المشرف العام الشيخ الدكتور

محمد عبدالكريم الشيخ

الثوابت المفترى عليها (الحجاب)

الثوابت المفترى عليها (الحجاب)

إنّ الله سبحانه وتعالى خلق الذكر والأنثى وهو أعلم بهما وبما يصلحهما، فهما يشتركان في أصل الخِلقة، ويجتمعان في أصل الأحكام، وجعل لهما الثواب الجزيل والمقام العظيم يوم القيامة إنْ هُما أطاعاه وأقاما أحكامه، قال تعالى: (مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ).
والله سبحانه الحكيم العدل  جعل في الرجل خواصَّ وأموراً تليق بوظيفته ومكانته ومهمته في الحياة، كذلك خلق المرأة على هيئة  معينة  تختلف بها عن الرجل، وشرع لكلٍّ أحكاما يختلف بها عن الآخر؛ فالرجل مأمور بأداء الصلوات في بيوت الله، لا يتخلّف عنها إلا بعذر، ومما خُص به الرجل حكم القِوامة، فهو قَـيِّم على المرأة بنص القرآن، (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ)، بخلاف المرأة، فإنّ الله كتب على بنات آدم أن يحِضْن وجعل ذلك عذرا لهن يمنعهن من أداء الصلاة والصيام، تخفيفا ورأفة بهن، وجعل في المرأة من العاطفة والحنان على الأولاد والذرية ما لا يوجد عند الرجل، وشرع لها أحكاما خاصة تتعلق بالحجاب والقرار في البيت وطاعة الزوج، وجعل لها القدرة على العناية بالأولاد وتحملهم، فيا لله من صبرها على وليدها وولدها، كيف تصبر عليه حملا ورَضَاعًا وتربية؟ وكيف تتعلق به هذا التعلق؟ مما لايكون موجودا في الرجل، يقول تعالى: (حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ) فمِن ثَمَّ، فإن الله تعالى جعل لها نصيبًا أوفى، وحظًا أكبر في البر والإحسان، كما سأل رجل النبي عليه الصلاة والسلام فقال:  يا رسول الله، مَنْ أَحَقُّ النَّاسِ بِحُسْنِ صَحَابَتِي؟ قَالَ: «أُمُّكَ» قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: «ثُمَّ أُمُّكَ» قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: «ثُمَّ أُمُّكَ» قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: «ثُمَّ أَبُوكَ». 
إن المرأة مأمورة من الله تعالى (ولايظلم ربك أحدا) وهو الأعلم الأحكم سبحانه وتعالى، مأمورة أمرًا جازما بأن تحتجب، وأن تستر زينتها عن الرجال الأجانب، فصَّل الله ذلك وبينه في سورة النور وفي سورة الأحزاب، فقال عز وجل في سورة النور: (وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا [ثم ذكر الله اثني عشر شخصا هم الذين يجوز للمرأة أن تبدي زينتها أمامهم] إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُوْلِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاء وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ).
وفي سورة الأحزاب أمر الله تبارك وتعالى النساء في شخص أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم، لأن توجيه الخطاب إلى الأعلى لبيان أن من دونه محتاج إليه من باب أولى، فهن القدوة وهن الأسوة، وخطاب الله تعالى لهن يعني أن من دونهن أولى، يَا نِسَاء النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاء إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَّعْرُوفاً * وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً)، عمد إلى هذه الآية الكريمة الذين يتبعون ماتشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله، فجاء الأدعياء في هذا العصر، المفتونون بالغرب، فبدل أن تكون عندهم الشجاعة ليفصحوا عن مكنون صدورهم من بغضهم لهذا العبادة؛ عبادة الحجاب، وبدلا من أن يصرحوا بأنهم ضد هذه العبادة، فيفتضح أمرهم، وتتكشف حقيقتهم، ذهبوا على طريقة المنافقين في القول بدعوى التخصيص، بأن الحجاب خاص بأمهات المؤمنين، وأن من عداهن من المسلمات المؤمنات ليس عليهن هذا الحجاب، ويردد هؤلاء بين فينة وأخرى هذه الشبه ويلقونها في كل مناسبة، ودعواهم بأن هذا الحجاب خاص بأمهات المؤمنين بهذه الآية دعوى شيطانية، دعوى إبليسية، ترد هذه الدعوى القواعدُ الشرعيةُ التي عرفها العلماء، من النصوص المتضافرة الكثيرة من القرآن والسنة؛ من أهم هذه القواعد: أن الأصل في الأحكام الشرعية أنها تسري في الجميع، فلا يصار إلى القول بالخصوصية والتخصيص إلا بدليل صريح واضح في الباب، فالأصل أن حكمه صلى الله عليه وسلم وحكم أمته واحد، فإذا أمر الرسول صلى الله عليه وسلم في القرآن بأمر، فالأمر له أمر لأمته، وجاءت أحكام كثيرة تخاطب الرسول صلى الله عليه وسلم، لأن الخطاب له خطاب للأمة (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ)، فهل يسوغ أن يأتي أحد ليقول إن هذا خاصٌّ برسول الله صلى الله عليه وسلم؟ ويقول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاء فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ) فهل زعم أحد بأن حكم الطلاق على العدة خاص برسول الله صلى الله عليه وسلم؟ لم يقل بهذا أحد ممن يحترم العلم ويوقر كتاب الله تعالى ويجله، وكذلك الحال في خطاب الصحابة أو خطاب بعضهم أو خطاب أمهات المؤمنين. الأصل أن مايوجه إليهم من خطاب هو خطاب للأمة.
