د. محمد عبد الكريم
تغيير الامة من أوضاعها حتى لا تكون فريسة للتجارب:
في خضم الأحداث المتلاحقة التي تطيح بالأنظمة الفاسدة، بأنظمة الجَور والبغي، ومع انتشار المظاهرات في عدد من البلاد الإسلامية، أناس يطالبون بدولة علمانية، وآخرون ينهَوْن عن الاشتراك في تلك المظاهرات، وهكذا نجد خلطا أو خليطا من الأصوات هنا وهناك، ولا يشك عاقل أن التحرك إزاء أنظمة باغية معادية، ظاهرها الحرية والديمقراطية، وباطنها القمع والإذلال لهذه الشعوب وإماتة الأخلاق الفاضلة فيها، بتحويلها إلى قطيع من البشر، ليس له من هم إلا أن يعيش عيش الذليل.
إنما كان من صفوف الأنظمة التي سقطت، وما يحدث الآن من غليان في الشارع العربي والإسلامي بسقوط أنظمة أخرى، إن هذا يكلف المستضعفين وجلهم من المسلمين، يكلفهم شيئا كثيرا، من الجهد، ومن الوقت، ومن المال، بل ومن الدماء، ولأن المسلم ينبغي في حركته في الحياة أن يحدد هدفه وغايته من كل حركة، فهدفه وغايته من كل حركة هو التماس رضا الله جل وعلا، رضوانه الذي في صباحه ومسائه يستلهم ربه ويستجديه أن ينزله، رضيت بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد صلى الله عليه وسلم رسولا، هذا الذي أساسه ما في قول ربنا سبحانه وتعالى: (قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162) لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ (163)سورة الأنعام) فالمسلم حين يتحرك لأمر يرجو من وراء هذا التحرك أن يرضى الله تعالى عنه، كيف يرضى الله عز وجل عنه؟ إنما من يقع من الثورة على الظلم، والبغي، وعلى الفساد، وعلى العمالة للأعداء، أمر من الحق، ودفع لما أمر الله تعالى به أن يدفع، يقول النبي عليه الصلاة والسلام: "إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه أوشك الله أن يعمهم بعقاب من عنده" فدفع الظلم ورفعه، ومقاومته، والدعوة إلى الحق، وإلى العدل، وإلى الإسلام، هذا كله مما يحبه الرحمن جل وعلا، ولكن حتى تصير هذه الأمة من حالة الدنو إلى حالة العلو، ومن مرحلة الذلة إلى بحبوحة العزة، حتى تكون أمة رائدة تهابها أمم الأرض وتسير إلى الناس كما يحب الله تعالى بالعدل والإسلام، فلا بد أن تتلمس الأمة وهي تغير أوضاعها وتثور على ما هي عليه لا بد أن تتلمس سبيل العزة والتمكين والقوة، حتى لا تكون فريسة للتجارب وحتى لا تقع في فخاخ أخرى .
الإمامة والسياسة من أجل حفظ الدين وسياسة الناس به:
إنّ أمتنا في تأريخها الحديث اصطلت بنار الاستعمار والمستعمرين المحتلين ،فبعد أن ذهبت الدولة العثمانية وقسمت تركتها على المستعمرين المجرمين الذين تسلموا تركة الدولة العثمانية ، ثار المسلمون على المستعمرين والمحتلين ودللوا على أن الأمة حية، فيها حياة، فهذه الأمة فيها كرامة وفيها عزة الإسلام ثار الناس على المستعمر في كل مكان في الجزائر وفي الشام وفي مصر وفي السودان، حتى خرج المستعمر وهو يجر أذيال الخبية وقد ظن أنه سيمكث طويلا في هذه البلاد وسيغير من لغتها وتأريخها وأمجادها لتنصهر الأمة فيما يريدون من الحضارة المادية؛ لكن الأمة لفظتهم ولم يكن لهؤلاء الثائرين من مشروع واضح لبناء مجد وحضارة وقوة فجاء من يجلس على كراسي الحكم ممن هم من جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا فظن الناس فيهم أنهم سيكونون أمناء على هذه الأمة في مصيرها وفي مجدها وفي ثرواتها، بل قبل ذلك كله في عقيدتها ودينها، لأنّ أعظم مصالح الأمة في العقيدة والدين، وإنما كانت الإمامة والسياسة من أجل حفظ الدين وسياسة الناس به، ولكن هؤلاء الذين جلسوا على كراسي الحكم باللافتات المختلفة سواء كانت قومية أو كانت ملكية أو كانت جمهورية أو كانت ما كانت ؛ تحولوا إلى طغاة وجبابرة بنى كل واحد منهم معتقلا وسجنا وكدس أموال الأمة بين يديه، يصرفها كيف يشاء، وينفق منها على ما يريد بل ويجرؤ أن يأخذ تلك الثروات وتلك الأموال والأمة تعاني من الفقر المدقع، وفي كل عام ترذل الأمة، وينحدر الناس من الطبقة الوسطى إلى