د. محمد عبد الكريم الشيخ
مذياع وقصة:
قبل أيام وبينما أنا أسير من بيتي إلي الجامعة ، إذ سمعت في إحدى محطات المذياع المحلية ، حديثا يدور عن عيد ، فقلت: أي عيد هذا؟! ، فبينما أنا أستمع إذ هم يتحدثون عن الإحتفال بعيد الأم ، قلت : سبحان الله !!، كأن كل شئ قد غاب عنا من ديننا حتي بر أمهاتنا ، فاضطرننا أن نأخذ من أعدائنا هذه المناسبة ، وأن نحتفل بها ، وصدق قول النبي – صلي الله عليه وسلم – فينا : " وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَتَتَّبِعُنَّ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ شِبْرًا بِشِبْرٍ وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ وَبَاعًا فَبَاعًا حَتَّى لَوْ دَخَلُوا جُحْرَ ضَبٍّ لَدَخَلْتُمُوهُ، قَالُوا وَمَنْ هُمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَهْلُ الْكِتَابِ" ، وفي لفظ : " قلنا : يارسول الله اليهودُ والنصارى ؟ قال : فَمَنْ ؟ »، والحديث عند الشيخين وعن أبي هريرة – رضي الله عنه – : عن النبي – صلي الله عليه وسلم – قال : " «لا تقومُ الساعة حتى تأخذَ أُمَّتي مأخذ القُرونِ قَبْلَها شِبْرا بِشِبر، وَذِرَاعا بِذِرَاع، قيل له : يا رسول الله، كفَارِسَ والروم ؟ قال : مَنِ الناسُ إلا أولئك ؟» " ومعنى أخذ القرون أن نمشي علي سيرتهم ، وأن نتابع جهلهم وابتداعهم وزندقتهم في عقائدهم ومناهجهم وأخلاقهم وهيئاتهم ، إذ أن الأمة بين أن تأخذ بعادات الشرقيين كفارس ، أو أن تأخذ بعادات الضالين من الغربيين النصاري كالروم .
تسمية عيد الأم:
إنّ هذا العيد الذي يتحدثون عنه قد سموه بعيد الأم وهو يوم ابتدعه النصارى كما زعموا تكريماً للأم ، فصار يوماً معظماً عندهم ، يصل فيه القاطعون لأرحامهم بل لأمهاتهم في بيوتهن أو قل في دور العجزة حيث يقبعن هناك من غير راع ، يتقدمون إليهم بالهدايا والرسائل الرقيقة وربما هي رسائل مكتوبة كذلك، يشترونها من محلات الهدايا ليتقدموا بها إلي الأمهات اللائي يتمنين الموت ولا يردن الحياة .
أعياد مخالفة للشرع:
إنّ اقتباس الأعياد من أعدائنا أمر مشاهد في مناسبات كثيرة ، فلا يكاد يمر علينا وقت قصير إلا ونفاجأ بأعياد كعيد الشجرة ، وعيد العمال ، وعيد الأوطان ، وعيد الحب وغير ذلك مما ابتدعناه، مع أنه ليس في ديننا إلا عيدان سنويان : الفطر ، والأضحي ، وفي أسبوعنا عيد واحد هو عيد الجمعة ، يقول ابن عابدين : " سُمِّيَ الْعِيدُ بِهَذَا الِاسْمِ لِأَنَّ لِلَّهِ تَعَالَى فِيهِ عَوَائِدَ الْإِحْسَانِ – أَيْ أَنْوَاعَ الْإِحْسَانِ – الْعَائِدَةَ عَلَى عِبَادِهِ فِي كُلِّ عَامٍ" ، ويقول ابن تيمية في اقتضاء الصراط المستقيم : " العيد اسم لما يعود من الإجتماع علي وجه معتاد ، عائد إما بعود السنة أو بعود الأسبوع أو الشهر أو نحو ذلك " .
