حوار: أسامة عبد الماجدأثارت الفتاوى التي أطلقها رئيس حزب الأمة الصادق المهدي جدلاً كثيفًا في الأوساط كافة، مما دفع الرابطة الشرعية للعلماء إلى إصدار بيان طالبته فيه بالاستتابة.. ولأهمية الأمر وتداعياته كان الأنسب جدًا الحصول على مزيد من التوضيحات حول المسألة من الرابطة الشرعية نفسها، وأمين الحسبة بالرابطة والقيادي المعروف بصفوفها الشيخ/ محمد عبد الكريم […]
حوار: أسامة عبد الماجد
أثارت الفتاوى التي أطلقها رئيس حزب الأمة الصادق المهدي جدلاً كثيفًا في الأوساط كافة، مما دفع الرابطة الشرعية للعلماء إلى إصدار بيان طالبته فيه بالاستتابة.. ولأهمية الأمر وتداعياته كان الأنسب جدًا الحصول على مزيد من التوضيحات حول المسألة من الرابطة الشرعية نفسها، وأمين الحسبة بالرابطة والقيادي المعروف بصفوفها الشيخ/ محمد عبد الكريم وهو أستاذ جامعي من الشخصيات التي أعطت إفادات جريئة ومهمة في مسألة فتاوى الصادق ولا تنفصل عنها فتاوى مشابهة أطلقها الأمين العام للشعبي د. حسن الترابي ولذلك كان هذا الحوار:
لماذا جاء هجوم الرابطة الشرعية على المهدي بهذا العنف هذه المرة؟
فتاوى الصادق ليست جديدة، فقد سبق أن أودعها في بعض كتبه ككتاب (المرأة وحقوقها في الإسلام) الذي طُبِع 1985م، وسبق للرابطة تناول آراء الصادق وموقفه من ثوابت الإسلام وزعمه أن أحاديث النبي (ص) في المرأة من قبيل الفقه الذكوري، وتبنِّيه لاتفاقية سيداو وهي اتفاقية تدعو المرأة للتحلُّل من الأخلاق، وفيها إشكالات عقائدية وأخلاقية.. الصادق يريد إثارة «زوبعة» بمثل هذه الفتاوى الشاذة والتي لو عُرضت على صغار طلاب العلم لعرفوا أنها لا تمتّ للفتوى الشرعية بصلة.. فهل كلما ضاق به فضاء السياسة وجمد في أطروحاته السياسية والتي لا تجد صدى وقبولاً في الشارع السياسي ينتقل إلى الميدان الفقهي ليثير على الناس قضايا؟.. الشيء المزعج في هذه الفتاوى اتصالها بالأصول وليس بفروع قابلة للاجتهاد .. فهو لا يتحدَّث عن مواصفات الزي الشرعي بل عن أصل مفهوم الحجاب وأن الحجاب الذي ورد في القرآن الكريم في آيات سورتي «الأحزاب والنور» الحجاب ليس المقصود به زياً معيَّناً تلبسه المرأة مع أن الله عز وجل يقول في سورة الأحزاب: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا) صدق الله العظيم.. هذه الآية أوجبت الحجاب على نساء المؤمنين كما هو واجب على نساء وبنات النبي الكريم.. فكيف يتجاوز هذه الآية ويدَّعي أنها خاصة بنساء النبي، هذا منتهى الجهل ومنتهى التعمُّد في مخالفة القرآن الكريم.بالإضافة إلى ذلك كيف لإنسان يدَّعي احترام الآخرين، وأقصد من ناحية سياسية فقط أن يدَّعي أن النقاب يوفر وسيلة من وسائل الإجرام؟ من الذي يؤلب على النساء المنقبات ويتهم ما يقمن به من إلغاء شخصيتهن؟..
البعض فسَّر حديث المهدي عن النقاب بأنه يقصد تغطية الوجه؟!!
