د.محمد بن عبد الكريم الشيخ
مقدمة:
إنّ عقيدة الإسلام عقيدة حية، تبعث المؤمن على الحب في الله، والبغض في الله، والمولاة في الله، والمعاداة في الله؛ فالمؤمن الحق هو ذلك الذي يحب أخاه المؤمن في الله تبارك وتعالى لطاعته ولعبادته ولقربه من الله، والمؤمن الحق هو ذلك الذي يبغض الكافرين والكفر والفسوق في الأرض، وعلى هذا تأسست الملة وكانت الشريعة، يقول النبي عليه الصلاة والسلام (أَوْثَقُ عُرَى الإِيمَانِ الْحُبُّ فِي الله ، وَالْبُغْضُ فِي الله.)(3).
بعض الروايات الواردة في الصلاة على المنافقين.
الشريعة الإسلامية نصت على أحكام تتعلق بالصلاة والسلام على المنافقين والمحاربين لله ورسوله صلى الله عليه وسلم، ولم تجامل في ذلك أحداً بل نزل القرآن الكريم ليمنع النبي صلى الله عليه وسلم من الصلاة على رأس النفاق عبد الله بن أبي سلول وإليكم بعض الروايات الواردة في قصة موته وما يستنبط فيها من فوائد :-
عن نافع عن ابن عمر قال: لما توفي عبد الله بن أبي بن سلول جاء ابنه عبد الله(1) إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وسأله أن يعطيه قميصه ليكفنه فيه فأعطاه، ثم سأله أن يصلي عليه فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي عليه فقام عمر بن الخطاب فأخذ بثوبه فقال: يا رسول الله تصلي عليه وقد نهاك الله عنه، فقال رسول الله " إن ربي خيرني فقال استغفر لهم أو لا تستغفر لهم، إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم وسأزيد على السبعين " فقال إنه منافق أتصلي عليه ؟ فأنزل الله عز وجل * (وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ)(4) وفي رواية للبخاري وغيره قال عمر: فقلت يا رسول الله تصلي عليه وقد قال في يوم كذا وكذا، وقال في يوم كذا وكذا وكذا ! ! فقال " دعني يا عمر فإني بين خيرتين، ولو أعلم أني إن زدت على السبعين غفر له لزدت " ثم صلى عليه فأنزل الله عز وجل * (وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ )* (4)الآية.قال عمر: فعجبت من جرأتي على رسول الله صلى الله عليه وسلم والله ورسوله أعلم.
وقال سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار سمع جابر بن عبد الله يقول: أتى رسول الله صلى الله عليه سلم قبر عبد الله بن أبي بعدما أدخل حفرته فأمر به فأخرج فوضعه على ركبتيه – أو فخذيه -ونفث عليه من ريقه وألبسه قميصه)(5). فالله أعلم. في صحيح البخاري هذا الاسناد مثله وعنده لما كان يوم بدر أتي بأسارى، وأتي بالعباس ولم يكن عليه ثوب، «فنظر النبي صلى الله عليه وسلم له قميصا، فوجدوا قميص عبد الله بن أبي يقدر عليه، فكساه النبي صلى الله عليه وسلم إياه، فلذلك نزع النبي صلى الله عليه وسلم قميصه الذي ألبسه» قال ابن عيينة كانت له عند النبي صلى الله عليه وسلم يد فأحب أن يكافئه)(6)
? ))
? حذيفة وعمر رضي الله عنهما لا يصليان على المنافقين
كان عمر – رضي الله عنه -يتتبع حذيفة بن اليمان صاحب سر النبي صلى الله عليه وسلم فينظر إليه فإذا صلى على رجل صلى عليه عمر وإذا أمسك عن الصلاة أمسك عمر، فعن زيد بن وهب قال : مات رجل من المنافقين فلم يصل عليه حذيفة ، فقال له عمر : أمن القوم هو ؟ قال: نعم ، فقال له عمر : بالله منهم أنا ؟ قال : لا ، ولن أخبر به أحدا بعدك )(7)،فحذيفة كان على علم بالمنافقين في المدينة علمه إياه النبي صلى الله عليه وسلم فأودع عنده أسماءهم في زمانهم واولئك أناس يدعون الاسلام ويبطنون الكفر ويصلون في الصفوف الأمامية مع المسلمين ويجاهدون مع المسلمين ضد أعداء الله تعالى هؤلاء هم المنافقون أما في زماننا هذا فالمنافقون يقفون مع أعداء الله عز وجل ويروجون نظرياتهم ويحاربون دعاة الشريعة ويتهمونهم بكل نقيصة ويرمونهم بكل بلية ويحاربونهم حتى في بيوت الله فلم يكن المنافقون كذلك بل كانوا يصلون في الصف الأول من أجل أن لا يقال عنه منافق يكتمون النفاق?
