جابر عبد الحميد
قبل فترة قريبة ساقتني الأقدار لزيارة دولة تسمى لاوس، بينها وبين بلاد العرب ومهبط الوحي المفاوز والبحار والمحيطات، بل كأنها في كوكب آخر، لم أكن أعرفها ولا اسمها إلا قبل السفر بأيام، وهي دولة بوذية اشتراكية، إلا أن الحياة فيها بسيطة هادئة …
سكان دولة لاوس حوالي 8 ملايين، بين هؤلاء الثمانية ملايين 900 نفس تشهد لله بالوحدانية وتدين له بشرعته المعظمة. في العاصمة مسجدان فقط .. حرصت على أن تكتحل عيني برؤية بعض أفراد تلك العصبة المؤمنة، فقصدت الصلاة معهم، وكأني عندما رأيتهم قد رأيت عصابة الإسلام الأولى غير أنهم ليسوا هم، شهد لساني وجناني أن الله حق ومحمد حق والإسلام حق .. قرآنهم هو قرآننا وصلاتهم صلاتنا – على لكنة عندهم تؤكد عظمة هذا الدين الذي يستوعب اختلاف الألسنة- ، ووقار شيبتهم هو وقار شيبتنا، وحلق الذكر واصطفاف الأقدام في الصلاة وتراتيل التوحيد التي نطقت بها شفاههم ..
إنهم صفوة الله التي اختارها لتلك الأرض، إنهم بعض أمة محمد عليه الصلاة والسلام ..
وإنها أرض الله أيها السادة!! يورثها من يشاء من عباده، ويجعل فيها من خلقه من تقوم به عبادته وتوحيده ..
لاوس ليست هي البقعة الوحيدة التي توجد فيها أقليات مسلمة، لا شك أن جل البلدان وإن عظم بعدها واشتدت غفلتها عن خالقها وخالق أرضها وفضاءاتها، لا تخلو من قائم لله بالتوحيد والإسلام والحجة … وهم على أقل أحوالهم متمسكون بهذا الإسلام معبدون أنفسهم لرب الأنام، لكن ما أبعد إخوانهم عنهم .. إلا من رحم الله .. أخشى ألا نعرفهم ولا نتباكى عليهم إلا بعد أن تقع عليهم المصائب والتقتيل والتهجير والتضييق (سلمهم الله وحفظهم ووقاهم) .. وإلى الله المشتكى.
نسيت أن أخبركم!!
هذا الشاب الذي ترونه في الصورة، هو ثمرة رجل من غانا أو يوغندا -شككت-. تزوج هذا الرجل من تلك البلاد ولا زال يدعو أصهاره حتى أسلمت العائلة كلها على يديه فضلا من الله وتوفيقا، وهذا الشاب الذي يسير الآن في رحلة حفظ القرآن الكريم هو أحد أفراد هذه العائلة المباركة.
ونسيت أن أخبركم أن هؤلاء ال900 هم خلاصة ألوف أو عشرات الألوف وربما الملايين، قد فني كثير من أجدادهم وأسلافهم بسبب القبضة الاشتراكية الشرسة، حتى فترت عنهم سنون التهجير وحفظتهم يد العناية الإلهية فصاروا إلى هذا العدد. ألا فارعوهم بحق أخوة الإسلام كل بما استطاع، وصلوهم قبل ألا تصلوهم، وقبل أن يقال: كان في تلك الأرض وغيرها من يعبد الله تعالى.