المشرف العام الشيخ الدكتور

محمد عبدالكريم الشيخ

ما الذي كان يُقلق أم مريم عليها السلام؟

ما الذي كان يُقلق أم مريم عليها السلام؟

أليست الفروق الجسدية واضحة بين الذكر والأنثى؟

أليس الله بأعلم منّا بجنس المولود قبل أن يكون حتى؟

إذن فما الذي جعل أم مريم، زوجة عمران، عليهم السلام جميعاً، تقول حين وضعتها: (ربِّ إني وضعتها أنثى وليس الذكر كالأنثى؟) وإلامَ كانت ترمي؟

يُروى في التفاسير أنّ امرأة عمران اشتهت الولد، فلما حملت نذرت أن تهب مولودها القادم لخدمة بيت المقدس، راجية أن يكون ذكراً (إِذْ قَالَتِ امْرَأَتُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي ۖ إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ).

ولكن تشاء إرادة العلّام أن تضعها أنثى؛ الشيء الذي يجعل مخاوف وقلقاً (حميداً) يملآن قلب أمها، عبّرت عنها ضمنياً في دعاء ومناجاة مشحونة بالرجاء وإحساس الأمومة.

فها هي تبدأ مناجاتها بـ (ربِّ إني وضعتها أنثى).

ويتضح هنا أنها لا تريد إخبار الله بنوع مولودها، فالله أعلم بما وضعت كما في الآية، ولكن كأنها أرادت الإشارة إلى:

"أن خدمة بيت المقدس، التي نذرت لها مولودها، تليق بالذكور إذ يترتب عليها تبعات مثل المبيت والمشقة وهي أمور يُخشى على الإناث منها".

ولعل مخاوفها تتضح أكثر في قولها: (وليس الذكر كالأنثى).

وقد أوفت أم مريم بنذرها ووهبتها لخدمة بيت المقدس وأسمت مولودتها مريم، أي الخادمة }لبيت المقدس{: (وإني سميتها مريم).

وجانب آخر من القلق الاجتماعي التربوي (الحميد) يتبدّى، فكأنها تؤكد على حساسية خاصة لجنس مولودتها (الأنثى)، التي هي ليست (كالذكر)، والتي تحتاج منها عناية خاصة وترجوا لها السيرة الحسنة عندما تكبر.

وكأنها تسأل المولى أن يعينها على أن تُنَشِّء مولودتها تنشئة صالحة ولا تكون نشازاً.

ولذا كانت خاتمة دعائها: (وإني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم): من أن يمسها سوء وهي تخدم بيت المقدس، ومن أن تشذ وهي ابنة آل عمران الصالحون.

فهي من آل عمران الصالحين الأتقياء، والصالحون يخشون أن يُمسّ عرضهم بسوء أو ينشأ بينهم غيرُ صالح من ذرياتهم.

وقد استجاب الله دعائها.

قلق ورجاء أم مريم هو قلق ورجاء كل الأمهات الصالحات، ودعاؤها يجب أن يكون دعاؤهن، ودعاء جميع الأمهات والآباء، لعل الله ينشئهن نشأة حسنة.

ومن شاء فليطلع على الآيات 33-37 من سورة آل عمران: (إنَّ اللّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ 33 ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ 34 إِذْ قَالَتِ امْرَأَةُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ 35 فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنثَى وَاللّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنثَى وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وِإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ 36 فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِندَهَا رِزْقاً قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِندِ اللّهِ إنَّ اللّهَ يَرْزُقُ مَن يَشَاء بِغَيْرِ حِسَابٍ 37