إنّ هذه الأعياد التي ألقاها إلينا أعداؤنا تخالف العيد المشروع عندنا ، كما قال نبينا – عليه الصلاة والسلام – : " إِنَّ لِكُلِّ قَوْمٍ عِيدًا، وَهَذَا عِيدُنَا " ، إذن الأمم تتميز بأعيادها ، وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ كَانَ لأَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ يَوْمَانِ فِى كُلِّ سَنَةٍ يَلْعَبُونَ فِيهِمَا فَلَمَّا قَدِمَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم الْمَدِينَةَ قَالَ « كَانَ لَكُمْ يَوْمَانِ تَلْعَبُونَ فِيهِمَا وَقَدْ أَبْدَلَكُمُ اللَّهُ بِهِمَا خَيْراً مِنْهُمَا يَوْمَ الْفِطْرِ وَيَوْمَ الأَضْحَى » ، والحديث عند أبي داود والنسائي بسند صحيح .
بر الوالدين على الدوام:
إنّ الله أمرنا ببر الوالدين عموماً ، وببر الأم خصوصاً قال تعالى: "وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ " ، وكلنا يحفظ الحديث الذي عند الشيخين حين جاء رجل إلي النبي – عليه الصلاة والسلام – ، فقال : من أَحَقُّ النَّاسِ بِحُسْنِ صَحَابَتِي قَالَ أُمُّكَ قَالَ ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ ثُمَّ أُمُّكَ، قَالَ ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ ثُمَّ أُمُّكَ، قَالَ ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ ثُمَّ أَبُوكَ " ، يقول ابن بطال في شرح هذا الحديث والتعليق عليه : مقتضاه أن يكون للأم ثلاثة أمثال ما للأب من البر فالأم لها النصيب الأوفى من حسن الصحابة ، وذلك لصعوبة الحمل ثم الوضع ثم الرضاع فهذه تنفرد بها الأم وتشقي بها ، ثم تشارك الأب في التربية .
إنّ الله تعالي أمرنا ببر الأم ، بل وجعل الجنة تحت قدميها ، كما قال – عليه الصلاة والسلام – لرجل يستأذنه في الغزو قال : « ألك أم ؟ » قال : نعم ، قال : « فالزمها ، فإن الجنة تحت رجليها أو قدميها » ، أي : الجنة هناك في برها والإحسان إليها ، أبعد كل هذا نحن بحاجة إلي عيد في السنة نعود فيه أمهاتنا .
العقوق في الغرب:
إنّ الذي ينظر في أحوال الغرب وطريقة تعاملهم مع أمهاتهم ، يجد العقوق من الأم والأب أولاً، ثم من الابن والبنت ثانياً ، وكما تدين تدان ، إنّ الابن عندهم إذا بلغ ثمانية عشر عاماً يخرج من الدار ويطرد من أجل أن يبحث عن كسب عيش ، ويتعود الناس هناك علي قطيعة الأرحام ، فتمضي السنوات تلو السنوات ولا يرى ربما كثير منهم أباه أو أمه ، وإذا أصبح الأب أو الأم طاعناً في السن فإنه يؤخذ إلي دور العجزة هنالك ، ليعيش وحيداً ، وكم أجريت من استطلاعات ولقاءات تحدث فيها العجزة عن أنهم ينتظرون شيئا واحداً ويتمنونه بفارغ الصبر ألا وهو الموت .
قال بعضهم : قلّ أن تجد أسرة متكاملة يصل أفرادها بعضهم بعضاً ، فضلاً عن لقاءات تحدث بينهم ، وفضلاً عن اجتماع دائم ، وكما قال بعض الذين زاروا تلك البلاد وعايشوا أهلها : إنك قد تجد في الأسواق أو الطرقات أماً وابنها أو ابنتها ، أو أباً وابنه وابنته ، لكنه من النادر أن تجد الأسرة كاملة تمشي في الطرقات .
