علاء الدين عبد الماجد
تقرير: علاء الدين عبد الماجد علي
ساح فضيلة الشيخ د. محمد عبدالكريم الشيخ إمام وخطيب مجمع الجريف غرب أمس الجمعة سياحة إيمانية وعلمية حول سنن الله الكونية، وخص خطبته بذكر ثلاث سنن، سنة “الصراع بين الحق والباطل”، والتي تفضي إلى سنة أن “النصر في النهاية لأهل الحق”، وثلّث بسنة استدراج أهل الباطل.
وأبان الشيخ محمد أن الله تعالى أجرى سنناً لا تتبدل ولا تتغير، وأنه حكم نظام الحياة بهذه السنن، وابتدرها بسنة الصراع بيننا وبين أعدائنا، مبيناً أن الحرب بيننا وبين أعداء الإسلام سجال، فهُم ينالون منا وننال منهم، مشيراً إلى أن هذه السُّنة أرادها الله جل في علاه كوناً وقدراً مستدلاً بقوله تعالى: (ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا)، وبقوله جل في علاه (ود الذين كفروا لو تغفلون عن أسلحتكم وأمتعتكم فيميلون عليكم ميلة واحدة).
ونوه فضيلة الشيخ محمد إلى أن هذا الصراع يأخذ أشكالاً عديدة، فتارةً يظهر في صورة يظفر فيها أهل الباطل والكفر، ويسومون أهل الإسلام سوء العذاب، واستدل على ذلك بأن الله قص علينا في القرآن قصصاً فيمن اضطهد في الدين، ومن قتل في سبيل الله، كقصة أصحاب الأخدود، واصفاً إياهم بأنهم شعب كامل تم حرقه من أجل أنه شهد بشهادة الحق، بدليل قوله تبارك وتعالى: (وما نقموا منهم إلا أن يؤمنوا بالله العزيز)، وهذا ما وقع لكثير من أتباع الرسل.
وقال الشيخ مواصلاً في حديثه إن هناك صورة ثانية لهذا الصراع بأن يظهر الله أهل الحق ويجعل الدولة لهم، والنهاية والظفر في أيديهم، وهذا ما وعد الله به عباده المؤمنين إن صبروا واتقوا، منوهًا إلى أن المسلمين في هذا الصراع في حقيقة الأمر هم المنتصرون.
واستدرك فضيلته قائلاً وإن هزم المسلمون عسكريًا، أو قتلوا أو سجنوا أو أحتلت ديارهم أو انتهبت ثرواتهم – فهم منتصرون، لأن الله تعالى قال: (إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد)، وقال جل في علاه، (قل هل تربصون بنا إلا إحدى الحسنيين ونحن نتربص بكم أن يصيبكم الله بعذاب من عنده أو بأيدينا فتربصوا إنا معكم متربصون)، ولهذا قال الله (إن تكونوا تألمون فإنهم يألمون كما تألمون وترجون من الله ما لا يرجون).
وأوضح فضيلة الشيخ أن هذه السنة تنتهي إلى سنة أخرى – والحديث لا يزال للشيخ – وهي تحقيق وعد الله تعالى أن الظفر والنصر في النهاية لأهل الحق مستدلاً بآيات منها قوله تعالى: (كتب الله لأغلبن أنا ورسلي إن الله قوي عزيز)، وبقوله جل في علاه (وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني لا يشركون بي شيئا ومن كفر بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون)..
وأطال الشيخ محمد النفس في خطبته حول أن الناس في هاتين السُنتين انقسموا إلى أقسام، فالقسم الأول سماهم المنافقين المُخذِلين، ونعتهم بأنهم أخذوا يخرجون سمومهم، ويخوفون المسلمين بأنهم لا قبل لهم بأهل الكفر الذي يملكون عدة وعتاداً لا يقاوم، ويمضون كما مضى أسلافهم في تخذيل المسلمين، مشيراً إلى أن هذا الصنف يظهر في الصحف السيارة والقنوات الفضائية، ووسائل التواصل الاجتماعي باسم التنويرين والليبراليين والعلمانيين والمفكرين، ويدندون أنه لا سبيل إلا باتباع الغرب، ومُعدِداً صفات أسلافهم التي فضح الله بها قلوبهم وهتك أستارهم ومن ذلك، قال تعالى: (إذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض غر هؤلاء دينهم ومن يتوكل على الله فإن الله عزيز حكيم)..
وأشار الشيخ إلى أن هذا الصنف أحد أوجه الابتلاء لهذه الأمة لذا قال الله تعالى فيهم (هم العدو فاحذرهم قاتلهم الله أنى يؤفكون)، وعدد نماذج لدول النفاق، كالدولة التي تتمسح بمسوح أهل البيت في إيران والعراق، والنصيرية في بلاد الشام، أو تلك الأنظمة التي ترفع شعار العلمانية وفصل الدين عن الحياة.