وهذه النصوص النبوية في قصة موت رأس النفاق عبد الله بن أبي بن سلول ومن هو على شاكلته ممن أظهر الإيمان وأبطن الكفر يخرج المرء منها:-
1- إنّ الله نهى الله تعالى نبيه أن يصلي على أحد مات من المنافقين أو أن يقف على قبره لمجرد الترحم، والعلة في ذلك أنهم كفروا بالله ورسوله، وهذا في المنافق الذي لايظهر مخالفة للشريعة بأصول ومبادئ منحرفة، أما من أحل ما حرم الله أو حرم ما أحله وفوق ذلك يأتي بنظريات الإلحاد والشرك والكفر بالله عز وجل فهذا أشد وأعظم نهيا.
2- لا يجوز لأحد أن يترحم على منافق أو أن يصلي عليه لقوله صلى الله عليه وسلم (المرء مع من أحب) فمن أحب إنسانا فإن الله يدخله مدخله ويحشره معه،لذا قال أنس رضي الله عنه مافرحنا بشيئ كفرحنا بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم (المرء مع من أحب)(8)
3- لم يصل النبي صلى الله عليه وسلم بعدها على رجل من المنافقين حيث أنّ مقصود الصلاة الدعاء للميت، قال ابن القيم رحمه الله في زاد المعاد : (وَمَقْصُودُ الصَّلَاةِ عَلَى الْجِنَازَةِ: هُوَ الدُّعَاءُ لِلْمَيِّتِ)(9)
لا تجوز الصلاة على من مات من أصحاب المذاهب الإلحادية.
إن الذين يدعون الى المذاهب الإلحادية كالشيوعية والماركسية ويحادون الله ورسوله صلى الله عليه وسلم هؤلاء لايجوز لمسلم أن يصلي عليهم وهذا ما قرره علماؤنا ونقل ابن رشد الحفيد – وهو من ائمة المالكية- الإجماع فيها بقوله: "وإنما أجمع العلماء على ترك الصلاة على المنافقين مع تلفظهم بالشهادة لقوله تعالى: {وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَداً وَلا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ} .وهذا إذا أعلن نفاقه وبغضه للإسلام ولشرع الله تعالى وتركه الصلاة فكيف بمن مكث عقودا من الزمان يسوغ النظريات التي تحاد الله ورسوله فيدعوا بها وسط المسلمين ليضل بها الأجيال، ويصر على هذا في مماته، والمسلمون شهداء الله في الأرض كما قال تعالى "وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا "(10) وقد مرّ النبي صلى الله عليه وسلم بجنازة فَأَثْنَوْا عَلَيْهَا خَيْرًا، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَجَبَتْ» ثُمَّ مَرُّوا بِأُخْرَى فَأَثْنَوْا عَلَيْهَا شَرًّا، فَقَالَ: «وَجَبَتْ» فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: مَا وَجَبَتْ؟ قَالَ: «هَذَا أَثْنَيْتُمْ عَلَيْهِ خَيْرًا، فَوَجَبَتْ لَهُ الجَنَّةُ، وَهَذَا أَثْنَيْتُمْ عَلَيْهِ شَرًّا، فَوَجَبَتْ لَهُ النَّارُ، أَنْتُمْ شُهَدَاءُ اللَّهِ فِي الأَرْضِ»(11) فالمسلم له شهادة وهي معتبرة ويجب أن يشهد بالحق لأن الله تعالى قال (إِلَّا مَن شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ)(12) وعليه فلا مجاملة في أمر الصلاة والاستغفار والوقوف على القبر إن كان منافقا أظهر النفاق .