الاختلاف في تحديد يوم عيد الأم عندهم:
إنّ هذا هو حال أولئك ، إنهم يحتفلون بهذا العيد في السنة في أوقات محددة ، النرويجيون مثلاً يقيمون ذلك في يوم الأحد الثاني من فبراير ، الأرجنتينيون في يوم الأحد الثاني من أكتوبر ، وفي لبنان يكون اليوم الأول من فصل الربيع ، وفي جنوب أفريقيا تحتفل به يوم الأحد الأول من مايو ، أما في فرنسا فيكون الاحتفال في يوم الأحد الأخير من مايو ، حيث يجتمع أفراد الأسرة للعشاء معاً ، ثم تقدم كيكة الأم ، وفي السويد أيضاً في يوم الأحد الأخير من مايو ، وقبلها بأيام يقوم الصليب الأحمر ببيع وردات صغيرة من البلاستك تقدم حصيلتها للأمهات ، وفي اليابان يكون الإحتفال في يوم الأحد الثاني من مايو مثل أمريكا الشمالية ، وفيها يتم عرض صور رسمها أطفال بين السادسة والرابعة عشر من عمرهم وتدخل ضمن معرض متجول يحمل اسم أمه ، إذن ما السر في مسألة ارتباط هذا العيد بالأحد ؟ ولماذا الأحد عندهم ؟ ستعرف ذلك بعد قليل .
أصل عيد الأم:
يزعم المؤرخون عندهم أنّ عيد الأم هذا كان قد بدأ عند الإغريق الوثنيين في احتفلات عيد الربيع ، وكانت هذه الاحتفلات مهداة إلي الإلهة الأم – ريا – هم يعبدون آلهة وثنية ، فكانت عندهم إلهة أو إلها اسمها – ريا – زوجة كرونس – الإله الأب ، وفي روما القديمة كان هناك احتفال مشابه لهذه الاحتفالات كان لعبادة أو لتبجيل – سيبي – أم أخرى للآلهة وقد بدأت الأخيرة حوالي 250 سنة قبل ميلاد المسيح عليه السلام ، هذه الاحتفالات الدينية عند الرومان كانت تسمي – هيلاريا – وتستمر لثلاثة أيام من 15 – 18 مارس ، وتجدد هذا الأمر في يوم الأحد عند النصارى ، فهو شبيه بعيد الأم الحالية ، وتكريم – سيبي – الرومانية ، وفي عام ألف وستمائة بدأ الشباب والشابات ذوو الحرف البسيطة والخدام علي الطريقة الكنسية يوقرون ويبجلون مريم البتول بدلاً من الإلهة التي كانوا يبجلونها ، النصارى تأثروا بالرومانيين في كل شئ حتى في وثنيتهم ، فبدلاً من التوحيد أخذوا عنهم التثليث ، وبدلاً من عبادة يوم السبت أخذوا عبادة يوم الشمس – sun day – الذي هو يوم الأحد ، لأن الرومانيين كانوا يقدسون يوم الأحد ، وبدلاً من الأم الإله اتخذوا مريم الإله ، فإن طوائف منهم يعبدون مريم علي أنها أم الإله ، إذن بدأ بعد ذلك الشبان والشابات بتعظيم الأم مريم ، ثم قالوا : لماذا لا نعظم أمهاتنا ؟ فاتخذوا عيد الأم في ذلك اليوم ، ولكن متي بدأ هذا الإحتفال عالمياً ، وتبنته الأمم الكافرة وفرضته علي المسلمين ؟
عيد الأم في الولايات المتحدة:
في الولايات المتحدة ، صاحبة فكرة مشروع عيد الأم امرأة اسمها – آنا جارفس – هذه هي التي لم تتزوج قط ، وكانت شديدة الإرتباط بوالدتها ، وكانت ابنة للدير وتدرس في مدرسة الأحد التابعة للكنيسة النظامية – آندرو – في غرب فرجينيا ، هذه قامت بمسألة، وهي أنها كانت تصل أمها ، وبدأت في حملة واسعة النطاق شملت رجال الأعمال والوزراء ورجال الكونغرس الأمريكي لإعلان يوم عيد الأم عطلةً رسميةً ، وكان لديها شعور أن الأطفال لا يقدرون ما تفعله الأمهات – هذا في مجتمهم هم – قامت الكنيسة بتكريم هذه الآنسة ، ثم بعد ذلك في العاشر من مايو عام ألف وتسعمائة وثمانية كانت بداية الإحتفالات بعيد الأم في أمريكا ، ووضعوا القرنفل مع ورود والدتها المفضلة ، وخصوصاً الأبيض ، ثم بعد ذلك بدأوا يضعون هذه الأشياء رمزاً علي الهدية في عيد الأم ، وأول إعلان عن عيد الأم كان في أمريكا ، كان غرب فرجينيا ، عام ألف وتسعمائة وعشرة ، كانت قد احتفلت أمريكا بذلك اليوم ، ثم انتقلت الاحتفالات بالغزو الأمريكي ، انتقلت إلي المكسيك ، وكندا ، والصين ، واليابان ، وأمريكا اللاتينية ، واختي يوم الأحد لأنها كانت من كنيسة الأحد تكريماً لتلك الكنيسة ، ولأن الأحد مرتبط بعيد الإله الأم ، وبعيد أيضا ً عبادة مريم ، والإحتفاء بها في يوم الأحد من تلك السنة .
