الشيخ د.محمد بن عبد الكريم
تعقيب د. الشيخ محمد بن عبد الكريم وفقه الله في ندوة المشروع الاسلامي والتحديات المعاصرة التي شارك فيها أصحاب الفضيلة الضيوف الأكارم من أرض الكنانة في زيارتهم إلى السودان.
الحمد لله وحده، نصر جنده، وأعز عبده، وهزم الأحزاب وحده، وصلى الله وسلم على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحابته وسلم تسليمًا مزيدًا إلى يوم الدين.
هذا المشروع الذي نتوق إليه جميعاً ونحلم به، وهذا جيلنا والذي قبله من قادته وموجهيه ومرشديه من العلماء والدعاة والمجاهدين قدّم ما قدم من التضحيات في بلدان شتى وأصقاع مختلفة، فكان منهم من جاد بحياته وروحه من أجل أن تسعد هذه الأمة وتنعم بظلال الكتاب والسنة.
وكلنا يعرف من قصص أولئك الأماجد الأكابر من الذين خطوا لنا الدرب، وبينوا لنا معالمه، فكان منهم صاحب معالم في الطريق سيد قطب رحمه الله تعالى هذا الرجل العظيم الذي عرفنا في ثباته وفي كلماته موقفَ الرجل القرآني الذي يضحي بروحه وبحياته من أجل المبدأ وقيام الأمة به، في مثل هذه اللحظات والأمة تنتصر وتنتفض هنا وهناك في مصر وتونس وليبيا وفي سوريا بلاد الشام، لابد أن نذكر لهؤلاء جميعاً سبق أولئك العلماء الأخيار في العلم والفضل، العلماء الذين أخذنا من موائدهم الشئ العظيم، عرفناهم في مصرَ أرضِ الكنانة – هذه الأرض التي تسلط عليها أعداء الله عز وجل من اليهود وأذنابهم ومن الغربيين ومن رضع من لبانهم، هذه الأرض المعطاءة التي أفاضت على العالم الإسلامي كله من الأساتذة والعلماء والموجهين، كيف تسلط الأعداء على هذه الأرض ؟ ووظفوا أجهزتها ومؤسساتها الأمنية والاستخباراتيه من أجل خدمة اليهود في حصار عباد الله تعالى ومطاردتهم في كل مكان .؟
إننا لايمكننا أن ننسى بأي حال ذلك الموقف الذليل الخانع الذي وجدناه من النظام المصري السابق وهو يحاصر إخواننا في غزة وهم يقصفون بالطائرات الإسرائيلية التي دمرت بيوتهم وقتلتهم وشردت بهم ، وأجهزة النظام يتتبعون الجرحى، والذين يخرجون من معبر رفح ليتم استجوابهم والضغط عليهم من أجل معرفة مكان الجندي "شاليط"، وهكذا النظام، كله كان يوظف من أجل تتبع الجندي "شاليط" ومن أجل حماية ظهر اسرائيل؛ كيف انقلبت الأمور؟ هكذا إرادة الله !.
إرادة الله لهذه الأمة ألاَّ تبقى في الذلة والمهانة أبداً ، قال صلى الله عليه وسلم : «بَشِّرْ هَذِهِ الْأُمَّةَ بِالسَّنَاء وَالنَّصْرِ وَالتَّمْكِينِ فِي الْأَرْضِ "هكذا قال النبي عليه الصلاة والسلام بأنّ أمتنا مبشرة بالسداد والرفعة .
هذا المشروع الاسلامي ليس مشروع حزب، أو أمة، أو رجل، بل هو مشروعٌ قرره القرءان الكريم. وهو مبدأ وليس مجردَ مشروع من المشاريع التي تحاول الامة أن تجربها كما جربت غيرها من المشاريع – فنحن نتحفظ على هذه الكلمة في ذاتها – لأن الإسلام منهج حياة ندعوا إليه ونؤمن به ونتشوفه .
إننا لانفهم مفهوم العبادة لله تعالى إلا بالإذعان لسلطانه ودينه، فلا مفهوم للعبودية المطلقة لله عز وجل إلا بالخضوع لشرعه، (وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ)، وفي موضع (وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ) كيف يكون الدين كله لله؟ ذلك بأن يكون السلطان والنظام والمرجعية التي تنطلق منها الأمة لله عز وجل .
هذا المشروع مشروع الإسلام والأمة كلها ليس مشروع إخواننا في مصر وحدهم ، ولذلك نقف مع إخواننا نشد من أزرهم ونفرح بنصرهم ونحن معهم قلباً وقالباً بكل ما أوتينا من قوة وما تهيأ لنا من إمكانات، ولايجوز لمسلم آتاه الله شيئاً من علم وفهم أو قدرة وإمكانات، أن يبخل بها على إخواننا هناك.
وهذا الحديث ليس عن إخواننا في مصر فقط بل إخواننا في كل مكان ؛ في ليبيا وتونس وسوريا واليمن، لأننا كلنا أمة واحدة.
كما أود أن أشير إلى أنّ من أعظم التحديات التي تواجه هذا المشروع – إن جاز لنا أن نتحدث باقتضاب – ما يتعلق يإيقاظ هذه الأمة وتجييشها خلف هذا المشروع من العلماء والدعاة الذين يدعون هذه الأمة إلى تحقيقه واقعا في الحياة .
وليس المقصود من العلماء والدعاة وهم يحاولون تجييش هذه الأمة أن يتنازلوا عن الثوابت أو أن يشددوا عليها ما يسره الله تعالى لها فيه، وما لم يجعل الله تعالى فيه حرج أو أن يشرعوا لها تشريعاً جديداً من غير ما أذن الله فيه؛ وإنما المقصود أن يبينوا دين الله عز وجل وأنه مبني على اليسر ورفع الحرج ، كما أنّ المطلوب من أصحاب ذلك المشروع الذين ابتدروا القيام به أن ينزلوه كما هو بفقه وعلم دون تقديم تنازلات، وإنّ الذين ظنوا وهم يحاولون إيجاد مشروع إسلامي في أي مكان بأنّ الطريق في ذلك هو تقديم التنازلات وتغيير الثوابت ومجاملة أعداء الله عز وجل هؤلاء أخطؤوا الطريق، وضلوا السبيل .
إنّ الكلمات الأولى التي ثبت الله تعالى بها فؤاد النبي عليه الصلاة والسلام بينت أن ماجاء به عليه الصلاة والسلام شيء، وأن العالم كله بكل مافيه من الأفكار والمعتقدات شئ آخر، قال تعالى (لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ) ، فلا سبيل إلى اتنصار هذا الدين بمبادئه إلا أن يتميز عن العالم كله في معتقداته وأنماط سلوكه وعاداته، فنحن عباد الله المسلمون نعتز بديننا، قال تعالى (وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) فلابد أن نخوض هذه المعارك مع أعدائنا في الداخل أو في الخارج بهذه العزة وبهذا الإيمان بالله تبارك وتعالى.
أسأل الله تعالى أن يوفق إخواننا في مصر الحبيبة لنصرة هذا الدين.
وصلى اللهم وسلم على نبينا محمد.