الطبقة الدنيا، بكل جرأة يحملون تلك الأموال إلى بلاد الكفار إلى الغرب إلى بنوك سويسرا وباريس ولندن ليشتروا هنالك أفخم البيوت ولينالوا حياة الترف والبذخ ولم يعد سرا عند الناس أن يعرفوا ويقفوا على الحفلات الماجنة التي يقيمها هؤلاء أو أسرهم وأبناؤهم مع الغانيات الفاجرات والراقصات العاهرات فأموال المسلمين تتدفق على بنوك ومصارف الأعداء والشانئين والمحاربين لنا ومع ذلك يقمعون هذه الشعوب ويذلونها ، ويزجون بالشرفاء والكرام من البيوتات والقبائل في غياهب السجون سنين عددا من دون محاكمة ، وكما رأيتم حين فتحت السجون والمعتقلات في بعض هذه البلدان التي سقطت كيف لأناس عاشوا في السجن عشرين سنة وثلاثين سنة يخرجون من جديد إلى الحياة بأي ذنب سجنوا؟ وبأي جريمة اعتقلوا؟ بأي نص من قانون أو من شريعة سجن هؤلاء ليس من شيء إلا الطغيان والبغي والعدوان، وأصبحت هذه الأنظمة يحاكي بعضها بعضا يبتدر أحدهم بتجربة لقمع شعبه فينظر إليه الآخر فيحاكيه فيفعل فعلته، فيظن أن مجده وأنّ ملكه وحكمه لا يكون إلا بهذا وبنفس الطريقة، لم يفكروا أن يضعوا لأمتهم منهجا للرقي والقوة والعزة والكرامة وإن حاكما أو ملكا أو رئيسا يريد لشعبه أن يكون قويا أن يكون منيعا أن يكون مقاوما للعدوان فإنه لا يربيه على الجبن والخذلان إن السياط التي تلهب الظهور، وإنّ السجون التي تمنع حرية الإنسان المظلوم وإنّ رسائل الإرهاب – إرهاب الدولة – التي ترسل إلى الناس بين الفينة والأخرى هذه لا تربي ولا تتمي في الأمة قوة ولا عزة، وهذ ماثل للعيان في أمتين نجدهما في التاريخ البشري:
أمة لا تقبل الذل:
أمة كانت كريمة عزيزة لا تقبل الذل ولم يتسلط عليها ملك، فحين حملت الرسالة حملت الرسالة بجد ونشرت الرسالة للعالم كله، وهم أمة العرب بعث فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكانت أمة لا يحكمها ملك جبار ولا يستطيع أن يتسلط عليها حاكم جبار، بل تكاد تجد في كثير من مدن العرب الشهيرة آنذاك كمكة أو يثرب أو البحرين أو الحيرة لا تسمع عن أسماء ملوك إلا نادرا قليلا فقد كانوا يأنفون الملوك وأن يتسلط عليهم أحد فكان عندهم من حرية والإرادة ومن الشجاعة ومن صفات الكرم ما جاء إليه الإسلام فتممه وكمله، ولذلك ما إن جاء الإسلام واقتنعوا بحمله، حملوه بجد، وتحرروا ليحرروا الشعوب الأخرى وليقول قائلهم لرستم الذي يستعبد هو وكسرى الفرس الله ابتعثنا لنخرج من شاء من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام وليقول عمر بعد ذلك كلمته متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارًا؟
أثر ردح أمة بني اسرائيل زمناً تحت نيل الفراعنة ذلا
في مقابل ذلك، انظروا إلى بني إسرائيل الذين ردحوا تحت نيل الفراعنة ذلا وهوانا زمانا طويلا، يستضعف طائفة منهم يذبح أبناءهم ويستحيي نساءهم، فما كان أثر ذلك على ذلك الجيل؟ على جيل بني إسرائيل أثَّر ذلك الاضطهاد وذلك القمع أثر في نفوس بني إسرائيل وسلب منهم كثيرا من أخلاق الشجاعة والإقدام والجرأة حتى بعث فيهم موسى عليه السلام، وأخرجهم من أرض التعبد من مصر وساروا إلى فلسطين يطلب منهم طلبا ادخلوا الأرض المقدسة التي كتب الله لكم ولا ترتدوا على أدباركم فتنقلبوا خاسرين، إنه يعدهم بأن الأرض المقدسة لهم وأن الله وعده بفتح بيت المقدس ليس لكم إلا أن تدخلوا الباب عليهم، فماذا قال ذلك الجيل؟ إن فيها قوما جبارين وإنا لن ندخلها حتى يخرجوا منها فإن يخرجوا منها فإنا داخلون، بل قالوا أعظم من ذلك قالوا اذهب أنت وربك فقاتلا إنا ههنا قاعدون، لماذا؟ لأنّ ذلك الجيل استمرأ الذل والهوان، وشعب يعيش زمنا طويلا يذل ويقمع ثم لا يثور على ذلك القمع وذلك الذل، تتبدل أخلاقه، فتتحول الشجاعة إلى خور وجبن ويتحول الكرم إلى بخل وشح، تتغير الأخلاق ولذلك الله تعالى جعل ذلك الجيل يتيه في الصحراء أربعين سنة، حتى جاء جيل جديد تربى على معاني العزة والكرامة بعد موسى عليه السلام، فقاده نبي آخر وهو يوشع بن نون ففتحوا بيت المقدس.