تسلل عيد الأم للمسلمين:
كيف وصل ذلك العيد إلينا ؟ ذهب إلي أمريكا صحفي – والناس يعدونه من المفكرين في عصر الإغراب والانهزامية الثقافية – هذا الصحفي هو مصطفي أمين وله أخ آخر هو علي أمين ، اللذان أسسا دار أخبار اليوم الصحفية في مصر ، كتب مصطفي أمين كتابا أسماه أمريكا الضاحكة – وليته سماها بدلاً من أمريكا الضاحكة بأمريكا الكافرة ، أو أمريكا القاتلة ، أو أمريكا الضائعة ، أو أمريكا الفاسقة – لكن انظروا كيف ينظر مثل هؤلاء إلي أعدائنا ، قال في فصل اسمه الأعياد في أمريكا: ومن الأعياد الجميلة في أمريكا يوم الأم ويوم الأب ، وفي هذين اليومين لا تعطل دواوين الحكومة ، ولا تقفل المدارس أبوابها ، ولا تطلق المدافع ، وإنما اختير للأم يوم يذكرها فيها أبناؤها ، فيقدم كل ولد لأمه هدية صغيرة ، مهما كانت تافهة، فهي دليل علي أنه يحس نحوها بعاطفة الحب والتقدير ، فتشعر الأم التي تشقى لأولادها أن لها يومًا … إلخ كلامه ، ثم قال: وكم تمنى أن تنقل هذه العادة إلي بلدنا؛ "نقلاً من كتاب أمريكا الضاحكة لمصطفي أمين"، نفس الانهزامية لطه حسين عندما كان في فرنسا ورأى مرة مسرحية – وهو الذي لا يبصر؛ سبحان الله !! – وإذا في المسرحية فتاة تخلع ثيابها ، وتصبح عارية ، فقال في بعض كتبه : كم تمنيت أن مثل هذه الظاهرة تنتقل إلى مصر ، لتعبر عن هذه الحضارة ، نفس النفسية التي انطلق بها المنهزمون من بلادنا إلي بلاد الكفر ، فتمنى أن يكون هناك يوم يخصص ليحتفل فيه جميع الآباء والأبناء بآبائهم وأمهاتهم ، ففي يوم 26 يونيو من كل عام يحتفل كل فرد في الدولة بأمِّه ، ويكتفي بأن يقدم لها منديلا ً ، أو صورة ، أو شيئا ً تافها ً فهو عيد عاطفي .
