د.محمد بن عبد الكريم الشيخ
قسمة الأموال في القرآن الكريم:
إنّ ربنا جلّ جلاله أقام شرعه على العدل كما أقام خلقه على العدل فقال سبحانه وتعالى : "إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ" وقال جلّ وعلا في أمر المال والاقتصاد : "وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ" ، وقسّم الله تعالى الموارد التي ترد على الدولة الإسلامية بنفسه من أول نشأة الدولة الإسلامية في المدينة فمع نزول آيات غزوة بدر في سورة الانفال تولى قسمة الغنائم بنفسه قال تعالى: "يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ قُلِ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ" إلى أن قال جلّ وعلا ،:" وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِير" وكذلك بيّن الله تعالى كيفية توزيع الفيء وهوكلّ مَالٍ أُخِذَ مِنَ الْكُفَّارِ بِغَيْرِ قِتَالٍ وَلَا إِيجَافِ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ، كَأَمْوَالِ بَنِي النَّضِيرِ هَذِهِ، فَإِنَّهَا مِمَّا لَمْ يُوجف الْمُسْلِمُونَ عَلَيْهِ بَخِيلٍ وَلَا رِكَابٍ :" مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ""وتولى بنفسه جلّ جلاله قسمة التركات والميراث " يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ " الآيات ، "يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ"، "لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا" ،وفي الزكاة التي أمر الله بإخراجها وأخذها بحقها وأنّ من جاء بها فإنّ الله يصلي عليه ورسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي عليه " خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ" وقل مثل ذلك في الزكاة قسمها بنفسه سبحانه بين عباده فقال:" إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ " .
قواعد ضبط المال:
استقرأ العلماء هذه النصوص مع ما تركه أهل العلم من الاجتهادات الشرعية التي تحافظ على هذه العدالة وتقيمها كما أمر الله تبارك وتعالى فوضعوا لذلك قواعد لضبط المال وأخذه من الناس عموماً ومنها:
القاعدة الأولى :" قاعدة العدالة" ومفادها أنّ الضريبة التي تفرض على كل مكلف في نفقات الدولة يجب أن تتناسب مع قدرة هذا الذي يؤخذ منه أي أن يكون اشتراكه بنسبة الدخل الذي يتمتع به في ظل الدولة .
القاعدة الثانية : اليقين أنّ الضريبة التي تفرض على كل فرد يجب أن تكون واضحة معلومة من حيث موعد الدفع وكيفيته ومقدارها يدفع بحيث لا يتطرق إلى ذلك أي شك.
القاعدة الثالثة: "الملاءمة" ويقصد بها أن تكون جبياية الضريبة في أكثر الأوقات ملاءمة للمكلف وبالكيفية المتيسرة .
القاعدة الرابعة : الاقتصاد في نفقات الجباية ، فتفضل الضرائب التي تقل نفقات جبايتها على التي تكثر نفقات جبايتها .
هذه قواعد أربعة وضعها العلماء من خلال الاستقراء من النصوص ومن قواعد الشرع .
قاعدة : الضريبة تقع على صافي الدخل:
وأضافوا إليها قاعدة أخرى وهي : أنّ كل ضريبة يجب أن لا تقع إلا على الدخل لا على رأس المال ، وعلى صافي الدخل لا على جملة الناتج ، لتكون الضريبة من ثمرة المال ولا تكون من عوامل نقص أصله ، ولذلك نجد من شروط الزكاة -التي أمر الله تعالى بها في الإسلام-
إذن هذه مبادئ العدالة من الاقتصاد واليقين والملاءمة حتى يكون العدل في جباية المال.
مفاتيح خير لا دعاة جباية:
إنّ أي أمة من الأمم يكرهون من يرهقهم بشيء اسمه الضرائب ولا يحب الناس عموماً ممن يرهقهم بأخذ أموالهم بغير حق ولذلك أحد أسباب قبول الشعوب للمسلمين في فتوحاتهم أنّهم كانوا لا يرهقون الشعوب التي يفتحون بلدانها ، لا يرهقونهم بما كان الملوك يفعلون بهم من أخذ الضرائب والمكوس .
