"الحكومة السودانية قبلت مقترح رئيس جنوب إفريقيا السابق ثامبو إمبيكي لحل مشكلة النفط بين السودان ودولة جنوب السودان"، هكذ صرح الناطق الرسمي باسم وزارة الخارجية السودانية لوسائل الإعلام، لتكون بذلك قد انطوت صفحة أزمة كادت أن تعصف باقتصاد البلدين وتعيدهما إلى مربع الحرب. تلك الأزمة التي نشبت عندما أعلن الرئيس السوداني عمر البشير خلال مخاطبته […]
"الحكومة السودانية قبلت مقترح رئيس جنوب إفريقيا السابق ثامبو إمبيكي لحل مشكلة النفط بين السودان ودولة جنوب السودان"، هكذ صرح الناطق الرسمي باسم وزارة الخارجية السودانية لوسائل الإعلام، لتكون بذلك قد انطوت صفحة أزمة كادت أن تعصف باقتصاد البلدين وتعيدهما إلى مربع الحرب.
تلك الأزمة التي نشبت عندما أعلن الرئيس السوداني عمر البشير خلال مخاطبته حشد جماهيري إغلاق خط الأنابيب الناقل لنفط جنوب السوداني إلى مواني التصدير، احتجاجاً على ما اسماه دعم جوبا لمتمردي الجبهة الثورية عامة؛ والحركة الشعبية شمال السودان بشكل خاص.
خطوة الحكومة السودانية التي تمثلت في اتخاذ قرار الإغلاق أوصلت رسالة إلى المجتمع المحلي، والإقليمي، بجانب الدولي أن أمن السودان واستقراره خط أحمر، وأن قيادة الدولة مستعدة للتضحية بالمصالح الاقتصادية إذا تعارضت مع طمأنينة المواطن والوطن.
وإن كانت الخطوة قاسية وأحدثت نوعاً من الهلع وسط المواطنين الذين أرهبهم ارتفاع الدولار الذي نتج بسبب القرار، ولكن أدركت غالبية الأوساط أن قرار السلطات لم يأتِ من فراغ، وإنّما كان نتيجة تخوفات حقيقية.
وزارة النفط السودانية التي وجهها الرئيس عمر البشير بتنفيذ القرار تعاملت بحكمة مع القضية لادراكها أن القضية طال الزمن أو قصر فإن سبيلها هو الحل، فاستفادت من فترة الـ 60 يوماً والتي تعارف عليها الناس في مثل هذه الظروف لإيقاف ضخ النفط، فلم تغلق الأنبوب؛ وجعلت البترول ينساب إلى وجهته دون عوائق.
وهو الأمر الذي أمده د. عوض الجاز وزير النفط للمبعوث الصيني لإفريقيا الذي يزور الخرطوم حالياً للاطلاع على حيثيات الأزمة بين السودان ودولة جنوب السودان.
قرار الخرطوم بقبول مقترحات إمبيكي جاء مشروطاً بتنفيذ جوبا لمقترحات الوسيط الإفريقي خلال هذا الشهر، وقبيل انقضاء فترة الستين يوماً المحددة للإغلاق، لتبقى قضية ضمانات التزام جنوب السودان بعدم دعم الحركات المتمردة هي المحور في الوقت الحالي باعتبارها مفتاح العلاقات بين الجانبين.
وهذا أمر يحتاج إلى وسائل جديدة أكثر فاعلية لفشل التعهدات السابقة من رئيس جنوب السودان التي استمر بعدها الدعم والإيواء للمتمردين في ولايتي جنوب كردفان، والنيل الأزرق وفقاً لما صرح به مدير جهاز الأمن والمخابرات السوداني.
وبمثل ما وجد قرار إغلاق النفط سخطاً في الشارع الجنوبي والشمالى حظيت موافقة الحكومة السودانية بمقترحات ثامبو إمبيكى بترحيب وارتياح واسع كذلك.
ومن المتوقع أن تشهد الساعات القادمة إرتفاعاً في قيمة الجنيه السوداني، مقابل العملات الأجنبية خاصة الدولار، ولو بشكل طفيف وهو ما سينعكس على أسعار السلع التي بدأت في الارتفاع في وقت انطلق فيه العام الدراسي في كثير من الولايات، وبات فيه شهر رمضان الكريم قاب قوسين أو أدنى.
الحركات المسلحة المكونة للجبهة الثورية سُرّت غاية السرور بتوتر العلاقات بين السودان ودولة جنوب السودان، وكانت تمنى نفسها بأن تصل الأزمة مرحلة القتال لكى تجد لها موطئ قدم في الأراضي الجنوبية.
إلاّ أن ارهاصات عودة العلاقات واستئناف واستمرار تدفق النفط سيجعل المتمردين يلجاؤون إلى أساليب أخرى للحفاظ على زخم التوتر بين الدولتين، وبما أن الجبهة الثورية بقيادة الحركة الشعبية افتعلت من الصراعات ما جعل الخرطوم تتهم نظيرتها بالضلوع فيها؛ فليس من المستبعد أن تشهد الساعات القادمة أحداثاً مماثلة لتأزيم الأوضاع.
الخطوة السودانية ربما تكون قد أعطت سلفاكير رئيس دولة الجنوب غطاء للضغط على المناصرين للحركة الشعبية شمال السودان، سيما أنصار ما يسمى (السودان الجديد) لكي يتوقفوا عن تقديم الدعم لـ "مالك عقار" رئيس الحركة والحركات الدارفورية.
وأصبح قرار حكومة السودان حجة قوية لسلفا يوجهها لداعمي الجبهة الثورية مفادها أن دعم التمرد الشمالي ثمنه وقف الاقتصاد الجنوبي وتدميره.
ولكن هذه الحجة وهذا الغطاء مواجه بتحدى كبير وهو أن دعم الحركة الشعبية شمال السودان ربما محل إجماع في أوساط العسكريين في الجنوب الذين يرون في عقار والحلو شركاء أصيلين في انفصال جنوب السودان.
وأن أي عداء لهم أو قطيعة لن تكون محل ترحيب من أحد مهما علا شأنه، ليبقى الخيار جنوباً و شمالاً هو الوصول إلى تسوية مع التمرد.