65).

إن الاستهزاء بعذاب القبر ونعيمه، وإن الاستهزاء بعذاب الساعة؛ كخروج الدابة، وخروج يأجوج ومأجوج، وغير ذلك من الأشراط التي ذكرها الله سبحانه وتعالى، أو ذكرها رسولنا عليه الصلاة والسلام، هذا هو عين الزندقة، وهذا هو عين الكفر والخروج عن الملة، إن على هذا الرجل الذي تكلم بهذا الكلام أن يتوب إلى الله سبحانه وتعالى، وأن يرجع اليه، وأن يعلم بأن في الأمه حماةً للسنة، وأن سنة النبي عليه الصلاة والسلام ليست كلأً مباحًا يرتع فيه من يرتع فيه بما شاء كيف شاء، وإنما قيض الله تبارك وتعالى لسنة النبي عليه الصلاة والسلام رجالا يذودون عنه، كما كان في الماضي فهو كالحاضر أيضا، أسال الله سبحانه وتعالى أن يلهمنا رشدنا وأن يبصرنا بديننا. أقول هذا القول وأستغفر الله فيا فوز المستغفرين.

الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، والصلاة والسلام على البشير النذير المبعوث رحمة للعالمين؛ سيدنا محمد، وعلى آله وصحابته أجمعين.

إخوة الإيمان:

إن دعوى الإصلاح السياسي دعوى عريضة يمتطيها كل أحد، ولا يمكن لأحد أن يكون مصلحًا إلا إذا أصلح الدين والعقيدة أولاً، أما أن تأتي إلى ثوابت الأمة من عقيدتها ودينها، وتنسفها نسفًا، وتتهكم بها، ثم تدعي بأنك تصلح أمور الناس سياسيًا؟ هيهات هيهات، هذا ضرب من الخيال، ضرب من ضروب دعاوى المنافقين في الإصلاح، كما قال تعالى: (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ – قال الله تعالى – أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ) (البقرة 11).

إن الإصلاح في الأمة يبدأ من تثبيت دينها وعقيدتها، وأنا أعجب من هؤلاء، يدّعون هذه الدعوة العريضة في الإصلاح السياسي، ثم يتجرؤون هذه الجرأة المقيتة على ثوابت الدين، إن الأمة ينبغي أن تأخذ على أيدي هؤلاء، وأن لا يكون الحديث ونقل أحاديثهم على سبيل التفكه ومجرد التسلية، كما يفعل البعض وكأن الأمر لا يهمه إن الأمر يهم كل مسلم ومسلمة، إننا جميعا ينبغي أن ندافع عن دين الله تبارك وتعالى، فإذا وجدنا مثل هذا الكلام في بعض المجموعات الوسائطية الاجتماعية، أو وجدنا مثل هذا الكلام منشورا في بعض الصحف السيارة، فينبغي على الانسان أن ينكر مثل هذا المنكر، وأن يأخذ على أيدي هؤلاء.

 

أسأل الله سبحان وتعالى أن يقيض لهذه الأمة أمرًا رشدًا، وأن يجعلنا جميعًا من حماة دينه وسنته.

اللهم إنا نسألك الخير كله؛ عاجله وآجله، ماعلمنا منه ومالم نعلم، ونعوذ بك من الشر كله؛ عاجله وآجله، ما علمنا منه ومالم نعلم. اللهم لا تدع لنا ذنبا إلا غفرته، ولا هما إلا فرجته، ولا دينا إلا قضيته، ولا ضالا إلا هديته، ولا مبتلى إلا عافيته، ولا مريضا إلا شفيته، ولا حاجة من حوائج الدنيا والآخرة، هي لك فيها رضا، ولنا فيها صلاح، إلا وأعنتنا على قضائها ويسرتها لنا، ويسر أمورنا، واشرح صدورنا، ونور قلوبنا وقبورنا، واختم بالصالحات أعمالنا. اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علما، برحمتك يا أرحم الراحمين

اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداءك أعداء الدين. اللهم عليك باليهود الغاصبين، اللهم عليك بالنصارى المحتلين، اللهم كن لإخواننا المستضعفين في فلسطين، اللهم سدد رميتهم، اللهم ثبت أقدامهم وقلوبهم، اللهم تقبل رباطهم وجهادهم، الله وكن لإخواننا المستضعفين المكلومين المظلومين، في سوريا وفي بلاد الشام، اللهم كن لهم يا أرحم الراحمين، اللهم كن للمستضعفين في العراق، وفي أفغانستان، وفي كل مكان. اللهم أبرم لهذه الأمة أمرًا رشدًا، برحمتك يا أرحم الراحمين، اللهم كن للمستضعفين في بورما وفي أفريقيا الوسطى.

اللهم أنت الناصر وأنت المعين، يا أرحم الراحمين، اللهم إنا نسألك أن تبصرنا بديننا، اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، برحمتك يا أرحم الراحمين، اللهم صل على محمدٍ وعلى آل محمدٍ، كما صليت على إبراهيمَ وعلى آل إبراهيمَ، وبارك على محمدٍ وعلى آل محمدٍ، كما باركت على إبراهيمَ وعلى آل إبراهيمَ، في العالمين إنك حميد مجيد.

سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.