خطر النفاق والمنافقين:
إنّ النفاق شر مستطير،والمنافقون يشكلون خطراً على الإسلام وأهله لأنهم يحاولون جهد أيمانهم خلخلة الصف الإسلامي من الداخل ، وقد أنزل الله تعالى سورا من القرآن الكريم تفضحهم وتخبر عن سؤء طويتهم، وتكشف عن مخططاتهم التي يدبرونها ليطفئوا نور الله ويأبى الله إلا أن يتم نوره ،فتلك سورة التوبة سماها العلماء بالمقشقشة والفاضحة ،وأنزلت سورة كامة باسمهم ألا وهي سورة "المنافقون" وإذا تأملت فيها وفي عد آياتها التي يفوق عددها آيات سورة "الكافرون" لترى خطر النفاق وذلك لأنّ الله تعالى يريد من المسلمين أن ينتبهوا على خطرهم الحقيقي قال الله تعالى فيهم " هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ"(13) هم العدو الذي يجب أن تظهروا عداوتكم لهم، وكما أمرنا نحن في الإسلام بجهاد الكافرين والإغلاظ ليهم أمرنا أيضا بجهاد المنافقين والإغلاظ عليهم وقد أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم بالإغلاظ عليهم في موضعين في سورة التوبة وفي سورة التحريم (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ)(14) ومهما اغلظ المسلم على المنافق فما ينتظره عند الله إن مات على الشرك والكفر فإنه لا شئ بالنسبة لما ينتظره في الآخرة من النكال والعذاب المؤلم جزاء وفاقا ، وإذا وجد في المجتمع الإسلامي هذه الروح في الإغلاظ على النفاق والمنافقين وعدم مجاملتهم في أصول الدين وفي شعائر الملة عندها يكون المجتمع مجتمعا نظيفا طاهرا يعجز المنافق فيه أن يظهر مذهبه وأن يظهر فكرته النتنة لكن حينما تكون المجاملة للمنافق على حساب الدين وشهادة الزور له في حياته وبعد مماته يكون بهذا الشاهد قد شهد شهادة الزور (سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ)(15)
ويعجب المرء من أناس ينتمون إلى العقيدة وإلى الدين ويعتزون بالشريعة ثم يسمح أحدهم لنفسه أن يمدح إنسانا مكث الدهر كله يعلن حربه على الإسلام والشريعة كيف يسوغ هذا وكيف يجتمعان ، فلابد للمسلم مع حبه للدين والإسلام والشريعة أن يظهر بغضه لأعداء الدين والشريعة والإسلام هذه من ذاك، فلا ولاء إلا ببراء ولا حب على الحقيقة إلا ببغض، لولا هؤلاء المنافقون الذين سلطوا بإذن من الله ليمتحننا لقام صرح الإسلام. إنّ هؤلاء هدموا صروحا للدين ودعوا إلى الرذيلة والأفكار المنحطة فلايجوز لمسلم أن يتولاهم ولا أن يكون منهم قال تعالى (وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ)(16)
وختاما يستخلص مما سبق الآتي:-
• المنافق لا يصلى عليه زجراً وتأديباً ، وأنّ من أعلن فسقه وفجوره في بعض المعاصي فإنه يستحب لأهل العلم والفضل والمكان ألا يصلوا عليه زجرا لغيره أن يأتي بمثل ما أتى سلفه من القاذورات.
• قرر علماء المسلمين أنّ من انتسب إلى الإسلام وقال لاإله إلا الله تصح الصلاة عليه سواء كان براً أوفاجراً وهذا هو مذهب المسلمين وعليه أئمة الدين إلا إذا تلبس في أمر يناقض الإسلام، ومات عليه ،كأن يتلبس بالشيوعية ويدعوا إليها إلى أن يموت، أو يتلبس بمذهب من المذاهب التي حكم العلماء بالكفر والردة كالباطنية والقدرية والقاديانية التي فيها الكفر البواح، فإن تلبس بها فإنه ليس من الإسلام وليس من أهل القبلة وإن صلى وصام وزعم أنه مسلم،
• هنالك أصلان عظيمان معمول بهما في الحكم على الصلاة على الميت من أهل القبلة الأول :أولهما الصلاة على المسلمين تكون على كل بر وفاجر والأصل الثاني هو حرمة الصلاة على من أظهر عداوته للدين لقلوه تعالى {وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَداً وَلا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ} ذلك لأنهم كفروا بالله ورسوله.وهذه الأحكام ليست للتشهي ولا للهوى، وإنما هي حدود شرعية يجب على المسلم أن يتقيد ويتمسك بها .