جاء في التاريخ بعد معركة اليرموك لما فتح المسلمون بلاد حمص صالحوا أهلها على أخذ الخراج منهم في مقابل حمايتهم ولما بلغ المسلمين مافعله هرقل من جمع الجموع ضد المسلمين فجاءوا إلى أهل حمص –انظروا العدالة– وردوا عليهم ما أخذوا منهم من الخراج وقالوا : "قد شغلنا عن نصركم والدفع عنكم فأنتم على أمركم " يعني نحن أخذنا منكم هذا في مقابل أن ننصركم وأن ندفع عنكم عدوكم ولكننا قصرنا في هذا فنرد إليكم أموالكم فقال أهل حمص لولايتكم وعدلكم أحب إلينا مما كنا فيه من الظلم والغشم ولندفعنّ جند هرقل عن المدينة مع عاملكم
ونهض اليهود فقالوا : "والتوراة لا يدخل عامل هرقل مدينة حمص إلا أن نغلب ونجهد فأغلقوا الأبواب وحرسوها."وكذلك فعل أهل المدن التي صولحت من اليهود والنصارى ؛فالرومان والفرس كانوا قد ارهقوا الناس بالضرائب وحملوهم ما لا يطيقون ولم يرحموا أحداً ولم ينقذ الناس من ظلمهم إلا الفتح الإسلامي حين جاء المسلمون وفتحوا تلك المدن ونشروا العدل والرحمة في ربوعها .
إذن الأشياء التي تذهب إلى بيت مال المسلمين هي: الزكاة ،والجزية على اليهود والنصارى ، أو على أهل الكتاب ، والغنائم ، والخراج ، والعشور بضوابطها كما ذكرها العلماء، بالإضافة إلى المعادن ، والركاز ، والتركات التي لا وراث لها، أما مسألة فرض الضرائب زيادة على حق الله الذي هو الزكاة فالأصل في ذلك أنّه لا يقع إلا لضرورة ملحة فلا يجوز أخذ شيء من مال المسلم إلا برضى نفسه وطواعيته قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" فَإِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ عَلَيْكُمْ دِمَاءَكُمْ، وَأَمْوَالَكُمْ، وَأَعْرَاضَكُمْ، كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، فِي شَهْرِكُمْ هَذَا، فِي بَلَدِكُمْ هَذَا" وقال عليه الصلاة والسلام :" لَا يَحِلُّ لِلرَّجُلِ أَنْ يَأْخُذَ عَصَا أَخِيهِ بِغَيْرِ طِيبِ نَفْسِهِ وَذَلِكَ لِشِدَّةِ مَا حَرَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ مَالِ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ."