فماذا فعل مصطفي أمين حتي يحتال لجلب هذا العيد إلي بلاد المسلمين ويتسني له نقل هذه البدعة – عيد الأم – من الغرب الكافر إلي بلادنا ، قام بحيلة هو وأخوه علي أمين ، أورد أخوه علي أمين في صحيفتهما – أخبار اليوم المصرية – أن رسالة جاءته من أم تشكو له جفاء أولادها ، ووسوء معاملتهم لها ، وتتألم من نكرانهم للجميل – وهل كان هذا إلا بسبب ثقافة أبنائنا علي موائد الكافرين ، وهل كان هذا إلا بسبب عيش النمط الغربي في بيوتنا – قال : وتصادف أن زارت إحدى الأمهات مصطفي أمين في مكتبه وحكت له قصتها التي تتلخص في أنها ترملت وأولادها صغار ، فلم تتزوج وأوقفت حياتها علي أولادها ، وتشكو عقوق الولد لها ، وحانت الفرصة وربما كان المرسل هو أو غيره من أصحابه ، وربما لم تكن هناك أصلا ً أم قد زارته ، ثم كتب مصطفي أمين وعلي أمين في عمودهما الشهير [فكرة] ، يقترحان تخصيص يوم للأم يكون بمثابة تذكرة بفضلها ، أما كان الأولى به لو أن الرسالة قد أتته ، أن يذكر ذلك العاق بحقوق الأم في الإسلام ، أن يتحدث عن بر الأم في دين الله تعالي وفي الإسلام ، وأن الأم ينبغي برها في كل يوم بدلا ًمن أن يقول يوما ً في السنة ، وما يفعل هذا اليوم في السنة لأطفال عقوا أمهاتهم ؟ وأشار إلي أن الغرب – وهذا هو الشاهد والدافع – أن الغرب يفعلون ذلك ، وكأن الغرب هو الإمام وهو المصدر لعاداتنا وتقاليدنا وإلي أن الإسلام يحض علي الاهتمام بالأم ، ناسيا ً أوجاهلا ً أن هذا فعل مردود عليه ، لقول نبينا – عليه الصلاة والسلام – : " من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد " ، وقال : " من عمل عملا ً ليس عليه أمرنا فهو رد " ، والأعياد من أمر الله ، والأعياد من أمر الدين والشريعة ، وقال – عليه الصلاة والسلام – : " إن أصدق الحديث كتاب الله ، وخير الهدي هدي محمد – صلى الله عليه وسلم – ، وشر الأمور محدثاتها " ، ثم يقال لهذا الكاتب أو غيره ، هل أنت خير من النبي – صلي الله عليه وسلم – حتي تأتي بما لم يأت به – عليه الصلاة والسلام – ؟؟ .
تخصيص يوم لعيد الأم بدعة منكرة:
ومما لا شك فيه أن تخصيص ذلك اليوم أو العيد بدعة منكرة يأثم فاعلها ، بعدها بمقالات انهالت الخطابات ، أو كما قال : انهالت عليّ الخطابات لتشييع الفكرة واقترح البعض أن يخصص أسبوع للأم ، ورفض آخرون الفكرة ، ولكن أغلبية القراء – كالعادة – وافقوا علي فكرة تخصيص يوم واحد ، وشارك القراء جميعا بالإجماع -علي طريقتهم في الحرية والرأي الآخر- وافقوا جميعاً في اختيار يوم الحادي والعشرين من مارس ليكون عيداً للأم ، وهو نفس التاريخ الذي عند الغربيين ، وهو أول أيام فصل الربيع ، ليكون ذلك رمزا ً للتفتح ، والصفاء ، والمشاعر الجميلة ، واحتفلت مصر بأول عيد أم ، سنة ألف وتسعمائة وستة وخمسين ، واحتفل الجميع، ومن لم يفعل كأنه مجنون وسط الناس ، ومتخلف ، لأنه لم يواكب الغربيين ، ولم يسر سيرهم ، ومن مصر خرجت الفكرة إلي البلاد العربية الأخري ، واقترح البعض في وقت من الأوقات تسمية عيد الأم بعيد الأسرة ، ليكون تكريما ً للأب حتي لا يغضب الأب من أجل تكريم الأم وحدها ، طبعا ً هذه مسألة موجودة عند الغربيين الآن بسبب أن الأب أخذ يغار من الأم التي يبرها الأولاد ليوم في السنة ، وكذلك أيضا ً اعتبر الناس ذلك انتقاصًا من حق الأم ، أو أن أصحاب فكرة عيد الأسرة يستكثرون علي الأم يوما ً يخصص لها وتحتفل البلاد العربية – للأسف – بهذا اليوم من خلال أجهزة الإعلام المختلفة ، وقد لا نكون في بلدنا ممن يحتفي في ذلك اليوم علي مستوي الأسر ، لأننا نمج ذلك ، ونعتبره ضربا ً من توافه الأمور التي لا ينشغل بها الإنسان الجاد ، ولكن وسائل الإعلام للأسف تأبي إلا أن تسير علي توصيات المنظمات الدولية ، أو المنظمات العربية في الإحتفاء بمثل هذا اليوم .
لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق:
لا عجب أن يحتفل النصارى بأي عيد ، وإنما العجب أن نحتفل نحن المسلمين – الذين أمرنا الله ببر الوالدين علي الدوام – أن نحتفل بمثل هذا ، يقول ابن تيمية رحمه الله تعالي : " وبعض حكم ما شرع الله تعالي لرسوله من مباينة الكفار ومخالفتهم في عامة الأمور ، لتكون المخالفة أحسم لمادة الشر ، وأبعد عن الوقوع فيما وقع فيه الناس"، فينبغي للمسلم إذا طلب منه أهله وأولاده شيئا ً من ذلك ، أن يحيلهم إلى ما عند الله ورسوله – إذا طلبت النساء شيئًا أن نحيله إلى ما عند الله ورسوله – ويقضي لهم في عيد الله من الحقوق ما يقطع استشرافهم إلي غيره ، فإن لم يرضوا فلا حول ولا قوة إلا بالله ، ومن أغضب أهله لله ، أرضاه الله وأرضاهم ، فليحذر العاقل من طاعة النساء في ذلك ، وفي الصحيحين عن أسامة بن زيد قال : قال – عليه الصلاة والسلام – : " ما تركت بعدي فتنة أضر علي الرجال من النساء" ، وسئل شيخنا فضيلة الشيخ محمد الصالح العثيمين عن الاحتفال بما يسمي بعيد الأم ، فأجاب : " إنّ كل الأعياد التي تخالف الأعياد الشرعية كلها أعياد بدع حادثة ، لم تكن معروفة في عهد السلف الصالح ، وربما يكون منشؤها من غير المسلمين أيضاً ، فيكون فيها مع البدعة مشابهة أعداء الله – سبحانه وتعالى – والأعياد الشرعية معروفة عند أهل الإسلام وهي عيد الفطر وعيد الأضحي وعيد الأسبوع يوم الجمعة ، وليس في الإسلام أعياد سوى هذه الأعياد ، وكل أعياد أحدثت سوى ذلك فإنها مردودة علي محدثيها ، وباطلة في شريعة الله – سبحانه – لقول النبي – عليه الصلاة والسلام – : " من أحدث في أمرنا هذا ما ليس فيه فهو رد " ، أي مردود عليه غير مقبول عند الله ، وفي لفظ : " من عمل عملا ً ليس عليه أمرنا فهو رد " ، وإذا تبين ذلك فإنه لا يجوز في العيد الذي ذكر في السؤال ، والمسمي – عيد الأم – لا يجوز فيه إحداث شئ من شعائر العيد ، كإظهار الفرح والسرور وتقديم الهدايا وما أشبه ذلك ، والواجب علي المسلم أن يعتز بدينه ويفتخر به ، وأن يقتصر علي ما حده الله تعالي لعباده فلا يزيد فيه ولا ينقص منه ، وأن لا يكون إمعة يتبع كل ناعق ، بل ينبغي أن يكون شخصيته بمقتضي شريعة الله تعالي ، حتى يكون متبوعا ً لا تابعا ً ، وحتى يكون أسوة لا متأسيا ً ، لأن شريعة الله والحمد لله كاملة من جميع الوجوه ، كما قال تعالي : " الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ " ، والأم أعظم حقًا من أن يحتفي بها يوما ً واحدا ً في السنة ، بل إن لها على أولادها حق الرعاية والعناية ، وأن يقوموا علي طاعتها في غير معصية الله عز وجل ، في كل مكان وزمان .