الأمر الثاني من نفس الآية البينة يَا (نِسَاء النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاء إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ) جاءت الآية هنا بأحكام أخرى غير حكم الحجاب وعدم التبرج تبرج الجاهلية، فالآية تأمر بالتقوى، والآية تأمر بالقرار في البيت، والآية تنهى عن التبرج تبرج الجاهلية، والآية نفسها تأمر بإقام الصلاة وإيتاء الزكاة، والآية نفسها تأمر بذكر الله عز وجل، فلماذا ياهؤلاء انتقيتم من الآية الحجاب فقط؟ لماذ تدَّعون بأن الحجاب وحدَه هو الذي يخصُّهن؟ لماذا لم تجرؤوا على القول بأن الصلاة أيضا من خصوصياتهن؟ وأن القرار في البيت من خصوصياتهن؟ وعدم التبرج تبرج الجاهلية من خصوصياتهن؟ إذن، هذا نوع تحكم ونوع لعب في تفسير كلام الله عز وجل، وعدم تقوى في تناول النصوص الشرعية؛ كان بعض السلف كأبي بكر رضي الله عنه يقول: (أي أرض تُقِلُّني وأي سماء تُظِلُّني إن قلتُ في كتاب الله ماليس لي به علم؟) فكيف يجترئ هذا المجاسر وغيرُه على مثل هذه الدعوى بأن الحجاب الوارد في القرآن إنما هو خاص بأزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم؟
إن الأحكام تدور مع العلة وجودا وعدما، لقد علل الله تباك وتعالى الأمر بالحجاب بأن الحجاب مطهرةٌ للقلوب قال عز وجل بعدها بآيات: ( وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاء حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ) إن الحكم هنا معلل بأن خطاب الرجل للمرأة من وراء حجاب أنقى لقلبها وقلبه، فهل هذا خاص بأزواج النبي عليه الصلاة والسلام؟ أهن فقط اللآئي يحتجن إلى طهارة القلب وغيرهن لسن بحاجة إلى أن يطهرن قلوبهن بلزوم الحجاب؟ إذن المقصد من لزوم الحجاب طهارة الباطن، فالمرأة حين تتحجب فإنها بهذا تطهر قلبها وتساهم أيضا في طهارة قلوب الرجال الذين ربما يفتنون بها.
ما اكتفى القرآن بهذا فحسب، بأن وجه الخطاب إلى أمهات المؤمنين في شخص أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذواتهن، بل في آخر سورة الأحزاب جاء مرة أخرى أمر الله إلى رسوله صلى الله عليه وسلم صريحا واضحا فقال جل وعلا: ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ) إن الله يقول هنا لنبيه: قل لأزواجك، ثم لبناتك. إذن!! دعوى التخصيص بطل بهذا التصريح، بنات رسول الله صلى الله عليه وسلم مأمورات بالحجاب، ثم أكثر من هذا، ونساء المؤمنين كذلك، هكذا تصريحًا!! فنساء المؤمنين مأمورات بأن (يدنين عليهن جلابيبهن ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً). ثم يهدد الله المنافقين، انظروا للعلاقة مابين النفاق والحجاب، إن من أكثر مايفضح الله تعالى به المنافقين في المجتمع الإسلامي هو موقفهم من الحجاب الشرعي، نعم!! إن الله تعالى يفضح المنافقين على مر الأزمان والعصور بموقفهم من الحجاب، فالمنافقون دوما يمتعضون من الحجاب، ويكرهون للمرأة أن تحتجب عن الرجال الأجانب، وأن تستر زينتها، فعقَّب الله تعالى بعد أمر رسوله صلى الله عليه وسلم بالحجاب بقوله: ( لَئِن لَّمْ يَنتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلاً* مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلاً* سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلُ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً) هكذا أرعد الله تعالى  المنافقين وقطع عليهم الطريق ليقول لهم إن الأمر بالحجاب مني أنا الله، وليس من أحد من البشر، ليس كما تدعون بأن الأمر بالحجاب من تصرف الرجال وأهوائهم، وليس من فوقية الذكور على الأناث، إنما جاء الحجاب من فوق، جاء من الله سبحانه وتعالى، فليخسأ المنافقون في كل زمان ومكان!! ليخسؤوا!!
