علاء الدين عبد الماجد
زوجةٌ كريمةٌ فاضلةٌ جميلةٌ هي أم المؤمنين زينب بنت جحش رضي الله عنها تحكي أمنّا عائشة في شأن زواجها من رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فتقول بينما هو جالس عندي يحدثني إذ أخذت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) غيمة ثم سري عنه وهو يتبسم وهو يقول: من يذهب إلى زينب يبشرها أن الله عز وجل زوجنيها من السماء وتلا قوله تعالى: (فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْلَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا)، قالت عائشة رضي الله عنها فأخذني ما قرب وما بعد لما كان بلغني من (جمالها)، وأخرى هي أعظم الأمور وأشرفها ما صنع الله لها زوجها الله عز وجل من السماء وقالت عائشة هي تفخر علينا بهذا ..
هنئياً لأم المؤمنين هذه التزكية من الله تعالى على دينها، -كيف لا وهي زوج خير البرية-، وزادت مع دينها جمالها، قال (صلى الله عليه وسلم): ((تنكح المرأة لأربع لمالها ولحسبها ولجمالها ولدينها فاظفر بذات الدين تربت يداك)) رواه البخاري ومسلم ورواه أصحاب السنن إذ من عادة الناس أن يرغبوا في المرأة ويختاروها لإحدى خصال وهي: الجمال والمال والحسب والدين، وفي ختامه ((فاظفر بذات الدين تربت يداك)) حث بآكد وجه، فأمر بالظفر بذات الدين الذي هو غاية البغية، ومنتهى الاختيار والطلب. وإذا انضاف إلى الدين الجمال وغيره من الصفات المذكورة فحسن. وانبه هنا أنّ مقياس الجمال عند الرجل يختلف عنه عند المرأة، فالرجل يهتم بشكل المرأة وجاذبيتها، ويسحره جمال وجهها ورقة صوتها وكمال أنوثتها، أما المرأة فالجمال عندها في الرجل أن تشاهده رجلاً، تستطيع أن تعتمد عليه وتشعر عند الاقتران به أنه أهل لحمايتها، وتلمس الأمن عنده، فهذا هو الجمال في عين المرأة. مع الأخذ في الاعتبار أخلاقها التي تعاشر بها ورأس أخلاقها (الود)، ((تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم الأمم)) رواه أبوداود والنسائي ..
ربَمَا يعتمد البعض في بحثهم عن شريك حياتهم، فيضعون قوائم بالصفات (الجسدية، والعقلية، والنفسية) التي يريدون توافرها في الشريك المنتظر، وتبدأ (رحلة البحث) عن شخص تتوافر فيه كل هذه الصفات أو معظم هذه الصفات، ويحدث أحياناً أن يلتقي هؤلاء بأشخاص تتوافر فيهم معظم الصفات التي يريدونها، ومع ذلك لا يشعرون بميل نحوهم، وبالمقابل قد يلتقون بأشخاص يتوافر فيهم القليل من هذه الصفات ومع ذلك يشعرون نحوهم بميل كبير، هنا قد يؤثر البعض أن يكونوا عقلانياً وألاّ تتدخل المشاعر في هذا القرار الخطير، وخلاصة الأمر عندي يجب ألاّ نختار شريك حياتنا بأستخدام الذكاء فقط أو العاطفة فقط، وانما بأستخدام الذكاء والعاطفة معاً، أو ما يتعارف عليه بـ (الذكاء العاطفي) فبجناحي الذكاء والعاطفة أو بجناحي العقل والقلب يكون الاختيار الموفق، وقبل كل ذلك لابد من طلب معونة الله سبحانه، لأن قلب الإنسان يفكر فيما يريد، والله يهدي خطوات كل شخص يطلب معونته ومدده. هذا هو التوجيه النبوي للرجل في اختيار زوجه ..
اختيار (المرأة) وأهلها لمن يجئ إليهم خاطباً مبني على الوصية الجامعة المانعة في قوله (صلى الله عليه وسلم): ((إذا خطب إليكم من (ترضون دينه وخلقه فزوجوه)، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض)) رواه الترمذي والحديث اختلف في صحته وحسنه الألباني، تأمل معي ((من ترضون)) أنتم.. أنتم ((من ترضون دينه وخلقه))، هذا أول ما يعير الانتباه، أنه لم يقل ((من جاءكم مرضي الدين والخلق فزوجوه)) يمكن النظر إليه من زواتين، الأولى يمكن أن يقال أن أنماط التدين ثلاثة تدين معرفي يُعنى حامله بقيم ومعاني الإسلام على أن تكون فيه المعرفة منشأة للعمل، وتدين سلوكي، وتدين انفعالي، ومدى وقوة التدين معياره ما القرب والبعد من كمال التدين النبوي. والتدين في معيار بعض الناس قد يقتصر –على الجانب المظهري– وإن كان مطلوباً -كالمحافظ على الصلوات في المسجد، وقراءة القرآن وغيرها من القربات، إلاّ أن الحياة الزوجية تحتاج إلى صفات أخرى مهم جداً أخذ اعتبارها من الأخلاق سيما الصدق والكرم، والمسؤولية، .. الخ.. فالنظر إلى الخاطب بـ (النظرة الشمولية). وفيه لفتة بارعة أن الدين والخلق هو الجمال في عين المرأة وهذه مسألة جوهرية بين الرجل والمرأة ((إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه…))، والثانية (ترضون) جاءت بصيغة الجمع، هذه فيه لفته وإشارة إلى أن الزواج (مشروع مشترك) بين الأب والأم والخطبيبة والخطيب وأهل الخطيب، هذه منظومة يتبادل فيها الأطراف الرضا المتبادل عن الخلق والدين، هي (مصاهرة) هي أنصهار فلابد أن تهيء بالدرجة الكاملة من الرضا، إن هذه العلاقة أبدية تمتد إلى الآخرة، (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُم مِّنْ عَمَلِهِم مِّن شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ .. (
ءَآلْآنَ وقد تأملنا هذا التوجية النبوي الدقيق فعطف الخلق على الدين (ترضون دينه وخلقه)، لأن الزوجة عشرتها مع زوجها بأخلاقه، فالدين مبناه على حسن علاقته بالله بالتقوى، وحسن علاقتك بالناس بحسن الخلق قال معاذ رضي الله عنه يا رسول الله، أوصني قال: ((اتق الله حيثما كنت، أو أينما كنت، وأتبع السيئة الحسنة تمحها، خالق الناس بخلق حسن)). وإن ما تتطلع إليه المرأة هو ذاك الرجل الرقيق القوي في تعامله معها، رقيق يطربها بكلماته الدافئة، ولكنه قوي الشخصية وواثق من نفسه، فهي تحب الرجل الذي يشعرها برجولته وأنوثتها في آن واحد فاحفظ هذه السر ..