المشرف العام الشيخ الدكتور

محمد عبدالكريم الشيخ

عقبات في سبيل إعفاف الشباب

عقبات في سبيل إعفاف الشباب

الشباب فترة عامرة بالعطاء؛ إذ أنها تشكل دوراً رئيسياً في تقدم الشعوب والأمم.

إذ تمثل قلبها النابض بالحياة، وفترة الخصوبة وتفجير الطاقات، ولا تنهض أمة من الأمم إلا على اكتاف شبابها، فهذا هو النبي صلى الله عليه وسلم: نصره الشباب حين خذله الشيوخ.

والأمة الاسلامية تحظى بقدر كبير من فئات الشباب مقارنة بالدول الغربية وغيرها.

ولهذا أدرك أعداء الإسلام ذلك، فكان الغزو الفكري موجها نحو الشباب، لطمس هويته، وانفصامه عن أمته، واقصائه عن جادته، لكي تضرب الأمة في خاصرتها، فتآمر حولها المتآمرون لرميها  بقوس واحد، ليقعدوا بها في مؤخرة الأمم.

ومن تلك المؤتمرات مؤتمر سيداو الذى يعتبر أخطر المؤتمرات، وأحد معاول الهدم للقضاء على كل المثل والأخلاق كما قال الشاعر :

وَإِنَّمَا الأُمَمُ الأَخْلاقُ مَا بَقِيَتْ     فَإِنْ هُمُ ذَهَبَتْ أَخْلاقُهُمْ ذَهَبُوا

وتعتبر الأسرة لبنة هذه الأمة ونواتها التي تتكون بالزواج، ولدورها العظيم في تعزيز المجتمع وتقويته.

نجد أن الشيطان وحزبه حريصين كل الحرص علي تفكك الأسرة، وتمزيق شملها والحيلولة دون قيامها على شرع الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم.

ومع تطور وسائل الغزو الفكري والثقافي التى تعمل منذ أمد بعيد وتحت مسميات مختلفة، نتج عنها كثير من الأفكار المشوهة، والعادات الدخيلة على مجتمعاتنا.

فأصبحت هنالك كثير من العقبات التي تواجه الشاب المسلم وتحول دونه ودون العفاف، مع وجود كثير من دواعي الفاحشة والرذيلة، ووجود كميات هائلة من وسائل التهيج والاثارة الجنسية، التي تدمر القيم والأخلاق.

وتعتبر أشد فتكاً وتدميراً من أسلحة الدمار الشامل، إذ تقوم بطمس الهوية والفكر، فيصبح الشاب ذئباً بشرياً، يأكل كل ما يجد، حتى ولو كانت هذه الفريسة طفلة صغيرة لا تشتهى، أو كانت من إحدى محارمه (بما يعرف بزنا المحارم والعياذ بالله).

فكان لا بد من دراسة هذه العقبات والاعتراف بها وتشخيص أسبابها التي أدت إلى ذئبنة كثير من الشباب وصبغتهم بصبغة بهيمية، ثم لا بد من ايجاد حل ناجع لها.

وأن تواجه مثل هذه المعارك بالدعوة إلى الفضيلة والقيم والأخلاق والمثل؛ فالمسؤولية جماعية فكل له دوره في التغيير، البيت والأسرة والمجتمع والمؤسسات التربوية والتعليمية والمنظمات والمؤسسات الخيرية والإعلام والدعاة والمفكرين.  

يجب أن توضع دراسات وخطط استراتيجية تستهدف اعفاف الشباب واحصانه، كيف لا وقد أصبحت الرذيلة تهدد المجتمع واستقراره، حيث ارتفعت  وتزايدت اعداد الأبناء اللقطاء، ففي اليوم الواحد يوجد اكثر من  24 طفلاً غير شرعي في عاصمة البلاد فضلاً عن الولايات، أي بمعدل طفل كل ساعة.

وقبل هذه العقبات هنالك سؤال افتراضي لكل شاب: لماذا لم تتزوج حتى الآن؟

تجد الاجابات كالآتي:

1-  لم أكمل تعليمي بعد.

2-   لم أجد وظيفة مناسبة أو مرتب مغري.

3-  ليس من أولوياتي الآن الزواج.

4-  مازلت صغيراً لتحمل مثل هذه المسؤولية، أوهذه مسؤولية كبيرة. 

وغيرها من الاجابات  فبعضها حقيقي، ولكن ليست أسبابا رئيسية، أو واقعية أو يمكن أن نتفادها:

واليكم بعض هذه العقبات الكبيرة:

العقبة الأولى:

ضعف الوازع الديني: وضعف الثقة بالله لدي الشاب أولاً، وكذلك معظم المجتمع الذي أصبح لا يؤمن إلا بالماديات فقط.

فتجد الشاب لديه وظيفة جيدة تمكنه من أن يعول أسرة كاملة ولكن بسبب ضعف ثقته بالله وخوفه من الفقر يتهيب الإقبال على الزواج، ينسى وعد ربه، متذكراً وعد الشيطان كما قال الله تعالى: (الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء والله يعدكم مغفرة منه وفضلاً).