كيف طبق نساء المؤمنين أمر الله تعالى لرسوله بالحجاب؟ أهو أمر لاوجود له في كتب السير ولا وجود له في كتب السنة والأحاديث النبوية؟ لا؛ الأحاديث موجودة في الصحاح والمسانيد وفي السنن، تقول عائشة رضي الله عنها: رحم الله نساء الأنصار، لما أنزل الله آية الحجاب عمدن إلى مروطهن فشققنه فاختمرن به، فكأنهن الغرابين)، هكذا كان التطبيق العملي للأمر بالحجاب، بمجرد أن الله أمر بالحجاب عمدت النساء إلى مروطهن فشققنها فاختمرن بها كأنهن الغرابين، وجاء أيضا في هذا الشأن من كلام علمائنا رحمهم الله تعالى في أمر الحجاب ماثبت أنه صلى الله عليه وسلم لما نزلت عليه آيات الحجاب، تقول أم سلمة رضي الله عنها: خرج نساء الأنصار كأن على رؤوسهن الغربان من السكينة، وعليهن أكسية سود يلبسنها، وقد ذكر عبيدة السلماني وغيره أن نساء المؤمنين  – هذا شاهد عيان من الصدر الأول، يحكي عن التابعين الأخيار كيف حال نساء المؤمنين – كن يدنين عليهن الجلالبيب من فوق رؤوسهن حتى لايرى إلا عيونهن، من أجل رؤية الطريق، هذا هو الأمر الشرعي، وهذا الذي كانت عليه المسلمات إلى عهد قريب في سائر مدن وبلاد المسلمين، إلى أن جاء هؤلاء اللصوص قطاع الطرق ممن رضعوا لبان الغرب، كقاسم أمين، ورفاعة طهطاوي وغيرهم، ممن تحمل كبر تحرير المرأة من الحجاب، جاؤوا إلى بلاد المسلمين فنشروا السفور، وارجعوا إلى الصور القديمة في مصر مثلا أو في تركيا، إلى الصور الإرشيفية القديمة للقطات للأسواق أو للشوارع في القاهرة أو في استانبول لتجدوا صور النساء في الأسواق وفي الشوارع وهن محجبات، وهن منتقبات، هذا الذي كان عليه الحال، وكذلك في سائر مدن المسلمين، فالمرأة تتلثم وتحتجب وتستحي، هذا الذي كان عند المسلمين، إلى أن جاء الاستعمار فبدل الحال، وأخذ من أبناء المسلمين إلى جامعاته، ومعاهده، وأشربهم حب ما عليه الكفار، فرجعوا إلى بلاد المسلمين يحاربون الحجاب، و ويُسمِّي أحدهم ممن عرف بالتهجم على السنة بعض أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم بالفقه الذكوري، يدعي أنه ليس هناك شيء اسمه الحجاب بمعنى الزي خاص بالمرأة، وأنه لايوجد، وإنما المطلوب الحشمة، والحشمة للرجال والنساء، ثم أكثر من هذا، ثم يقول عن النقاب وهو أن تغطي المرأة وجهها، يخدم وسيلة من وسائل الإجرام في المدن الحضرية، لا والله، بل هو المجرم، هكذا يرمي المنتقبات بالإجرام، بأنهن يوفرن بتقيدهن بالحجاب الشرعي وسيلةً للصوص والمجرمين لاستخدام النقاب في الإجرام، هكذا يفضح الله المنافق، ويأبى الله عز وجل إلا أن يكشفه في فلتات ألسنته، (وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ) ثم يستخف هذا الدعي الكاذب، الذي كذب على الله، وكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم في دعوى أن الحجاب خاص بأمهات المؤمنين، ويذهب في هرطقة جديدة وعجيبة ليدعي بأن صلاة النساء في الصفوف الخلفية في المساجد تمييز لهن، وأنه لايصح ذلك، بل على النساء أن يصلين مع الرجال جنبا إلى جنب، ويقفن محاذيات للرجال، يريد منا هذا الدعي أن نأتي بالنساء معنا في مساجدنا، في الصفوف الأولى، ونقسم المسجد بالطول، الرجال هنا، والنساء هنا في صفوفهن، وأن هذه هي الحالة الصحيحة، وأن قضية أن النساء يقفن في الصفوف الخلفية هو تمييز ضدها، سبحان الله!! كيف لمثل هذا أن يرتقي المنبر؟ أو أن يسمع له؟ هذا الذي يريد أن يغير معالم الشريعة!! هذا الذي يريد أن يغير معالم الدين!! ويدعي أنه صاحب (مشروع أسلمة) أي مسلمة؟ هذا الذي تدعو إليه؟ تريد أن تبدل الدين وتغيره؟ وتنكر الحجاب، وتأتي بمثل هذه الفتاوى التي ما أنز ل الله بها من سلطان؟ هذا هو مشروعك السياسي؟ هذا الذي جئت لتنادي به لتغير المجتمع السوداني وتحل مشاكله؟ يريد الله أن يفضح هؤلاء وأن يبين عوارهم وكذبهم .