إن هذين المثلين في هاتين الأمتين تعطياننا مثلا مهما جدا لضرورة بقاء الأمة والشعوب على عزتها وكرامتها وحريتها، وأن قمعها وظلمها ليس في صالح الأمة لبناء حضارة ولبناء قوة، إن ما وقعت في الأمة في تاريخها الحديث من النكبة العظيمة بعد مرحلة الاستعمار أمام هذه الأنظمة يحتم عليها أن تعود لتفكر بتؤدة أين الخلل؟ وكيف سيكون حالنا في المرحلة القادمة.
لا يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها:
إن كان من جريمة يعاقب عليها الإنسان فلتكن قانونا وليكن السجن بقانون إلهي رباني يكون عقوبة يرتدع بها من يرتكب الجريمة، إن ما وقعت في الأمة في تاريخها الحديث من النكبة العظيمة بعد مرحلة الاستعمار أمام هذه الأنظمة يحتم عليها أن تعود لتفكر بتؤدة أين الخلل؟ وكيف سيكون حالنا في المرحلة القادمة؟ يقول الإمام مالك رحمه الله تعالى إمام دار الهجرة كلمة ماتعة تكتب بماء الذهب، لا يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به آولها إن هذه الأمة قدرها أنها تحمل الإسلام فإذا حملت رسالة الإسلام عدت وسادت وقويت واغتنت وإذا تركت الإسلام وتجهمت لمعالم الإيمان فهما حاولت هذه الأمة أن تستعز بغير الدين لا يعزها الله، لا يعزها الله أبدا، إن حديثا يدور في هذه الثورات وحديثا يدور على ألسنة بعض الثوار تحتاج إلى وقفة بل إلى إنكار، إن التحدي لقدر الله تبارك وتعالى في شعار ذلك الشاعر:
إذا الشعب يوما أراد الحياة فلا بد أن يستجيب القدر
هل يصلح هذا أن يكون شعارا لأمة تريد أن تسير إلى الأفضل والأحسن؟ القدر قدر من؟ قدر الله جل وعلا، وهل يمكن لشيء أن يقاوم قدر الله؟ وكان أمر الله قدرا مقدورا وإن الذي يسلب الملك أو يعطي الملك هو الله جل وعلا فلا ينبغي لشعارات التغيير أن تكون بعيدة عن المنهج الرباني، لا ينبغي لشعارات التغيير والثورة على الظلم أن تكون جاهلية، مثلما فعلت الأنظمة من قبل وهي تقاتل إسرائيل كانت أيضا تأتي بشعارات فيها سفه وفيها تعدٍّ على الله وأن الطائرات، طائرات الميراج تتحدى القدر، بمثل هذه العبارات.
إن أهل الإسلام إذا انتصروا يرجعون فضل انتصارهم إلى الله تعالى ويتواضعون لله وينكسرون، لأن الله تعالى يقول إن ينصركم الله فلا غالب لكم وإن يخذلكم فمن ذا الذي ينصركم من بعده ويدخل الرسول عليه الصلاة والسلام مكة مطأطئا رأسه لا جبارا متعاليا على الله تعالى وعلى خلقه فإذا حصل الانتصار يكون الفرح بنصر الله تعالى والإذعان لدينه وشرعه.
يقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه: إنا قوم أعزنا الله بالإسلام فمهما ابتغينا العزة بغيره أذلنا الله، في القرآن منهاج وسبيل هذا السؤدد وهذه العزة وهذه الكرامة يقول ربنا تعالى في سورة النور( وعد الله الذين ءآمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني لايشركون بي شيئا فمن كفر بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون) هذا هو مصير العزة للأمة.