تاريخ ظهور الضرائب عند المسلمين وإنكار العلماء:
وقد حدث الغلاء في مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى عهده كما ورد ذلك في حديث أنس في السنن قال :" غَلَا السِّعْرُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ غَلَا السِّعْرُ فَسَعِّرْ لَنَا قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى هُوَ الْخَالِقُ الْقَابِضُ الْبَاسِطُ الرَّازِقُ الْمُسَعِّرُ , إِنِّي لَأَرْجُو أَنْ أَلْقَى رَبِّي وَلَيْسَ أَحَدٌ مِنْكُمْ يَطْلُبُنِي بِمَظْلَمَةٍ فِي دَمٍ وَلَا مَالٍ»" فجعل النبي صلى الله عليه وسلم مثل هذا التسعير مظلمة في المال وعلى هذا لم تعرف الأمة الإسلامية في تاريخها مسألة الضرائب التي كانت عند الرومان وعند الفرس وعند سائر أهل الكفر إلا في سنة ثلاثمئة وعشر من الهجرة –(310هـ)-في أواخر عهد المتقي العباسي بعد أن ضعفت الدولة حيث فرض هذا الخليفة الضرائب على الناس فأنكر العلماء ذلك إنكاراً شديداً بل تكلم في ذلك الشعراء فقال شاعرهم :
"على كل أذواق العراق ضريبة ………….وفي كل ما باع امرئ مكس الدرهم"
يعني في كل مال وضعتم مكساً وضريبة ،وأنكر العلماء ذلك وذكر العز بن عبد السلام والقرافي رحمهم الله تعالى أنّ من قال بإباحة الضرائب فهو مرتد عن الإسلام لأنّ تحريم مال المسلم من غير طيب نفس منه أمر معلوم من الدين بالضرورة ، ومال المسلم حرام إلا برضاه ، والضرائب أخذ مال من المسلم من غير رضاه ، وينبغي أن تقصر الضرورة على أمور معينة ذكرها العلماء عند الإجابة على السؤال التالي :
متى تتجاوز الدولة الزكاة فتأخذ من الناس شيئًا يزيد عن الزكاة ؟
فيقال إنّ الدولة تتجاوز الزكاة فتأخذ شيئاً يزيد عنها إذا كان المسلمون محتاجين إلى غزو -فإن دخلوا في معركة فهم بحاجة إلى مال لتمويل هذه المعركة – أو إلى أمر عام كبناء جسر مهم ومثلها المدارس والمساجد والمستشفيات والطرق ونحو ذلك من الأمور العامة ولم يجدوا مالاً من خيرات الأرض ولا من المال العام المشترك واحتيج إلى مثل هذا النوع فينبغي أن يسأل الناس أن يتبرعوا طواعية فإذا كفى ماتبرعوا به لم يجز أخذ شيء منهم وإذا لم يكف فلا بد أن يدرس العجز حتى يحدد بالضبط ماهو نوع هذا العجز؟ وكيف يؤخذ من الأغنياء ؟ وهذا يحتاج لكثير من التأمل والدراسة.
إخوة الإيمان:
لا يدخل الجنة صاحب مكس
الآن كثير من هذه الدول لا يعرفون مقدار العجز بالضبط وأكثر ما يدخل بيت المال العام من المال عرضة للنهب والسرقة ؛ فالضرائب لاتكون إلا لتلبية أمور ملحة ضرورية وفي مقابل خدمات وإلا فإن صاحبه يكون من أهل المكس .
من أدلة منع الضرائب في مال المسلم:
الإباحة محاطة بسياج من الشروط:
أما الفقهاء الذين أجازوا فرض الضرائب فقد وضعوا لذلك شروطاً أجملها العلماء والفقهاء في سبعة وهي:
أولاً : وجود حاجة شرعية عامة للمال.
ثانياً : عدم كفاية الموارد الشرعية مثل الزكاة والجزية والخراج والعشور التي هي الرسوم الجمركية التي تؤخذ بضوابطها .
ثالثاً : إلغاء النفقات التبذيرية والاسرافية قبل فرض الضريبة ،فلا يمكن للدولة أن تضع نفقات تبذيرية وإسرافية ليس الناس بحاجة إليها ثم تفرض الضرائب لهذه الأمور التبذيرية والإسرافية ولوضع المال في الكماليات.
رابعاً : مشاورة أهل الحل والعقد من الذين يخافون الله تعالى في حرمات الأمة في دماء المسلمين وأموالهم وأعراضهم في فرض الضرائب حتى تفرض ضريبة أياً كان نوعها.
خامساً : أن تكون الضريبة بقدر الحاجة التي فرضت لأجلها.
سادساً : أن تفرض بالعدل كما يشترط في الموارد الشرعية.
سابعا : أن تنفق حصيلتها في مصالح الأمة التي جمعت من أجلها ، ومثال على ذلك :
إن كانت الضرائب قد جمعت من أجل بناء المدارس فتبنى بها لا تتعداها لغيرها، وإن جمعت من أجل بناء مستشفى فيبنى بها ، وقل مثل ذلك إن جمعت من أجل بناء جسر معين أو كبري أو ما يحتاجه الناس من طريق أو نحوه ففيما جمع من أجله .