ليكن، تغطية الوجه عند سائر الفقهاء أمر مشروع، ولم يقُل أحدهم إن ذلك تشدّد أو خروج عن المعهود الشرعي، بل رأي العلماء على قولين: طائفة تقول وجوب النقاب وأخرى تقول استحبابه.. والقول إن النقاب غير مشروع قول شاذ لم يقله أحد، بل إن نساء النبي الكريم والصحابيات كنّ منقبات بدليل حديث أم سلمة رضي الله عنها أنه عندما أنزل الله تعالى الحجاب عمدن إلى مروطهن فشققنه فاختمرن به كأنهن الغربان، وهذا بالنص التطبيق العملي في عهد النبي، وكذلك قول عائشة رضي اللّه عنها في قصة صفوان بن المعطل السلمي في صحيح مسلم وغيره لما تخلفت عن الجيش ورآها صفوان استرجع، وقالت كان يعرفني قبل الحجاب ولما رأته غطّت وجهها.. فالنصوص كلها تشير إلى أن الاحتجاب كان مشاعًا بين المؤمنات فكيف يدَّعي الصادق أن الحجاب بهذا المصطلح لم يُعرف في الصدر الأول وأنه اُبتُدع متأخرًا فهذا ينمّ عن ضحالة في الثقافة الشرعية.
يبدو أن سجالكم الفقهي مع المهدي وكذلك الترابي سيطول وكان آخرها قبل أقل من عامين مع الأول؟؟
للأسف أن ظاهرة الفتاوى الشاذة للصادق وصهره الترابي المقصود منها إثارة الزوبعة وصرف الأنظار فيما يبدو، واللّه أعلم..
كيف ذلك؟؟
بعض الفتاوى غير قابلة للتطبيق حتى في مساجد الأنصار الذين يؤمهم الصادق، وأنا أضرب على سبيل المثال ما أثاره من حديث عن صلاة النساء مع الرجال، فهذه المسألة أشار إليها في كتاب له أصدره عام 1985م، وإلى يومنا هذا لم يستطِع أن يُطبِّق هذه المسألة في مساجد الأنصار.. فإذا كان عاجزًا عن تطبيقها بمساجده فكيف يدعو لتطبيقها في سائر المساجد؟!.
هل بتطبيقها محاولة لتقديم إحدى كريماته كما جاء في بيان للرابطة؟
ذكرنا ذلك على سبيل عدم وضوح هدفه من وراء هذه الفتاوى، هل هو هدف سياسي هل يريد من ذلك أن يجعل ابنته إمامة للأنصار تخلفه؟ وأنها هي التي ستخطب الجمعة القادمة وستخطب العيد؟ أنا لا أستبعد هذا.. لكن مشكلة الصادق أنه جاء بأفكار تحررية ليبرالية من الغرب يعجز عن تطبيقها في بيئة محافظة تقليدية كما يُقال.. فمشكلته أنه يقود جماعة دينية لها جذورها التاريخية في الاستمساك بالشريعة، ونحن لو رجعنا لتاريخ الإمام المهدي لوجدناه من أكثر الناس دعوة إلى حجاب المرأة المسلمة، فمشكلة الصادق أنه يريد تطبيق هذه الأفكار التحررية ويحاول بين الفينة والأخرى لتكون بالون اختبار.
ما ردك على مؤيدي فتاوى المهدي؟!!
بدلاً من أن يدافعوا عنها ومن دون الانتباه لما يترتب على مثل هذه الفتاوى أتحداهم أن يقروا هذه الفتاوى في بيئاتهم.. هو يقول لا بد للنساء أن يخرجن مشيعات للموتى في المقابر ويتصوَّر فيهن أن يحملن الجنازة إلى المقابر ويدفنّ جنبًا إلى جنب مع الرجال.. عمّاذا يتحدَّث الصادق وربنا سبحانه وتعالى يتحدَّث عن خصائص للرجال ومثلها للنساء.