ان الحديث عن الديمقراطية وأنها السبيل الأوحد لعزة الأمة هذا حديث مجانب مجاف للحقيقة والصواب، إن الحكم في الاسلام يقوم على الاختيار نعم، ويقوم على الانتخاب ويقوم على معايير واضحة تحقق العدالة للأمة، لكن عرض كل شئ على الشعوب حتى مبدأ الإسلام وتطبيق الشريعة هذا ليس من الإسلام في شئ، فمادام المسلم قد اختار الإسلام ورضي أن يكون مسلما فليس له اختيار أن يقبل بدين الله يحكم أم لا، ليس له اختيار بعد ذلك أيحكمه القرآن أم يحكمه القانون الفرنسي ولا الهندي، ليس له اختيار 😕 وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ? وليس بالضرورة أن تأتي الديمقراطية الغربية والدولة العلمانية بما يصبو إليه الناس إلى الاستقرار أو الأمن أو العيش الرغيد أو الآمن فيما بينهم كما يتوهمون، كلا!! فليست الأمور تدار بهذه المثالية، انظروا إلى لبنان مع مافيها من الحرية والديمقراطية، لكنهم متشاكسون متخاصمون لا يكادون يجمعون على حكومة حتى يقيلوها إلى حكومة أخرى إذن ليست هي الديمقراطية الفكرية الغربية هي التي تحقق لنا نحن هذه الامة السؤدد والعزة والكرامة إنما الذي يحقق لنا القوة هي شريعة الله تعالى ودولة الاسلام الراشدة، التي تقوم على الرشد في المنهج ونظام الحكم ومنهاج الحياة وعلى الرشد باختيار الأنسب والأصلح ممن يطبق هذا الحكم بين الناس ?إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ? إن هذه الدولة التي أمرنا الله بإقامتها وأن نستظل بظلالها هذه الدولة هي التي ينبغي أن نسعى نحن جميعا إلى إيجادها وتحقيقها في أرض الواقع على سبيل الإسلام وطريقة القرآن وأن يكون ذلك واضح المعالم، وسبيل ذلك ليس عسيرا إذا وجدت الإرادة الصادقة لإقامة هذه الدولة وبنائها وإقامتها.
مهما يكن من أمر فإن ما حدث ويحدث في البلاد من حولنا فيه بصيص أمل وفيه تفاؤل عظيم لعل هذه الأمة تنتقل من مرحلة الملك الجبري والملك العضود العاض إلى مرحلة جديدة تتلمس فيه الأمة طريقها إلى الله تبارك وتعالى وتضع منهج الله تعالى نصب عينها من أجل عز هذه الأمة والقيام بما أوجب الله تعالى، أسأل الله أن يكون ذلك قريبا وأسأله عز وجل ألا يضيع جهد الذين ثاروا وقاموا وأن يكلل ما قاموا به في خير هذه الأمة وعزها.
بشر هذه الأمة بالسناء والرفعة:
إن من مهازل الدهر ومن عجائب الدنيا أن يتكشف للناس حقيقة زعيم مريض غاية المرض يهرف كالجبل المغتلم يتحدث بعبارات لو تأمل فيها طفل لاستحى أن يتكلم بها، إنكم جميعا تعجبون كما أعجب بل ربما لولا الجراحات والأحزان والدماء التي تسيل في ليبيا لضحكنا ملء أفواهنا ونحن نستمع إلى خطابات العقيد المعقد المجنون بجنون العظمة معمر القذافي ومن آخر ما سمعته وسمعتم حديثه عن مجده حين يتحدث بملء فمه يقول أنا المجد أنا المجد أنا مجد لا تفرط فيه ليبيا ولا الدول العربية أو الإسلامية أو أفريقيا أو أمريكا اللاتينية، سبحان الله!! إن هذا يذكرنا بالطغيان حين يصل مداه وينسى الإنسان فيه أدنى ما يمكن أن يكون من درجات الوقار وتخير الألفاظ للتعبير، إنك أمام مثل هذه الكلمات لست بحاجة إلى أن تحلل الشخصية أو أن تنتزع حقيقة المرض، فهو يعلن أنه هو المجد، أي مجد كانت فيه ليبيا أربعين سنة؟ أي مجد ذلك وهذا لسان حاله أنا ربكم الأعلى ما أريكم إلا ما أرى أي مجد هذا والطيبون والناصحون علقوا على المشانق ويصورهم التلفزيون الليبي في مواقف حين أعلن منذ ثلاثة عقود أو عقدين ونيف تحدث عن السنة وأنه لا يعترف بالسنة وعندنا القرآن فقط وليس غير القرآن وكلما قرأت حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم يوشك أن يأتي رجل من أمتي شبعان متكئ على أريكته يقول بيني وبينكم كتاب الله ما فيه من حلال حللناه وما فيه من حرام حرمناه ألا إن ما حرم رسول الله مثل ما حرم الله كلما مررت على هذا الحديث أتذكر القذافي وإنكاره للسنة وتهجمه على البخاري وعلى كتب السنة فذهب إليه جماعة ناصحون ليجلسوا معه وليقيموا عليه الحجة فجلسوا فتأكدوا من ذلك، وعلى إثر تلك الجلسة حكم عليه جماعة من العلماء بالردة والكفر وتحدث بذلك بعض الصلحاء والعلماء في ليبيا، فماذا فعل بهم؟ أمر بأن يشنقوا في أعمالهم فالأستاذ في مدرسته والعامل في مصنعه أو محل عمله هكذا إمعانا في إذلال هذا الشعب أي مجد هذا الذي يتحدث عنه؟ وحين سُلِّم بعض الليبين من المعارضين أخذوا ليستلمهم هو وجهاز أمنه أبى إلا أن يطلق عليهم النار وهم في سلم الطائرة قبل أن يصلوا إلى أرض ليبيا إمعانا وإذلالا، هذه هي العقلية والمزاجية والجنون الذي كان يحكم ليبيا أربعين سنة، إن استفاقة الناس على مثل هذه الحالة حالة العقيد القذافي وأن يحكم مثل هذا أمة وشعبا هذا محل تساؤل ينبغي أن يكون محل مراجعة لهذه الأمة.
إن ما يقع لإخواننا في ليبيا من التقتيل والتشريد حيث انتشق الرجل أسلحته حتى الطائرات كل ألوان الأسلحة انتشقها وأبرزها وأظهرها لإبادة الشعب وإبادة المدنيين، وتضرب كتائبه وتقصف قصفا عشوائيا، من دون أدنى إنسانية فهذا مثال حي لما ذكرته من تيه هذه الأمة قرنا من الزمان فهل للأمة بعد كل هذه الجراحات وبعد كل هذه الشلالات من الدماء والأشلاء هل للأمة أن تتورط مرة أخرى في جبار آخر أو في مجنون آخر أو في معتوه آخر أو فيمن يتلاعب بمصيرها سنين عددا حتى لا يقع هذا فلا بد للأمة أن تتلمس المنهاج الربناي للحكم المنهاج الذي يحقق العدل والذي يجعل من الأمة رقيبة حسيبة للحاكم إذا أراد أن يجور، إن فقهاءنا في كتب الأحكام السلطانية تحدثوا عن جور الحاكم بل وعن كفر الحاكم، وتكلموا عن أن الحاكم إذا خرج عن الإسلام وجب على الأمة أن تنزعه، وأن تنصب إنسانا آخر مكانه وهذا معناه أن الأمة عندها رقابة وعندها محاسبة وهذا الذي كان عليه الخلفاء الراشدون في العهد الأول لا كما يظن بعضهم ممن لا يفهم السياسة الشرعية ولا يقرأ تاريخ الخلفاء قراءة صحيحة أليس أبو بكر أول الخلفاء هو الذي قال في أول خطاباته للأمة أطيعوني ما أطعت الله فيكم؟ فإن عصيته فلا طاعتي لي عليكم، أليس هو عمر الذي قال للناس يوما وهو يخطب الناس في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم لو تركت أمر الله ما أنتم فاعلون؟ فقام سلمان الفارسي ليس عربيا، من قبيلة من قبائل المدينة أو مكة وإنما فارسي لكنه مسلم لأن الإسلام سوى بين الناس فيقف سلمان فيشهر سيفه ويقول والله يا أمير المؤمنين لو اعوججت لقومناك بسيوفنا فيقول عمر رضي الله عنه الحمد لله الذي جعل في أمة محمد صلى الله عليه وسلم من يقوم عمر بسيفه إذا اعوج هذا هو المنهاج الذي سار عليه الخلفاء الراشدون فانصلحت هذه الأمة، فما كان يجرؤ باغ أو ظالم على أن يتعدى حدود الله تعالى علنا، فإذا وضعت الأمة هذا المنهاج وسارت عليه فعند ذلك سيكون ما بشر به الرسول عليه الصلاة والسلام بشر هذه الأمة بالسناء والرفعة هكذا قال صلى الله عليه وسلم.