علي صالح طمبل
قال الأب لذلك الشاب الذي تقدم لخطبة ابنته :
سأسألك سؤالاً واحداً؛ إن أجبت عنه، فسوف أزوجك ابنتي، ولن أطلب منك شيئاً.
فقال الشاب الذي دهش لهذا السؤال الذي سيجعله يتزوج دون الحاجة إلى أن يكلِّف نفسه مالاً أو متاعًا :
وما هو هذا السؤال ؟!
في أي وقت تحين صلاة الصبح ؟
فارتبك الشاب، ولم يحر جواباً !
كان السؤال على بساطته صعب الإجابة بالنسبة إليه؛ فقد كان من الذين ينامون عن صلاة الصبح، فلا يصلونها حتى تشرق الشمس؛ فكانت النتيجة أن خسر تلك الزيجة!
في أغلب الأحيان تكون الأسئلة التي تُطرح على الشباب الذين يتقدمون للزواج من شاكلة: ما هي قبيلتك؟ أين تعمل؟ أين ستسكن؟ هل لديك بيت مِلْك أم ستؤجر؟ أين تعرفت عليها؟ هل أنت جاهز لتحمُّل الزواج والقيام بمسؤولياته؟ (يعنون النواحي المادية في المقام الأول(
وتغيب أسئلة مثل: هل تداوم على الصلوات الخمس في المسجد؟ كم جزءاً تحفظ من القرآن الكريم؟ إلى من تستمع من العلماء والمشايخ؟
هناك من يزوِّج لابنته دون أن يسأل عن المتقدِّم للزواج من النواحي الخُلُقية، فيكفي أنه من أسرة عريقة، ووضعه المادي يسمح له بفتح بيت، ولكن مثل هذا البيت الواهي – الذي يفوق في ضعفه بيت العنكبوت – سرعان ما تسوده المشكلات والخلافات، التي قد تصل إلى حد الشتم والضرب والإهانة؛ وكل ذلك مبعثها ضعف الوازع الديني لدى الزوج الذي يجهل واجباته الزوجية، ويسيئ معاملة الزوجة، ولا يخشى الله في مسؤوليته تجاه بيته، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( والرجل راع على أهل بيته، والمرأة راعية على بيت زوجها )) رواه البخاري برقم 1996
فتكون النهاية في مثل هذه الحالة أن تتحول الحياة الزوجية من (سكن) و(مودة) و(رحمة) كما وصفها القرآن الكريم إلى سلسلة من الخلافات والمشادات المتكررة التي تنتهي في الغالب بفض عقد الزوجية؛ ودوننا الإحصاءات التي تبيِّن أن نسبة الطلاق قد تصل زهاء 40% من حالات الزواج، بل في بعض المجتمعات قد تصل النسبة إلى 50%.
ويشكل سوء الاختيار أحد أهم الأسباب التي تؤدي إلى الطلاق، إلى جانب الأسباب الأخرى، مثل غياب الوازع الديني، والجهل بالحقوق والواجبات الزوجية من كلا الزوجين أو أحدهما، وغير ذلك من الأسباب. وقد تكون هذه الأسباب نتيجة طبيعية وحتمية وبديهية لسوء الاختيار.
فكم من شابة استعجل أهلها في تزويجها دون أن يدققوا السؤال عن المتقدم لها، فيعرفوا: هل هو على قدر من التدين أم لا؟ وما هي أخلاقه وسمعته بين الناس، ومن يصاحب؟ إلى غير ذلك من الأسئلة المهمة، فتكتشف الزوجة المسكينة بعد فوات الأوان أن زوجها لا يصلي، أو يتهاون في أمر الصلاة، أو يعاقر الخمر، أو يصاحب أصدقاء السوء، أو له علاقات مشبوهة مع النساء، أو يشاهد الأفلام والصور الإباحية، أو سيء الخلق، أو له هذه الصفات مجتمعة أو بعضها!
وفي المقابل، يتزوج بعض الشباب وقد بنوا اختيارهم على أساس الجمال، أو على شرف ورفعة الأسرة التي تنتمي إليها الزوجة، أو على أساس ثرائها. وهنا، تستحيل – في كثير من الأحيان – نعمة الجمال إلى نقمة حين يكتشف الشاب أن زوجته سيئة الخلق، وتنقلب منحة الشرف والرفعة إلى محنة حين يفاجأ بأن زوجته تفرِّط في واجباتها الزوجية ولا تضع له اعتباراً ! وتتبدل مَزِيَّة الثراء إلى رَزِيَّة حين يجد أن زوجنه هشة التدين، فلا تقيم وزناً لصلاة ولا صيام!
إنّ الإسلام قد منحنا المعايير المثلى التي تختار بها الأسرة المتقدِّم للزواج بابنتها، ويختار بها الشاب شريكة حياته، فوضَّح للأسرة أن المعيار الحقيقي هو الدين والخلق، فالدين يمثل علاقة الإنسان بربه، والخلق يمثل علاقته بالناس، قال رسول صلى الله عليه وسلم: (( إذا أتاكم من ترضون خلقه ودينه فزوجوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض )) رواه الترمذي برقم (ا/201)، وحسنه الألباني في السلسلة الصحيحة برقم (1022)..
كما وضع الإسلام المعايير التي يختار بها الزوج زوجته، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( تُنكح المرأة لأربع: لمالها، ولحسبها، ولجمالها، ولدينها؛ فاظفر بذات الدين تربت يداك )) متفق عليه.
إن رباط الزوجية هو رباط قوي وميثاق غليظ، فينبغي أن تُراعى حقوقه وواجباته من الزوج والزوجة على السواء؛ حتى تستقر الحياة الزوجية، فتؤتي أكلها الذي ينعم به المجتمع أمناً، واستقراراً، وطمأنينة.