لم تتصدوا لفتاوى الترابي بذات الشدة التي هاجمتم بها فتاوى المهدي .. هل لأن الترابي أكثر علماً؟
نحن بدأنا المعركة مع الترابي قبل الصادق، وهناك كتيِّب للرابطة بعنوان (أباطيل الترابي) بيَّنّا فيه أن الترابي خالف أصول الإسلام في أحد عشر موضعاً.. ورئيس الرابطة الشرعية الشيخ د. الأمين الحاج له أكثر من عشرة كتب ردًا على الترابي، فالرابطة تعتبر الترابي والصادق وجهين لعملة واحدة، فهما «قد من أديم واحد» ويقترفان من نبعة واحدة ويقولان آراء متطابقة.. والترابي في نفس دار حزب الأمة قبل سنوات دعا النساء لأن يصلين مع الرجال جنبًا إلى جنب دون التصاق، وطالب أيضاً بإمامة المرأة.. والصادق وصف آراء جده الإمام المهدي في مسائل دينية بالتشدُّد.
ما هي الأقوال التي تأخذونها عليه؟
قال الصادق في كتابه (أحكام المرأة وحقوقها في الإسلام) كانت الأحكام الخاصة بالمرأة والتي أصدرها الإمام المهدي متشددة جدًا؛ وذلك لأن ظروف المجتمع السوداني في مطلع القرن الرابع عشر الهجري كانت كثيرة الانحلال والتفسخ )هذا نوع من المغالطة المكشوفة واسأل أي إنسان أعطاه الله مسكة من عقل هل المجتمع في الماضي كان أكثر محافظة أم الآن، فإذا كان تبرير الصادق لجده أخذ تلك الأحكام لوجود انحلال أخلاقي في المجتمع فنحن أحوج ما نكون إلى هذه الأحكام في زمن الإنترنت والفضائيات).. فمشكلة الصادق ليست مع الرابطة الشرعية ولا مع طائفة معيَّنة.. مشكلته حتى مع جده، ويؤكد ذلك بضرورة التعرّض للأحكام التي أصدرها الإمام المهدي، ويقول: (ربما سأل سائل عن تشدّد الأحكام الفقهية المتشدّدة التي أصدرها المهدي بشأن المرأة لماذا كانت بهذه الدرجة من الصرامة وكيف يمكن أن نتجاوزها الآن.. يقول في ذات الكتاب: لقد واجه الإمام المهدي ظروف تفسخ وانحلال في المجتمع مما أوجب التشدّد في الأحكام الفقهية).
هل يمكن أن يجد الترابي والمهدي أرضًا لتطبيق فتاواهما؟
ليست قابلة للتطبيق، وهما يعلمان ذلك تمامًا نظرًا لأن مجتمعنا محافظ ولا يمكن له قبولها ولذلك هما يحكمان على أنفسهما بالشذوذ والفشل.
ألا ترى نوعا من التشدد في ردودك على المهدي؟!!
بالعكس التشدُّد عند الصادق والترابي، فهما يريدان بين عشيّة وضحاها أن تصبح المرأة إمامة تصلي بالناس، وخطيبة تخطب الجمعة وتأتي إلى الصفوف الأمامية.. أي مجتمع مسلم يرعى أحكام الشريعة سينحدر إلى هذا المستوى من التصريحات الشاذة؟!.
هل تعتقد أن الحكومة تتباطأ في الرد على التصريحات الفقهية للترابي والمهدي؟
للأسف الحكومة لا تولي الجانب الديني والعقدي والانحراف فيه أولوية!! مهمة الدولة الحفاظ على عقيدة الناس ودينهم قبل الحديث عن القضايا السياسية في من يحكم وكيف تُشكّل الوزارات.. العلماء عندما تحدَّثوا عن الإمامة قالوا إن المقصود منها حراسة الدين وسياسة الدنيا به، وإذا خرج إنسان في أي مجال من المجالات بفتاوى شاذة ينبغي أن يُؤخذ على يده.. هب أن إنسانًا ليس له تخصُّص في الطب أطلق بعض التصريحات المتعلقة بالعلاج والدواء في غير محله، ألا تتدخل الدولة لمنع هذا الطبيب من الإضرار بصحة الناس؟ وكذلك أمر الدين لا ينبغي أن يُترك باب الفتاوى والتهجم على أصول الإسلام نهبًا لكل أحد.. نحترم التخصُّص في القضايا الحياتية ولماذا لا يحترم دين الله تبارك وتعالى.
