المشرف العام الشيخ الدكتور

محمد عبدالكريم الشيخ

البترول من منحة إلى محنة

البترول من منحة إلى محنة

يبدو أن الرئيس السوداني المشير عمر البشير يعني ما يقول عندما هدد أثناء مخاطبته الحشد المحتفل بتحرير منطقة أبوكرشولة من قبضة المتمردين بساحة وزارة الدفاع بالخرطوم، بإغلاق خط الأنابيب الناقل لنفط جنوب السودان عبر الأراضي السودانية احتجاجاً على ما اسماه دعم جوبا للحركات المتمردة.

إذ لم تمضي أيام قليلة على ذلك الحدث حتى أعلنها البشير ومن الريف الشمالي للعاصمة أثناء حشد جماهيري بأنه قد اتخذ قراراً بإغلاق أنبوب النفط ووجه وزير النفط د. عوض الجاز الذي كان إلى جواره بتنفيذ القرار.

الرئيس عمر البشير الذي كان يتحدث وعلامات الغضب تكسو ملامح وجهه قال: " إنه كان حريصاً على إقامة حسن جوار مع دولة الجنوب الوليدة إلاّ أنّ الأخيرة لم تكون جادة في ذلك بالرغم من اتفاقيات التعاون التي وقعت بين الطرفين بالعاصمة الإثيوبية أديس أبابا.

فعمدت حكومة الجنوب إلى دعم ما تسمى الجبهة الثورية لوجستياً، وأكد أنه لن يمر بترولاً عبر السودان لكي تدعم به الحركات في إشارة إلى الحركة الشعبية شمال السودان وحركات دارفور المتمردة.

القرار أحدث غضباً عارماً في الشارع الجنوبي الذي لطالما حرم من الاستفادة من نفط بلاده؛ الذي تعتمد عليه الدولة في موازنتها بشكل كامل، أما السودانيون فلم يكن الوقع عليهم قوياً لجهة أن خروج عائدات البترول أصبح أمراً عادياً بعد أن مرت الأشهر الماضية دون دخول أية أموال بترولية إلى خزينة الدولة.

ليصبح تساؤل الكثيرين ما هي بدائل الحكومة بعد أن اتخذت الخطوة؟ وهل الحرب قد عادت مع الجنوب مرة أخرى؟

خطورة القرار جعلت وزير الإعلام السوداني يسارع لعقد مؤتمر صحفي صبيحة إعلان الرئيس إغلاق أنابيب النفط، حيث أبان فيه أن عملية الإغلاق لا تتم بين ليلة وضحاها، وإنّما فى غضون 60 يوماً حتى تتم المعالجة، ويتم تلافي الأضرار البيئية والخسائر في البنى التحتية.

إلاّ إن هذه الجزئية أعطت إشارة للداخل والخارج بأن هنالك إمكانية للتراجع عن الموضوع خلال الفترة المحددة، وهو الأمر الذي أكده الوزير ذاته عندما قال: " إنه لا يوجد مانع من استئناف العلاقات بين البلدين إذا كانت دولة الجنوب حريصة على ذلك، ووجدت ضمانات دولية للتأكد من عدم دعم جنوب السودان للحركات الشمالية المتمردة ".

رئيس المخابرات السودانية الفريق محمد عطا هو الآخر حرص على الظهور مبكراً في الساحة لتعزيز قناعات الشعب السوداني بدعم جوبا للمتمردين مادياً ولوجستياً، إذ شارك وزير الإعلام المؤتمر الصحفي.

وقدّم ما عنده من أدلة على تورط الدولة الوليدة، مبيناً أنّ الجبهة الثورية المتمردة تأسست في جنوب السودان، وأن الجيش الشعبي مازال يمد التمرد الشمالي بالسلاح والسيارات، بالإضافة إلى الوقود، وقطع غيار السيارات.

وتابع إن مالك عقار رئيس الجبهة والحركة الشعبية موجود الآن بمنطقة داخل الجنوب، وأن جرحى العمليات من الحركات المتمردة تم إخلاؤهم إلى المستشفيات بالمدن الجنوبية.

المجتمع الدولي ممثلاً في الأمم المتحدة أبدى قلقه من التطورات التي حدثت، وطالب الحكومتين باحترام الاتفاقيات التي تم توقيعها، خاصة وأنها أتت كنتيجة لقرار من مجلس الأمن الدولى بالرقم 2046.

فيما تحركت عدة دول للتوسط بين الجارتين أبرزهما جيبوتي وأثيوبيا، هذا بجانب الحراك الذي يقوده الوسيط الإفريقي ثامبيو أمبيكي رئيس الآلية الإفريقية الرفيعة التي توسطت بين الجانبين حتى تم إنجاز اتفاقيات التعاون التسع التي علقت بتعليق إتفاقية النفط.

الشعب السوداني بات تسيطر عليه الحيرة فهو لم يكد يخرج من أزمة إرتفاع أسعار السلع عقب الانفصال حتى تكررت عليه الأزمة مرة أخرى بهذا الإجراء الذي سيوقف ما كنت تنتظره الخزينة من دعم مادي، بعد أن ضعفت عائدات الموارد غير البترولية مثل الزراعة التي لم تنجح بكل مشاريعها والمعادن كالذهب الذي يشتريه بنك السودان بماله ويدفع فيه مقابل.

تبعات قرار إغلاق أنابيب النفط تظهر في الساحة الاقتصادية مباشرة في إرتفاع سعر العملات الأجنبية مقابل العملة المحلية التي انخفضت عن ما كانت عليه قبل أيام القرار.

مما يعنى أن الحال إذا استمر على هذه الوتيرة سيكون هنالك إرتفاعاً جنونياً في أسعار السلع الاستهلاكية وكذلك في التضخم.