وينسى قوله تعالى (وانكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وامائكم  إن يكون فقراء يغنهم الله من فضله)، وقول النبي: (ثَلَاثَةٌ حَقٌّ عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ عَوْنُهُمْ: الْمُكَاتَبُ الَّذِي يُرِيدُ الْأَدَاءَ، وَالنَّاكِحُ الَّذِي يُرِيدُ الْعَفَافَ، وَالْمُجَاهِدُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ).

وهذا الشاب لو اقتنع بهذه النصوص  تجد اسرته أو اسرة الزوجة لا تقتنع بهذا، مما يشكل عقبة في طريق احصان نفسه. 

العقبة الثانية:

غلاء المهور: والمبالغة في تكاليف مراسم الزواج، وما يصاحب ذلك من طقوس وعادات والحفلات الغنائية، فلا بد لمن يرد أن يتزوج أن يمتلك كذا وكذا.

 فهذه كلها عقبات في طريق احصان الشباب؛ فلا بد من التنازل عن بعض العادات التى لا داعى لها، والتى تخالف السنة النبوية والهدي النبوي الشريف ففيه نجد التبسيط في أمر الزواج.

فقد زوج النبي صلى الله عليه وسلم ابنته سيدة نساء هذه الأمة بدرع فقط.

وزوج النبي رجلاً بما معه من القرآن، كما ثبت في الحديث الصحيح: (جَاءَتِ امْرَأَةٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَتْ: إِنِّي وَهَبْتُ مِنْ نَفْسِي، فَقَامَتْ طَوِيلًا، فَقَالَ رَجُلٌ: زَوِّجْنِيهَا إِنْ لَمْ تَكُنْ لَكَ بِهَا حَاجَةٌ، قَالَ: هَلْ عِنْدَكَ مِنْ شَيْءٍ تُصْدِقُهَا؟ قَالَ: مَا عِنْدِي إِلَّا إِزَارِي، فَقَالَ: إِنْ أَعْطَيْتَهَا إِيَّاهُ جَلَسْتَ لاَ إِزَارَ لَكَ، فَالْتَمِسْ شَيْئًا» فَقَالَ: مَا أَجِدُ شَيْئًا، فَقَالَ: التَمِسْ وَلَوْ خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ فَلَمْ يَجِدْ، فَقَالَ: أَمَعَكَ مِنَ القُرْآنِ شَيْءٌ؟ قَالَ: نَعَمْ، سُورَةُ كَذَا، وَسُورَةُ كَذَا، لِسُوَرٍ سَمَّاهَا، فَقَالَ: قَدْ زَوَّجْنَاكَهَا بِمَا مَعَكَ مِنَ القُرْآنِ).

ولربما قال قائل زمن النبي صلى الله عليه وسلم لم تكن الحياة معقدة كحياتنا اليوم؟

نعم صحيح لكن التبسيط في الزواج مطلوب (أكثرهن بركة أقلهن مهراً) الحديث، فالعِرض لا يباع بثمن، لمن يعرف قيمته، لذا لا بد لمن ارد العفة لابنته أن يبسط زواجها قبل أن تقع كارثة فتدمر سمعته، وينتهك عرضه، ويلحقه العار في الدنيا والآخرة.

العقبة الثالثة:

البطالة: تشكل عقبة كبيرة أمام كثير من الشباب، وهي عقبة حقيقية، لا بد للمجتمع من تداركها، والسعي الجاد لإيجاد حل لها.

ولكن هنالك مفهوم خاطئ في أذهان كثير من الشباب، فلا يبحث عن وظيفة أوعمل إلا اذا كان ذلك العمل ضمن تخصصه،أو في مجال دراسته، فإن لم يجد جلس واكتفى، قائلاً: بحثت فلم أجد؛ أولم أجد ما يناسبني من العمل !! وغيرها من المبررات.

وكان بامكانه أن يبحث بحثاً شاملاً في كل المجالات المتاحة، فاذا توفرت له فرصة ضمن تخصصه فهذا المطلوب، وإن لم تتوفر بحث خارج دائرة اختصاصه، ولربما وجد عملاً آخر ليس في تخصصه كان باب غنى له وسعادة.

العقبة الرابعة:

الضريبة الأسرية: تشكل كثير من الأسر عقبة في طريق احصان ابنائهم، بدوافع مختلفة، وحجج واهية، منها على سبيل المثال الضريبة الأسرية. 

فيجب على الشاب بعد تخرجه ووظيفته أن يدفع ضريبة لأسرته، مقابل  التربية رغم عدم حاجة  بعض الأسر لذلك واستقرار حالتها المادية.

بل لا تنظر هذه الأسرة لابنها بنظرة الشفقة والرحمة والخوف من وقوعه في الفاحشة، فيخدم هذا الشاب لسنوات عديدة  من أجل حاجيات الأسرة. والتي غالباً ما تكون من الكماليات، وليست من الأساسيات حتى يتقدم به العمر وتقل شهوته.