وانتقل الشيخ إلى القسم الثاني الذين اختار لهم وصف اليائسين المحبطين، موضحاً أن هذا الصنف أمّل خيراً – وهو مطلوب -، مستدركاً عليهم أنهم غلب عليهم الاستعجال، يريدون أن يروا بسرعة نصرة الإسلام، ولكن هذه الأمنية تتحقق بأسبابها وبالسنن التي قدرها الله تبارك وتعالى، مستدلاً بحديث خباب بن الأرت – رضي الله عنه – قال شكونا إلى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وهو متوسد بردة له في ظل الكعبة فقلنا [ ألا تستنصر لنا ألا تدعو لنا ] فقال قد كان من قبلكم يؤخذ الرجل فيحفر له في الأرض فيجعل فيها فيجاء بالمنشار فيوضع على رأسه فيجعل نصفين ويمشط بأمشاط الحديد ما دون لحمه وعظمه فما يصده ذلك عن دينه والله ليتمن هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا الله والذئب على غنمه ولكنكم تستعجلون))..
وأوضح أن الاستعجال طبيعة بشرية حتى الرسل يقولوا متى نصر الله مستشهداً بقوله تعالى: (أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله ألا إن نصر الله قريب).
وتابع فضيلته في بيان القسم الثالث وهم أرباب الدنيا اللاهثون ورائها، الذين همهم فقط متابعة الأخبار أمام شاشات التلفاز، مجرد ثقافة إخبارية إعلامية دون أن يتحرك في خدمه الإسلام، أو أن يكون له مشروعه في الدعوة إلى الله في الإصلاح في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
ووصف حالهم بأن أحدهم يقنع بحاله، وهمه أن يسلم له بيته وأرصدته في البنوك وأولاده ولا يريد أكثر من هذا مستدلاً على هذا الصنف بقوله تعالى: (يحسبون الأحزاب لم يذهبوا وإن يأت الأحزاب يودوا لو أنهم بادون في الأعراب يسألون عن أنبائكم ولو كانوا فيكم ما قاتلوا إلا قليلاً)، موضحاً أن هذا الصنف هو ما غلب على المسلمين اليوم مما تنبأ به عليه الصلاة والسلام ((حب الدنيا وكراهية الموت)).
ثم دلف فضيلته إلى الصنف الرابع الذين يريدون مسايرة الواقع الباحثين عن حلول وسط، وبيّن الشيخ أن سبب ذلك الإحباط والاستعجال، أنهم قالوا بلسان حالهم ومقالهم تعالوا بنا إلى حل وسط بيننا وبين أعدائنا، لنلتقي معهم على وسط الطريق..
واستنكر فضليته عليهم هذه الوسطية المزعومة بأنها ليست وسطية الإسلام التي جاءت بها النصوص الشرعية بها من الاستمساك بالحق، والتجافي عن تمييع الدين أو الغلو فيه، مشيراً إلى أن مقصود هذا القسم التنازل عن الحق كله أو بعضه في سبيل الالتقاء من أعداء الدين، مذكراً إياهم إلى سنة من سنن الله تعالى وهي قوله تعالى: (ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم)، منوهاً إلى أنهم يبحثون عن سراب والواقع خير شاهد.
وأختم الحديث بالقسم الخامس وسماهم بالمتعجلين المتهورين الذين لا يرعون سنن الله تعالى وقوانينه، مع جهل بالموازنات الفقهية، إضافةً إلى التعجل في استخدام القوة حيث كان وبأي طريقة كان، دون النظر إلى الضوابط الشرعية التي تحكم استعمال السلاح والقوة.
وأبان الشيخ أنه لا يعني الحركات الجهادية التي قامت لقتال الكفار، كحركات الجهاد التي قامت في افغانستان أو التي قامت في الشيشان، أو القائمة الآن في فلسطين، أو الحركات الجهادية التي قامت في ليبيا من أجل ظلم القذافي وغيره، حيث وصفهم بأنهم يشكرون ويحمدون، لأن قاموا بشرط القدرة التي هي مناط التكليف، وحققوا مقاصد الشرعية للجهاد.
وأكد الشيخ محمد أنه يقصد أولئك المتعجلين الذين يريدون إعمال القوة والسلاح والقتل والتفجير بأي طريقة كانت.
وختم خطبته بسنة وصفها بأنها تنزل برداً وسلاماً على المسلمين، وهي سنة استدراج أهل الباطل، مستشهداً بآيات متعددة منها (والذين كذبوا بآياتنا سنستدرجهم من حيث لا يعلمون وأملي لهم إن كيدي متين)، وقوله تعالى: (أيحسبون أنما نمدهم به من مال وبنين نسارع لهم في الخيرات بل لا يشعرون)، والإملاء للظالمين إنما ليمهلهم حتى إذا أخذهم أخذ عزيز مقتدر (وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد).
وقد أشار فضليته في ثنايا كلامه عن الأقسام الخمسة إلى أن القسم الأسعد من هؤلاء الأقسام هم من أخذوا بأمر الله تعالى وراعوا سننه، ووعد بإفراد خطبة مستقلة له في بيان حالهم ما ورد في القرآن والسنة.ِ