ولذلك نص العلماء على أنّه لامانع من فرض ضرائب عادلة إذا دعت لذلك الضرورة الملحة .
قول ابن العربي المالكي والقرطبي:
ذكر ابن العربي المالكي والقرطبي اتفاق العلماء على أنّه إذا نزلت بالمسلمين حاجة بعد أداء الزكاة فإنه يجب صرف المال إليها .
قول الإمام مالك –رحمه الله:
ونقل عن الإمام مالك رحمه الله قوله : "يجب على الناس فداء أسراهم وإن استغرق ذلك أموالهم" يعني حتى لو استغرق ذلك أموالهم .
قول الإمام الشاطبي:
ونص الإمام الغزالي والشاطبي على أنّه إذا خلا بيت مال المسلمين من المال جاز للإمام أن يفرض على الأغنياء مايراه كافياً يقول الشاطبي في الإعتصام : " إِنَّا إِذَا قَرَّرْنَا إِمَامًا مُطَاعًا مُفْتَقِرًا إِلَى تَكْثِيرِ الْجُنُودِ لِسَدِّ الثُّغُورِ وَحِمَايَةِ الْمُلْكِ الْمُتَّسِعِ الْأَقْطَارِ، وَخَلَا بَيْتُ الْمَالِ وَارْتَفَعَتْ حَاجَاتُ الْجُنْدِ إِلَى مَا لَا يَكْفِيهِمْ، فَلِلْإِمَامِ – إِذَا كَانَ عَدْلًا – أَنْ يُوَظِّفَ عَلَى الْأَغْنِيَاءِ مَا يَرَاهُ كَافِيًا لَهُمْ فِي الْحَالِ، إِلَى أَنْ يَظْهَرَ مَالُ بَيْتِ الْمَالِ" هذا إذا خلا بيت المال من أي إيرادات أو بما لا يكفي للدولة أما إذا أمكن تغطية الحاجة بالتبرعات كما فعل النبي عليه الصلاة والسلام مع الصحابة قبل غزوة تبوك في جيش العسرة حيث جيش جيشًا من أجل قتال الروم ولم يكن هناك الكثير من المال فدعا إلى التبرع لم يجعل النبي صلى الله عليه وسلم الحاجة إلى تمويل ذلك الجيش مساغًا أو مجالًا لفرض ضرائب دائمة على أهل المدينة بل دعا إلى التبرع فجاء أغنياء المسلمين كعثمان رضي الله عنه بما عندهم من الأموال فتبرع المسلمون من أجل تمويل ذلك الجيش وسار النبي صلى الله عليه وسلم بما أمكنه أن يجمع من المال والجند أما الذين لم يجدوا ماينفقون رجعوا وأعينهم تفيض من الدمع حزناً أن لا يجدوا ماينفقون أرجعهم النبي صلى الله عليه وسلم لأنه ليست هنالك كفاية لتغطية نفقاتهم لكن لم يجعل النبي صلى الله عليه وسلم ذلك سبباً من أجل فرض الضرائب الدائمة على المسلمين بل لم يلجأ أصلا إلى مسألة الضرائب وإنما إلى أصل التبرعات لكن العلماء قالوا إذا لم تفي التبرعات في مثل هذه الظروف الملحة بالحاجة فإنه يلجأ إلى ذلك وتقدر الضرورة بقدرها.
