علاء الدين عبد الماجد
{وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا} هذا السياق القرآني الفريد ورد مرتين..
– في سورة [إبراهيم، الآية: 34] {وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَتَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ الإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ}.
– وفي سورة (النِعم) [النحل، الآية: 18] {وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ اللّهَ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ}.
وهنا ملحظان:
الملحظ الأول:
السياق الأول في سورة إبراهيم مختوم بـ: (إِنَّ الإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ)، والسياق الثاني في سورة النحل مختوم بـ: (إِنَّ اللّهَ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ)..
وهذا حال الإنسان مع كل نعمة..
إما كما قال الله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُواْ نِعْمَةَ اللّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّواْ قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ} [إبراهيم الآية: 28]..
أو حال من يرعى هذه النعمة، قال تعالى على لسان سيدنا سليمان -عليه السلام-: {وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ} [النمل، الآية: 19]..
فيُنال موعود الله في الحالين، زيادةً {لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ} [إبراهيم الآية: 7]، وعذاباً {وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ} [إبراهيم الآية: 7]؛ وهذا مناسب لمقام الإنسان الذي أصله الظلم والجهل، إلاّ أن يمن الله عليه بالتوفيق، {إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا} [الأحزاب، الآية: 72] .
وأعظم سوء يجمع للإنسان الظلم والكفر خاصة مع المنعم سبحانه، قال تعالى: {إِنَّ الإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّار}.
الملحظ الثاني:
{إِنَّ اللّهَ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ} في آية سورة النحل، تشير لمن يشكر النعمة، يشدك السياق في لفظ الجلالة (الله) إذ فيه ملحظ بديع من إعادة أصل النعمة للمنعم المتفضل بها سبحانه {وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللّهِ} [النمل، الآية: 53]..، بخلاف الآية الأخرى (إِنَّ الإِنسَانَ) ناسب السياق في آية سورة إبراهيم الطبيعة النفسية للإنسان، قال تعالى: {وَمَا أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ فَمِن نَّفْسِكَ} [النساء، الآية: 79]..
ثم يجذبك قوله تعالى (لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ) فتسلط نوراً في قلب العبد عند التدبر، أن آلاء الله.. لو وقف العبد على (نعمة) كما جاء في السياق القرآني، دون الإتيان بلفظة (نعماء) إذ (نعمة) الهداية مثلاً لوحدها نعمة على نعمة، يتقلب الإنسان فيها، هذه الآلاء وتلك (النعمة) تحتاج لشكرٍ، قال تعالى: {وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ} [سبأ، الآية: 13] ..
ومن يقوم بحق ربه في الشكر لا يوفي الله حق شكره، فيحتاج من الرحمن -سبحانه- لأن يغفر له ذلك التقصير، فناسب المقام قوله (إِنَّ اللّهَ لَغَفُورٌ)، فإذا غفر الله فذلك فضله ورحمته وحلمه.
ثم لنلحظ أن العبد إذا وُفِّق إلى شكر المنعم المتفضل دون استحقاق، فإن شكره يحتاج إلى شكر كونه سبحانه وفقه لشكره، فهذه منّة ونعمة تحتاج لشكر.
والعبد يقصر في هذه وتلك..
فلولا رحمة الله لعمّنا بعقابه الذي نستحقه بسبب تقصيرنا في جنب الله، فناسب المقام (لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ).
إذن النعمة {وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا} من الله المكرم والمتفضل بها، والمتصف بالغفران عن التقصير في شكرها، والراحم عن ضعف الكمال بشكرها فناسب (إِنَّ اللّهَ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ)..