أبوبكر يوسف المشرف
هنالك ألقاب كثيرة يكثر دورانها في حلقات العلم لاسيما في مجال العلم الشرعي وذلك مثل المقرئ ، الراوي، المسند، طالب الحديث ،المحدث، الحجة،الحافظ، ،كما أنّ هنالك ألقاب جرى استخدامها في مجال التربية الاسلامية ومن ذلك الشيخ ، المؤدب المعلم المدرس والمربي ، وسأبين – بحول الله تعالى وقوته- أهمية العناية بالمؤدبين في مجال تربية النشء حتى نصل بابنائنا إلى المستوى المنشود من التعليم والأدب؛ فحاجتنا إلى الأدب في هذا الزمان أعظم، في وقت استطال فيه الصغير على الكبير والتلميذ على معلمه،وكما يلحظ المرء أنّ كثيرا من أصحاب المكانات السامقة في العلم والتجارات والمسئوليات الكبيرة ربما مكث زمان غير قصير بعيدا من أولاده وعندما تلحظ منه انتباهة إليهم يجدهم قد فلتوا من يده لاسيما في هذا العصر الذي كثرت فيه المغريات وطفحت الشهوات مطلة برأسها كالسيل الجارف تأخذ كل من كان في طريقها إن لم يتدارك المرء رحمة من ربه،ومن هذا المنطلق أحببت أن أسلط الضوء على مدرس خصوصي من نوع خاص لا لتعليم العلوم التطبيقية ولكن ليشرف على تربية الولد وتقويم أخلاقه ولسانه ليكونوا مؤهلين لقيادة الأمم والشعوب فيفتح الله على أيديهم من الخير على هذه الأمة ما يكون فيه السنا والرفعة والتمكين لها، وما ذلك على الله بعزيز
المؤدب مشتقة من الأدب ويسمى الرجل مؤدباً (1)لأَنه يَأْدِبُ الناسَ إِلـى الـمَـحامِد، ويَنْهاهم عن الـمقَابح.
المؤدب هو معلم ومربي للنشئ ولكنه من نوع خاص حيث أنه يعلم أولاد الأمراء والملوك وأصحاب الأموال لذا من البدهي أن يكون من أكثر الناس علماً وكفاءة وهو ما يشبه في هذا الزمان ما يعرف بالمدرس الخصوصي، ولكن المدرس الخصوصي في هذا الوقت يعتني في الغالب بتربية الطفل على مواد أكاديمية معينة ليتقوى أما في القديم فكانت تربية كاملة لهؤلاء الأولاد حتى يصلوا الى درجات كبيرة في سلم التعليم ويكونوا مؤهلين لقيادة الناس والاماة فيهم ،قال الابراشي (2)))المؤدب هو مدرس خاص يقوم بتعليم طفل أو أكثر من أبناء العظماء والخلفاء . وتأديبه وتثقيفه في بيته أو قصره ، ويشترك الأب مع المؤدب في اختيار المواد التي يدرسها الابن ويستمر المتعلم في دراسته حتى يصل الى المستوى المنشود من التعليم)).
وكان الآباء من الخلفاء يحترمون المؤدبين لأبنائهم ويعنون بهم عناية كبيرة فيخصصون لهم جناحا خاصا من قصورهم يقضون فيه مع أولاد الخلفاء وقتا طويلا، قال الإبراشي (3)(ولكي يشرف المؤدب على تلميذه من الأمراء اشرافاً تاماً كان يخصص له جناح في قصر الأمير ليعيش فيه ويتناول طعامه وشرابه وينام فيه وكان المؤدب يعطي تلميذه أربع ساعات أو أكثر كل يوم من وقته ويمكث معه سنوات يقضيها في تعليمه وتهذيبه ).
قال عبد الملك لمؤدب أولاده وهو إسماعيل بن عبيد الله بن أبي المهاجر (5) ( علمهم الصدق كما تعلمهم القرآن، وجنبهم السفلة فإنهم أسوأ الناس رغبة في الخير وأقلهم أدباً، وجنبهم الحشم فإنهم لهم مفسدة، واحف
شعورهم تغلظ رقابهم، وأطعمهم اللحم يقووا، وعلمهم الشعر يمجدوا وينجدوا، ومرهم أن يستاكوا عرضاً، ويمصوا الماء مصاً، ولا يعبوا عباً، وإذا احتجت أن تتناولهم فتناولهم بأدب فليكن ذلك في سر لا يعلم بهم أحد من الغاشية فيهونوا عليهم).
أوصى عبد المللك بن مروان أمير المؤمنين في زمانه مؤدب ولده بجملة وصاية وخطة عامة يسير على منوالها ، تدل على حصافة هذا الملك ورغبته في تعلم ولده الخير والعلم النافع والتجمل بالصفات الحميدة كالصدق وتعلم القرآن الكريم وآداب العامة في الطعام والشراب وتقوية الناحية اللغوية عنده بحفظ الأشعار ، والعقوبة بالسر إن احتاج لذلك للمحافظة على مكانته حتى لا تقل منزلته عند الناس فيحتقرونه فيما بعد .
وصية عتبة عبد الصمد مؤدّب ولده:
فقال(1)( ليكن أوّل إصلاحك بنيّ إصلاح نفسك،فأنّ عيوبهم معقودة بعيبك، فالحسن عندهم ما فعلت، والقبيح ما تركت، علّمهم كتاب الله ولا تملّهم فيكرهوا، ولا تدعهم منه فيهجروا، وروّهم من الحديث أشرفه، ومن الشعر أعفّه، ولا تخرجهم من باب من العلم إلى غيره حتى يحكموه، فإن إزدحام الكلام في السمع مضلّة للفهم تهدّدهم بي، وأدّبهم دوني، وكن لهم كالطبيب الرفيق الذي لا يعجلُ بالدواء حتى يعرف الداء، وامنعهم من محادثة النساء، وأشغلهم بسير الحكماء) فأوصى مؤدب ولده بجملة نصائح واضحة في تعبيرها حيث أوصاه بإصلاح نفسه قبل اصلاح الآخرين وتعليمهم كتاب الله وإحكام العلم واتقانه قبل الانتقال الى باب آخر من فنون العلم .
______________________