ضوابط الجمارك:
أما الجمارك فله ضوابطه في الإسلام : إنّ ضريبة العشور وهي رسوم الجمركية التي تؤخذ على الصادر من البلاد الإسلامية والوارد إليها وحكم هذه الرسوم التي تفرضها الدولة على البضائع الوارد إليها والصادر منها له حالتان :
الحالة الأولى: أن تكون على بضائع المسلمين ، وهذه إذا كانت تؤخذ من أصحاب البضائع في مقابل خدمات تؤدى إليهم كل حسب بضاعته فلا حرج في ذلك بمعنى رسوم معقولة من أجل خدمات مثل أن تعود على على المصدرين أو على أصحاب هذه البضائع من ناحية الرقابة الصحية أو رقابة الجودة مما يعود على هؤلاء بالنفع فهذا يجب دفعه ولا يجوز التهرب منه لأنّه حق على صاحب البضاعة وجب عليه الوفاء به ، أما إذا كانت الجمارك تحصل في غير مقابل أو في مقابل خدمات لا تبلغ الرسم الجمركي فإنها حينئذ داخلة في المكس والضرائب المحرمة، وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام : لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ صَاحِبُ مَكْسٍ" والمكس من الغضب ويدخل فيه ما أخذه الملوك والقطاع من أموال الناس .
الحالة الثانية: أن تكون على بضائع غير المسلمين، قال العلماء والفقهاء: وهي جائزة فقد أخذ عمر بن الخطاب رضي الله عنه العشر ونصف العشر من تجارات غير المسلمين فقد كَتَبَ أَبُو مُوسَى إِلَى عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا أَنَّ تُجَّارَ الْمُسْلِمِينَ إِذَا دَخَلُوا دَارَ الْحَرْبِ أَخَذُوا مِنْهُمُ الْعُشْرَ , قَالَ: فَكَتَبَ إِلَيْهِ عُمَرُ: خُذْ مِنْهُمْ إِذَا دَخَلُوا إِلَيْنَا مِثْلَ ذَلِكَ الْعُشْرِ , وَخُذُوا مِنْ تُجَّارِ أَهْلِ الذِّمَّةِ نِصْفَ الْعُشْرِ , وَمِنَ الْمُسْلِمِينَ مِنْ مِائَتَيْنِ خَمْسَةً , وَمَا زَادَ فَمِنْ كُلِّ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا دِرْهَمًا""السنن لكبرى للبيهقي"
ومافرضه على التجار من أهل الحرب فهو من باب المعاملة بالمثل فقد قال زياد بن حدير "مَا كُنَّا نَعْشُرُ مُسْلِمًا وَلَا مُعَاهَدًا. قَالَ: قُلْتُ-أي الراوي-: فَمَنْ كُنْتُمْ تَعْشُرُونَ؟ قَالَ: تُجَّارَ أَهْلِ الْحَرْبِ كَمَا يَعْشُرُونَنَا إِذَا أَتَيْنَاهُمْ""السنن الكبرى
فلا يأخذون الجمارك من مسلم ولا كذلك من ذمي ، لأنّ المسلم أصلا يدفع الزكاة والذمي يدفع الجزية وهذه تسمى بالسياسة الدولية "المعاملة بالمثل" ما دام القوم يأخذون على المسلمين الوافدين إليهم ببضاعاتهم أو بما عندهم جمارك في مقابل ذلك يؤخذ ممن يأتينا ، فهي من باب المعاملة بالمثل كما فعله عمر رضي الله تعالى عنه ، أما المكوس الظالمة فهي الضريبة التي تفرض على الناس ويسمى آخذها مكاساً أو عشاراً وعدّ العلماء من ذلك فيما ذكر عن النبي صلى الله عليه وسلم صوراً كثيرة منها :
وهذا أشبه مايكون بالجمارك في زماننا هذا ، ويقول العلماء : الذي يأخذ من التجار إذا مروا يسمى مكساً باسم العشر ويسمى صاحبه مكاسا وقد ورد في الحديث لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ صَاحِبُ مَكْسٍ" قال البغوي يريد بصاحب المكس الذي يأخذ من التجار إذا مروا عليه مكسا باسم العشر أو باسم آخر غيره ، يقول ابن تيمية رحمه الله تعالى : "أَمَّا مَنْ كَانَ لَا يَقْطَعُ الطَّرِيقَ وَلَكِنَّهُ يَأْخُذُ خِفَارَةً – أي يأخذ مالا مقابل الحماية أو ضريبة من ابناء السبيل على الرؤوس والدواب والأحمال ونحو ذلك- أَوْ ضَرِيبَةً مِنْ أَبْنَاءِ السَّبِيلِ عَلَى الرُّءُوسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَحْمَالِ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَهَذَا مكاس عَلَيْهِ عُقُوبَةُ المكاسين ، وَقَدْ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي جَوَازِ قَتْلِهِ وَلَيْسَ هُوَ مِنْ قُطَّاعِ الطَّرِيقِ؛ فَإِنَّ الطَّرِيقَ لَا يَنْقَطِعُ بِهِ مَعَ أَنَّهُ أَشَدُّ النَّاسِ عَذَابًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى {قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الغامدية: لَقَدْ تَابَتْ تَوْبَةً لَوْ تَابَهَا صَاحِبُ مَكْسٍ لَغُفِرَ لَهُ".