بعدما أهدر سنوات شبابه يدافع رغباته وتنازعه نفسه الأمارة بالسوء إلا ما رحم ربي، مما يفوت عليه فرصة عظيمة يمكن أن يغتنمها في استثمار حياته.

العقبة الخامسة:

هاجس الدراسة: تشكل الدارسة هاجساً لدى كثير من الشباب، رغم إمكانية التوفيق بين الدراسة والزواج في كثير من الحالات.

وأما بالنسبة للفتيات فللدراسة أولوية تقدم على الزواج، فترفض كثير من الأسر زواج بناتهن بحجة إكمال تعليهمن، غير مدركين خطورة الأمر؟

ودون النظر إلى مصيرهن ومآلهن؟ فربما يطول بإحداهن انتظارها لشريك العمر، فتصبح عانساً تعاني الأمرّين، إما أن تكون خادمة في البيت أو خارجه (أقصد موظفة أوعاملة).

فتسبب كثيراً من المشاكل في البيت أو في مكان العمل؛ واذا تقدم بها العمر لا تجد من يقف بجانبها من أب أو أخ فتندم حين لا ينفع الندم، وتتمنى أن لو انجبت ابناً واحداً  يقف معها ويخدمها ولكن هيهات هيهات!

العقبة السادسة:

الزنا العرفي: أوزنا المتعة، ويسمونه زواجاً ترغيباً فيه، ولكنه في حقيقة الأمر هو عين الزنى.

وهو من نتاج الغزو الفكري والثقافي، مما أدى لانتشاره وسط الشباب، حيث تدعو له بعض الهيئات والمؤسسات الشيعية.

 وأما في بعض الداخليات والمساكن الطلابية فحدث ولا حرج من انتشار السحاق واللواط وغيرها من المنكرات،  فلو علم رب الأسرة ما يجري فيها لأسرع بتزويج ابنه أو ابنته.

العقبة السابعة:

الاختلاط: وهو منتشر في معظم مرافق الحياة ومستوياتها من دور التربية من جامعات ومعاهد وغيرها، رغم وضوح أدلة تحريمه، فهي اكثر من أن تحصي.

ومنها قول النبي صلى الله عليه وسلم: (( مَا تَرَكْتُ فِتْنَةً عَلَى أُمَّتِي  أَضَرَّ عَلَى الرِّجَالِ مِنَ النِّسَاءِ ))، فلا يجوز الاختلاط حتى ولو كان من أجل العبادة؛ ففي الصلاة قال النبي صلى الله عليه وسلم: (( خَيْرُ صُفُوفِ الرِّجَالِ أَوَّلُهَا، وَشَرُّهَا آخِرُهَا، وَخَيْرُ صُفُوفِ النِّسَاءِ آخِرُهَا، وَشَرُّهَا أَوَّلُهَا )) مسلم ج 1 ص326 ح 440

والاختلاط يؤدي إلى الوقوع في ما لا يحمد عقباه ويؤدي الى شر مستطير يصير عائقا أمام احصان الشباب وإعفافهم.

العقبة الثامنة:

انتشار الأفلام الساقطة: من أفلام الحب والمسلسلات التركية التى تعكس صورة خيالية وهمية للزوجة المثالية في أذهان الشباب، فيبحث عنها فلا يجدها فيزهد في بقية النساء، أو يمارس الحب المحرم باسم الخطوبة والزواج.

وأخطر من ذلك انتشار الافلام الاباحية التى ربما اذا شاهدها الشاب مارس العادة  السرية أو غيرها من الفواحش مما يطفئ شهوته بالحرام، فيجانب طريق العفة والفضيلة.

العقبة التاسعة:

المخدرات: وتقف المخدرات في طريق احصان الشباب، فهي تدمر الشباب أخلاقياً ومادياً، وتؤدي بهم فى نهاية المطاف إلى الاجرام والإدمان فيتجمد الفكر ويتبلد الإحساس ويغرق الشاب في غيّه.

خاتمة:

العقبات كثيرة، والموضوع كبير، والنظرة إليه بجانب واحد لا تكفي، فلا بد من تضافر الجهود.

مستصحبين بذلك فئات الشباب القابضين على الجمر، الذين لم تتلوث أدمغتهم بهذه الحملات والغزوات الفكرية.

ولله الحمد هم كثر، وان كان الموضوع لم يستوفِ حقه، وانما هي دعوة لدارسة مثل هذه الظاهرة، ودعوة لتحصين الشباب وحمايتهم، دعوة للفضيلة والعفاف والطهر والنقاء وبناء الأمة، وتوثيق أواصرها، لتسير في مقدمة الأمم والركب.

والله أسأل أن يعيد لأمتنا مجدها الآفل، وان يحفظ شبابها من كل سوء. 

ولا ننسى وصية النبي صلى الله عليه وسلم : (( يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ، مَنِ اسْتَطَاعَ البَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ، فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ )) البخاري ج7 ص3 ح 5066