حافظ بن أحمد حكمي
حافظ بن أحمد حكمي[رحمه الله]
ملخص(تمت مقابلته مع الأصل)
معنى القاعدة:
هذه هي المسألة الثالثة وهي أن فاسق أهل القلبة لا ينفي عنه مطلق الإيمان بفسوقه ولا يوصف بالإيمان التام ولكن هو مؤمن ناقص الإيمان أو مؤمن بإيمانه فاسق بكبيرته فلا يعطي الاسم المطلق ولا يسلب مطلق الاسم والمراد بالفسق هنا هو الأصغر وهو عمل الذنوب الكبائر التي سماها الله ورسوله فسقا وكفرا وظلما مع إجراء أحكام المؤمنين على عاملها فإن الله تعالى سمى الكاذب فاسقا فقال تعالى( يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا )-الحجرات 6 – ومع هذا لم يخرج ذلك الرجل الذي نزلت فيه الآية من الدين بالكلية ولم ينف عنه الإيمان مطلقا ولم يمنع من جريان أحكام المؤمنين عليه وكذلك قال النبي صلى الله عليه و سلم (سباب المسلم فسوق وقتاله كفر) وقال صلى اله عليه وسلم ( لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض )الحديث وغيره .
{ وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا }فَسَمَّاهُمْ الْمُؤْمِنِينَ:
وقد استب كثير من الصحابة على عهده وفي حضوره فوعظهم وأصلح بينهم ولم يكفرهم بل بقوا أنصاره ووزراءه في الدين وقال الله سبحانه }وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الآخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء الى أمر الله -{الحجرات 9- فسمى الله تعالى كلا من الطائفتين المقتتلتين مؤمنة وأمر بالاصلاح بينهما ولو بقتال الباغية ثم قال }فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا إن الله يحب المقسطين{ -الحجرات 9 -ثم لم ينف عنهم الأخوة أخوة الإيمان لا فيما بين المقتتلين ولا فيما بينهما وبين بقية المؤمنين بل أثبتت أخوة الإيمان لهم مطلقا فقال عز و جل }إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم واتقوا الله لعلكم ترحمون {الحجرات 10
وكذلك في آية القصاص أثبت الإيمان للقاتل والمقتول من المؤمنين وأثبت لهم أخوة الإيمان فقال تعالى} يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى فمن عفى له من اخيه شيء فاتباع بالمعروف وأداء اليه بإحسان{ البقرة 178 وكذلك الذين قال لهم النبي صلى الله عليه و سلم } لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض {سماهم أيضا مسلمين بعد أن رجعوا كذلك فقال في صفة الخوارج ) تمرق مارقة عند فرقة من المسلمين يقتلها أولى الطائفتين بالحق ( ومعلوم أن أصحاب علي بن أبي طالب وأهل الشام هما الفرقتان اللتان مرقت الخوارج من بينهما وقد اقتتلا قتالا عظيما فسمى الجميع مسلمين وقال صلى الله عليه و سلم في سبطه الحسن بن علي ) إن ابني هذا سيد وسيصلح الله تعالى به بين فرقتين عظيمتين من المسلمين( فأصلح الله تعالى به بين هاتين الفرقتين بعد موت أبيه رضي الله عنهما في عام الجماعة ولله الحمد والمنة.
الفسوق قسمان أصغر وأكبر:
ولا منافاة بين تسمية العمل فسقا أو عامله فاسقا وبين تسميته مسلما وجريان أحكام المسلمين عليه لأنه ليس كل فسق يكون كفرا ولا كل ما سمى كفرا وظلما يكون مخرجا من الملة حتى ينظر الى لوازمه وملزوماته وذلك لأن كلا من الكفر والظلم والفسوق والنفاق جاءت في النصوص على قسمين :
• أكبر يخرج من المله لمنافاته أصل الدين بالكلية
• وأصغر ينقص الإيمان وينافي كماله ولا يخرج صاحبه منه
فكفر دون كفر وظلم دون ظلم وفسوق دون فسوق ونفاق دون نفاق قال الله تعالى في بيان الكفر} إلا إبليس أبى واستكبر وكان من الكافرين{ البقرة 34 – وقال }{ن الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله قد ضلوا ضلالا بعيدا إن الذين كفروا وظلموا لم يكن الله ليغفر لهم ولا ليهديهم طريقا إلا طريق جهنم خالدين فيها أبدا وكان ذلك على الله يسيرا} النساء 167
* وقال النبي صلى الله عليه و سلم في بيان الكفر الأصغر } {سباب المسلم فسوق وقتاله كفر}* وقال الله تعالى في الظلم الأكبر {إن الشرك لظلم عظيم} لقمان 13
* وقال في الظلم الأصغر {اتقوا الله ربكم لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة وتلك حدود الله ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا{ الطلاق 1 -وقال تعالى }إن الذن يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا وسيصلون سعيرا }النساء 10
* وقال في الفسوق الأكبر {إلا إبليس كان من الجن ففسق عن أمر ربه {الكهف 50 وقال تعالى} والكافرون هم الفاسقون }*وقال تعالى في النفاق الأكبر{ومن الناس من يقول آمنا بالله وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين {البقرة 8 وقال{ إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار} النساء 145 وقال النبي صلى الله عليه و سلم في النفاق الأصغر ) أربع من كن فيه كان منافقا خالصا ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها إذا حدث كذب وإذا عاهد غدر وإذا وعد أخلف وإذا خاصم فجر ) فهذه الخصال كلها نفاق عملي لا يخرج من الدين إلا إذا صحبه النفاق الاعتقادي المتقدم
رد مذهب الفرق المخالفة للدين:
وما تمسك به الخوارج والمعتزلة وأضرابهم من التشبث بنصوص الكفر والفسوق الأصغر واستدلالهم به على الأكبر فذلك مما جنته أفهامهم الفاسدة وأذهانهم البعيدة وقلوبهم الغلف فضربوا نصوص الوحي بعضها ببعض واتبعوا ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله .
* فقالت الخوارج المصر على كبيرة من زنا أو شرب خمر أو ربا كافر مرتد خارج من الدين بالكلية لا يصلى عليه ولا يدفن في مقابر المسلمين ولو أقر لله تعالى بالتوحيد وللرسول صلى الله عليه و سلم بالبلاغ وصلى وصام وزكى وحج وجاهد وهو مخلد في النار أبدا مع إبليس وجنوده ومع فرعون وهامان وقارون .
* وقالت المعتزلة العصاة ليسوا مؤمنين ولا كافرين ولكن نسميهم فاسقين فجعلوا الفسق منزلة بين المنزلتين ولكنهم لم يحكموا له بمنزلة في الآخرة بين المنزلتين بل قضوا بتخليده في النار أبدا كالذين قبلهم فوافقوا الخوارج مآلا وخالفوهم مقالا وكان الكل مخطئين ضلالا .
* وقابل ذلك المرجئة فقالوا لا تضر المعاصي مع الإيمان لابنقص ولا منافاة ولا يدخل النار أحد بذنب دون الكفر بالكلية ولا تفاضل عندهم بين إيمان الفاسق الموحد وبين إيمان أبي بكر وعمر حتى ولا تفاضل بينهم وبين الملائكة لا ولا فرق عندهم بين المؤمنين والمنافقين إذ الكل مستوفى النطق بالشهادتين كما قدمنا اعتقادهم في بحث الإيمان نسأل الله تعالى العافية .