حكم القيمة المضافة:
إنّ فيما ذكر الله تعالى وأمر الله به غنية للمسلمين وخيراً لهم ، وما نزل بلاء من غلاء الأسعار وضيق المعيشة إلا بسبب حصول نوع من الظلم والبغي والعدوان في فرض ضرائب ما أنزل الله تعالى بها من سلطان ، وعلى سبيل المثال ما يسمى بالقيمة المضافة هذه التي تؤخذ على الناس في كل مرحلة من المراحل مما لا يتصور حتى في كثير من البلدان الكافرة التي تفرض الضرائب فهل يعقل أنّ القيمة المضافة تؤخذ من المنشأ ثم تكون لمن يشتري ثم لمن يشتري منه حتى تكون هذه القيمة في النهاية على المستهلك هل هذا في دين الله تبارك وتعالى، أن يكون أخذ الضرائب أضعافاً مضاعفة في كل مرحلة من المراحل .
إنّ مثل هذه الضرائب التي تفرض ينبغي أن تخضع للنظرة الشرعية وفق القواعد العدلية التي وضعها العلماء إذا احتاج الناس إلى ذلك بالشروط التي ذكرها العلماء وإلا فلا يجوز لأحد أن يفعل ذلك .
ولذلك لا يجوز للإنسان أن يعمل في مجال أخذ أموال الناس بغير حق ، فإذا كان العمل مثلا في مصلحة الضرائب من أجل أخذ هذه الأموال في غير ما يعود على الناس بالخدمة عليهم فهو من الظلم والإعتساف فلا يجوز للإنسان أن يعمل مكاسًا وأن يأخذ أموال الناس بغير حق وهذا من المنكر ومن التعاون على الإثم والعدوان ، وأما إذا كان مجاله في هذا العمل القصد منه التخفيف على المسلمين وأن لا يأتي آخرون يرهقون الناس مزيداً من أخذ الضرائب عليهم والجمارك فيكون ذلك بحسب مانواه من إرادة الخير للمسلمين والنصح لهم ، وهذا قرره علماؤنا كابن تيمية حين سئل عن رجل من الشرطة يعمل في المكس أو في الخفارة فذكر ذلك ابن تيمية أنه يجوز له أن يعمل إذا كان يخفف عن المسلمين "وإذا كان قصده من مقامه هذا أن يخفف عليهم وأن يرفع عنهم الظلم أما إذا كان لمجرد الوظيفة والمال ولمجرد التكسب فهذا حرام عليه بل ما يأخذه سحت داخل في عموم قول النبي صلى الله عليه وسلم :"لا يدخل الجنة صاحب مكس"
اسأل الله تعالى أن يرفع عن المسلمين الظلمة والضر ، وأن يرزقنا وإياكم التقى والهدى والعفاف والغنى أقول هذا القول واستغفر الله فيافوز المستغفرين .