______________________________
(1) وكان فتى صالحا شهد بدرا ومابعدها واستشهد يوم اليمامة في خلافة أبي بكر رضي الله عنه وكان يكره ماعليه والده من النفاق وماعليه من كلمات السؤ حتى إنه جاء يوما الى النبي صلى الله عليه وسلم وقال له يارسول الله إن كنت آمرا أحدا أن يقتل أبي فمرني بذلك فإنه كره أن يرى قاتل أبيه من المسلمين فقال له النبي صلى الله عليه وسلم بل أحسن صحبته هذا عند ابن منده بسند صحيح وهو الذي وقف على باب المدينة لما قال أبوه في غزوة المريسيع لإن رجعا الى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل ).فقل والله لاتدخلها حتى يأذن لك رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى تعلم أنك انت الأذل ورسول الله صلى الله عليه وسلم هو الأعز هذا ابنه عبدالله بن عبدالله ابن ابي بن سلول.
2- فهل صلى النبي صلى الله عليه وسلم بعدها على رجل من المنافقين كلا ورب العالمين .إن ربنا عز وجل أعلن إعلانا واضحا صريحا أنه لامجاملة على حساب العقيدة وأن ه لايمكن أن يستغفر المؤمنون لرجل من المشركين ظهر شركه وإعلانه لحرب الله ورسوله ألم يق الله تعالى في حق من؟ في حق أبي طالب الذي ما عرف عنه أنه ماذكر الإسلام يوما بسؤ وأنه حرص أن يزود عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أبوطالب عم رسول الله الذي دخل معه في الشعب فجاع ثلاث سنين حماية وزودا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الذي كان يقول ولقد علمت أنّ دين محمد من خير أديان البرية دينا ،فكان يعلن أن خير الدين هو دين الإسلام ومع ذلك مادخل في الاسلام لحمية الجاهلية وقال لولا أن تعيرني قريش لأقررت بها عينيك.
3- رواه أبوداود، مسند أبي داود الطيالسي،2/110.
4- سورة التوبة، الآية 84 .
5- متفق عليه ، رواه البخاري ، كتاب الجنائز باب باب الكفن في القميص الذي يكف أو لا يكف، ومن كفن بغير قميص2/76. ورواه مسلم، كتاب التوبة باب كِتَابُ صِفَاتِ الْمُنَافِقِينَ وَأَحْكَامِهِمْ.
6- رواه البخاري، كتاب الجهاد والسير، باب الكسوة للأسارى
7- أبوبكر بن الخلال، كتاب السنة،4/111.
8- متفق عليه، رواه البخاري كتاب الأدب، باب علامة حب الله عز وجل، ورواه مسلم ، كتاب الْبِرِّ وَالصِّلَةِ وَالْآدَابِ بَابُ الْمَرْءُ مَعَ مَنْ أَحَبَّ .
9- ابن القيم الجوزية،زاد المعاد في هدى خير العباد ، فَصْلٌ في الدُّعَاءُ لِلْمَيِّتِ فِي الصَّلَاةِ عَلَيْهِ، ص 486 .
10- سورة البقرة الآية 143 .
11- متفق عليه، رواه البخاري، كتاب الجنائز باب ثناء الناس على الميت،ورواه مسلم، كتاب الكسوف بَابُ فِيمَنْ يُثْنَى عَلَيْهِ خَيْرٌ أَوْ شَرٌّ مِنَ الْمَوْتَى.
12- سورة الزخرف، الآية 86.
13- سورة المنافقون الآية 4.
14- سورة التحريم الآية 9.
15- سورة الزخرف الآية 19.
16- سورة المائدة الآية 51.