لكن الحكومة لديها أجسام معنية بهذا الأمر مثل هيئة العلماء؟؟
الهيئة جزاها الله خيرًا أخرجت بيانًا في الرد على الصادق ولكن هذا لا يكفي، فلا بد من بيان حكم شرعي: ما حكم من يقول هذه الأقوال؟ ولماذا لا تعمل الحكومة على منع مثل هذه الأقوال التي تثير هذه الزوابع.
ما المطلوب من الحكومة بالضبط؟
ينبغي للحكومة أن تعرض هذه الفتاوى التي أثارت لغطًا على المجمع الفقهي والذي يطالب بدوره بالإفتاء.
في حالة التأييد، ما رأيكم بشأن شذوذ فتاوى المهدي أو الترابي؟
إذا أكَّدوا أنها تضرّ بنسيج المجتمع وأنها تؤدي إلى بلبلة عقائدية ينبغي للدولة التدخل.
ما هو شكل تدخل الدولة الذي تعنيه؟
تتدخل بالمنع أولاً، ثم إذا وصلت هذه الفتاوى لدرجة تكذيب القرآن الكريم والتهجُّم على أصول الإسلام يجب عليها محاكمة هذا الشخص عند محكمة شرعية.
هل ترى ما قاله المهدي يرقى للمحاكمة؟
مجموع أقواله ترقى للمحاكمة، ومن قبل له آراء أكثر شذوذًا في مسألة الميراث بمطالبته إعادة النظر في أحكام الميراث في القرآن الكريم للذكر مثل حظ الأنثيين، وله آراء في الزكاة، وهذا الرجل بمجموع أقواله وكذلك الترابي ينبغي أن يُقدَّما لمحاكمة شرعية في دولة إسلامية تحافظ على دين الناس.
هل تعتقد أن الجميع بات يفتي دون أن يأبه لقوله؟
ثمة فوضى في إطلاق الفتاوى عبر فضائيات ومنابر وإنترنت، والمقصود منها الإرباك الفكري والعقائدي، ومع ذلك أقول إن كثيرًا من المثقفين وطلاب العلم يفتون عن تقوى وعلم، ومن يتطفل على هذا الميدان ممن ليس لهم تخصص أو علم أو دراية معروفون.المقصود من جانبنا النصح.. ومن ثم الذي يحد عمليًا من سير هذه الفتاوى الشاذة هو أحد أمرين: إما أن يرجع أصحابها إلى الله تبارك وتعالى ويُراجعوا أنفسهم في هذه الدنيا وهم على أعتاب الآخرة وقد «ناهز الثمانين من العمر» أو تتدخل الدولة بالمنع وهذا واجب شرعي عليها.
هل تعتقد أن الحكومة متهاونة أو متراخية في مراجعة المهدي وأمثاله؟
غاية التهاون، ويجب أن تتدخل بما أوجب الله عليها من السلطان والقوة ويجب أن لا تقف موقف المتفرج إزاء هذه الفتاوى أو أن تعتبر أن هذا نوع من إشغال الرأي العام بقضايا بعيدًا عن قضايا السياسة.
هل أنتم مستعدون لمناظرة الترابي أو المهدي؟
بكل ترحيب، نحن على استعداد تام لذلك في أي زمان ومكان.
هل تعتقد أن المسألة مصدرها من الخارج؟
فتاوى الصادق والترابي مأخوذة من فكرة التحرر في أوربا، وهذان الصهران إن صح التعبير مرّا بظروف واحدة في قضية الافتتان بما عليه الغربيون، ويحاولان تسويق فكرهم، فالترابي حاول تسويق العلمانية في ثياب إسلامية وكذلك الصادق.