الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله الأمين، وعلى آله وصحابته مع التسليم، وبعد؛
يقول العلامة د. فهد بن عبد الرحمن الرومي: " إن القرآن كلام الله – سبحانه -، أودع فيه الهدى والنور، وأبان فيه العلم والحكمة، فأقبل العلماء ينهَلون من معينه … وأقبلت طائفةٌ على تاريخ نزوله، ومكِّيِه ومدنيِّه، وأول ما نزل وآخر ما نزل، وأسباب النزول، وجمعه وتدوينه وترتيبه، وناسخه ومنسوخه، ومُجمله ومُبيّنه، وأمثاله وقصصه، وأقسامه، وجدله، وتفسيره، حتى أصبحت هذه المباحث علومًا واسعةً غاصَ في بحورها العلماء، واستخرجوا منها الدرر …وقد ألَّف العلماء في كل عصر مؤلفاتٍ تناسب معاصريهم في الأسلوب والتنظيم والترتيب والتبويب وما زالوا يُؤلِّفون، وكل منهم يبذل جهده ويتحرَّى ما وسعه التحرِّي أن يبسط هذه العلوم بأسلوبٍ مُيسَّر " .
تعريف علوم القرآن:
علوم القرآن مركب إضافي، مكون من كلمتين، كلمة "علوم" و "قرآن" ، وهذا يقتضي تعريف كل كلمة لوحدها .
تعريف "علوم" هي جمع علم، والعلم في اللغة نقيض الجهل، وهو مصدر مرادف للفهم والمعرفة والإدراك، ويراد به إدراك الشيء على حقيقته، ثم نُقل بمعنى المسائل المختلفة المضبوطة ضبطاً علمياً والمتعلقة بعلم ما، ومن أحسن ما قيل في كلمة العلم أنها أشهر من أن تعرف.
تعريف القرآن الكريم:
والقرآن في اللغة: اختلفت فيه أقوال العلماء هل هو مصدر أم وصف؟ ثم هل هو مهموز أم غير مهموز؟ والذي نختاره أنه مصدر مهموز على وزن فُعلان بالضم كالغفران، والشكران، من قرأ يقرأ قراءة، وقرآناً، ويشهد لهذا الاختيار ورود القرآن بمعنى القراءة. فـ " قرأ " : تأتي بمعنى الجمع والضم والتلاوة، والقراءة: ضم الحروف والكلمات بعضها إلى بعض في الترتيل، وقد نقل من هذا المعنى المصدري وجعل اسماً للكلام، المعجز المنزل على محمد. من باب إطلاق المصدر على مفعوله، فأصبح كالعلم الشخصي له.
يذكر له العلماء تعريفاً له: هو كلام الله، المنزل على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، المعجز في لفظه ومعناه، المنقول إلينا بالتواتر، المتعبد بتلاوته. أما كلام فهو اسم جنس يشمل جميع الكلام لله تعالى وللمخلوقات وبإضافته إلى لفظ الجلالة (كلام الله) يخرج كلام غيره من الإنس والجن والملائكة.و(المنزل) يخرج كلام الله الذي استأثر به سبحانه (قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا) . وتقيد المنزل بكونه ( على محمد صلى الله عليه وسلم) يخرج ما أنزل على الأنبياء قبله كالتوراة والإنجيل وغيرهما. و(المعجز بلفظه ومعناه) قيدٌ في التعريف؛ لأن القرآن الكريم هو المعجزة الخالدة والرسالة المتجددة الصالحة لكلِّ زمان ومكان، وقد وقع به التحدي إلى يوم القيامة، قال تعالى (قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا)، و (المنقول إلينا بالتواتر) قيد خرج به الحديث القدسي والنبوي مما لم يرد متواترا، وخرج به قراءات الآحاد والشواذ. و (المتعبد بتلاوته ) يُخرج قراءات الآحاد، والأحاديث القدسية؛ لأن التعبد بتلاوته معناه الأمر بقراءته في الصلاة وغيرها على وجه العبادة، وليست قراءة الآحاد والأحاديث القدسية كذلك، كما خرج به سائر الحديث النبوي والقدسي لأنه لا يتعبد بتلاوتهما.