علاء الدين عبد الماجد
حول قوله تعالى: (التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنْ الْمُنكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ وَبَشِّرْ الْمُؤْمِنِينَ)
(1) اقتران بديع
(التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ) تأمّل وتدّبر كيف جعل الله سبحانه التوبة والعبادة قرينتين.. هذه يعني التوبة [ترك ما يكره سبحانه]، وتلك يعني العبادة [فعل ما يحب سبحانه].. وقرن بين (الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ) فما أروع هذا الاقتران نفرده بفريدة.. وقرن بين (الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ).. وجعل سبحانه (الآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنْ الْمُنكَرِ) قرينين وأدخل بينهما [الواو] دون ما تقدّم؛ إعلامًا بأن أحدهما لا يكفي حتى يكون مع الآخر، وجعل ذلك قرينًا لحفظ حدوده؛ فهذا حفظها في نفس الإنسان (الآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ)، وذلك أمر غيره بحفظها (وَالنَّاهُونَ عَنْ الْمُنكَرِ)
(2) السياحة قرينة الحمد والعبادة
الحمد والسياحة قرينتين (الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ).. هذا ثناء عليه سبحانه بأوصاف الكمال وسياحة اللسان في أفضل ذكره، وهذه سياحة القلب في حبه وذكره وإجلاله، فالسياحة عند علمائنا في تفسير الآية، أجْملها العلامة ابن القيم الجوزية بقوله: (فسرت السياحة: بالصيام، وفسرت بالسفر في طلب العلم، وفسرت بالجهاد، وفسرت بدوام الطاعة، والتحقيق فيها أنها سياحة القلب في ذكر الله ومحبته، والإنابة إليه، والشوق إلى لقائه).
من بديع كلام الله أن السياحة وردت في موضعين في القرآن، هذا الأول، والآخر في سورة التحريم قال تعالى: (عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجاً خَيْراً مِنْكُنَّ مُسْلِمَاتٍ مُؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَاراً).. فجعل سبحانه الإسلام والإيمان قرينين، فالإسلام علانية والإيمان في القلب.. وجعل التوبة والقنوت قرينين فالتوبة ترك ما يكره سبحانه، والقنوت فعل ما يحب سبحانه.. وجعل العبادة والسياحة قرينين في صفة الأزواج فالعبادة للبدن، والسياحة للقلب.. وجعل الثيوبة والبكارة قرينتين فالثيب قد وطئت وارتاضت وذللت صعوبتها، والبكر روضةٌ أُنف لم يُرتعْ فيها بعدُ..
(3) سياحة التأثير لا التأثر
مفهوم السياحة عندنا في الواقع (ماديٌ بحت) – وهو معنى لا غبار عليه من حيث هو – لكنه للأسف عند البعض يقوم على الفساد، وهدم الأخلاق، وهتك الحياء، حتى غدت السياحة ترفيهًا ومتعةً بالحرام ..
أُفرغت لفظة (السياحة) في القرآن من معانيها، من انقطاع القلب لله وحده، و(العبد الفقير) يدعو إلى سياحة الفضيلة لا الرذيلة، سياحة الالتزام لا الانفلات، سياحة مفهومها الترفية البريء، والترويح المباح، فالإسلام لا يحجر على أتباعه أن يروحوا عن أنفسهم.