إن صغار المسلمين من المؤمنين والفتيات يحفظون قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (خَيْرُ صُفُوفِ الرِّجَالِ أَوَّلُهَا، وَشَرُّهَا آخِرُهَا، وَخَيْرُ صُفُوفِ النِّسَاءِ آخِرُهَا، وَشَرُّهَا أَوَّلُهَا». وقد قال النبي الله صلى الله عليه وسلم يوما للرجال بعد أن فرغ من صلاته لو تركنا هذا الباب للنساء، وأشار إلى باب في مؤخرة المسجد، يقول نافع رواي الحديث عن ابن عمر: فمادخل منه ابن عمر حتى مات، باب يشهد على هذا الفصل والتأخير لصفوف النساء، يشهد إلى يومنا هذا في المسجد النبوي المبارك، باب اسمه (باب النساء) لايدخل منه إلى يومنا هذا إلا النساء، كما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، يأتي هذا الدعي ليقول: لابد للنساء أن يقفن محاذيات كما في الحرم المكي، جهْلٌ بالشرع وجهلٌ بالواقع، بل تلبيسٌ للواقع.
إن كل من يعرف الحرم المكي يعلم أين تصلي النساء، ولكن أحسب أن هذا المسكين لايتردد كثيرا على الحرم، ولايعرف كثيرا من معالم الحرم المكي، لإن صفوف النساء في الحرم المكي معلومة، مخصصة لهن في آخر الحرم، ومن كن من النساء في صحن الطواف فمكان النساء في صحن الطواف، معلم بحاجز، وإن شئتم فارجعوا إلى فضائية القرآن الكريم عندما تقام الصلاة في الحرم المكي، لتشاهدوا أين موضع النساء، أين يصلين ويقمن الفريضة؟ هل يفعلن ذلك جنبا إلى جنب مع الرجال؟ أم أنهن في مؤخرة صحن الطواف ومن كان منهن في رواق الحرم ففي آخر الصفوف، وهكذا!! يأبى الله إلا أن يفضحه، ولماذا لايستشهد بالحرم المدني، وأين النساء في الحرم المدني، ولماذا لا يستشهد بالمسجد الأقصى، أين يصلي النساء في المسجد الأقصى؟ بل أين يصلين في سائر مساجد السودان؟ هؤلاء يشغبون بمثل هذا الكلام ليصيروا بين الفينة والأخرى زوبعة، مثل ذلك الأعرابي الذي ذهب وبال في بئر زمزم، فقيل له كيف تفعل هذا؟ ضاقت بك الدنيا فما وجدت مكانا تبول به إلا ماء زمزم؟ قال أنما أردت أن يعرفني الناس؟ وهكذا بعض الناس، يريد أن يُعرف، مجرد أن يعرف، إذا ضاقت به السياسة ودروبها، وما وجد مسربا أو مدخلا أو طريقة، أثار زوبعة هنا وهناك، في الثوابت وقضايا الأمة، من أجل أن يلتفت الناس إليه، وسيلتفت الناس إليهم لكن ليعرفوا قدرهم ومكانتهم وليعلموا مبلغهم من العلم.
إن الله تبارك وتعالى أمرنا أن نأخذ على أيدي هؤلاء وأمرنا أن نفضح من يجترئ على أصول الدين ويتجرأ على ثوابت الشريعة، ونقول لهؤلاء (يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم). إن الشعوب الإسلامية اليوم تمضي قدما إلى الاستمساك بالحق، إن الشعوب الإسلامية اليوم إنما تختار الإسلام، تختار دين الله تبارك وتعالى، الكتاب والسنة، وإن شباب الإسلام اليوم وفتيات الإسلام يلتزمون ويهتدون ويأخذون بأحكام الله تبارك وتعالى، وانظروا إلى الشوارع في تلك المدن التي كانت في الستينات والسبعينات، فيها ما فيها من التبرج السافر الصارخ، نجد اليوم عودةً حميدةً إلى الحجاب وإلى الحشمة، وإلى التمسك بدين الله عز وجل، إن هؤلاء الذين يتكلمون باسم الشعب ليلقوا مثل هذا الكلام إليهم، يفقدون ثقة الشعب فيهم، ويفتضح أمرهم عند عباد الله تعالى، العائدين إليه. أسأل الله سبحانه وتعالى أن يكبت هؤلاء وأن يصرف شرهم عن المسلمين.