المشرف العام الشيخ الدكتور

محمد عبدالكريم الشيخ

الصحافة الرسالية؛ ملامحها وسبل تفعيلها

الصحافة الرسالية؛ ملامحها وسبل تفعيلها

      في إطار البرامج التدريبية التي تنظمها صحيفة المحرر لرفع القدرات الصحفية وتعميق الرسالة الإسلامية للصحفيين والكتاب والمحررين وغيرهم من العاملين في الحقل الإعلامي، استضافت الشيخ الدكتور محمد عبد الكريم في محاضرة حول الإعلام الرسالي، وهذا اتجاه يحمد لصحيفة المحرر وفرصة ثمينة لإنتاج صحفيين متميزين في جميع الجوانب بحسب الأستاذ حسن محمد زين رئيس التحرير.
وتتعاظم الحاجة لمثل هذه البرامج لوجود أعداد كبيرة من الصحفيين والمشتغلين بالإعلام عموما، ورغم خبراتهم الطويلة ومهنيتهم العالية وقدراتهم التعبيرية الفائقة إلا أنهم يعانون خللا بنيويا رهيبا أثر سلبا ليس على مسيرتهم الصحفية والإعلامية فحسب بل أثر على مسيرة الصحافة والإعلام والفكر العربي والإسلامي بعامة.

 

ملامح الصحافة الرسالية:
هناك ملامح عديدة تميز الصحافة الإسلامية أشار إليها بعض الباحثين المهتمين بالشأن الصحفي الإسلامي، منها:

 

قوة الصحافة الإسلامية أنها تتميز بملامح هويتها وتمسكها باستقلاليتها:
فهي لا تخضع لسلطة الأنظمة الحاكمة وإنما تخضع لسلطة التشريع، فالصحافة الإسلامية تعتمد في أصولها على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه  وسلم والتزامها منهج سلف الأمة من العلماء السابقين وأتباعهم من الدعاة المعاصرين، فهذه قوة، فكل صحافة تستمد قوتها وصلاحيتها وبقاءها وتستمد أيضا دعمها المالي والمعنوي من الأنظمة فسوف تتهاوى كما تتهاوى هذه الأنظمة ، أما التي تستمد قوتها من هذا الدين فإنها ستبقى كما بقي هذا الدين رغم كل التحديات والمخاطر التي تواجهه، {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ} التوبة 33، وهذا المعنى يؤكد أن الصحفي الإسلامي ملتزم وهو يمارس عمله المهني ويقدم الفنون الصحفية.

 

قوتها من وضوح أهدافها:
وتحصر الصحافة الإسلامية أهداف قيامها بهدفين رئيسيين:
الأول: عرض الاسلام وتبليغه؛ فالصحافة الإسلامية وسيلة من وسائل الدعوة بل هي الأسلوب المتطور منها، وهي من أهم وسائل التبليغ والاتصال مع الآخرين على اختلافهم في هذا العصر، وهي تقوم بتزويد الجماهير بحقائق الدين الإسلامي ونقل الأخبار والوقائع والمعلومات بصورة صحيحة ومنضبطة داخل الأمة الإسلامية وخارجها على شكل صحيفة أو مجلة مستوعبة الفنون الصحفية.
والثاني: الإقناع بما تقدمه؛ فهي لا تكتفي بمجرد العرض والتقديم وإنما تقنع الاخرين بقضاياها وتؤثر في المقابل وإلا كانت مجرد جدال وترف فكري وإعلامي.

 

اعتمادها النظام المؤسسي الجماعي وابتعادها عن الشخصانية والفردية:
فالإسلام علمنا النظام والعمل الجماعي وحذرنا الفردية والشخصانية، وكلما كانت أعمالنا مبنية على أسس النظام المؤسساتي كلما كانت أقرب إلى النجاح والثبات والديمومة والاستمرارية، على أننا لا ننكر أهمية وفاعلية وجود قيادة إعلامية إسلامية مؤثرة على رأس المؤسسة الإعلامية؛ ومن يطالع تاريخ الصحافة الإسلامية يجد أن أول من تولى إصدار مطبوعاتها هم العلماء والدعاة الكبار، ويبقى التجديد والتطوير والإبداع والاستمرارية، ولا تكون إلا بالعمل المؤسساتي، كما أنه يجنبها الأفكار الارتجالية والقرارات الفردية وعدم التخطيط، ومن المفرح أننا لا نجد فقط مؤسسات إعلامية وإنما قامت هذه المؤسسات  بانشاء مؤسسة أكبر تضمهم، ليتكامل عملهم في أداء رسالتهم الإعلامية الإسلامية.

 

صحافة مكفولة حريتها ولكنها مسؤولة:
فالإسلام احترم حرية التعبير، ولكي لا تكون مطلقة فتصبح فوضوية فقد ضبطها بالمسؤولية، وهي إما ذاتية؛ مرجعها الالتزام الديني للصحفي أو مسؤولية اجتماعية؛ تدعو إلى احترام القيم والحفاظ على هوية المجتمع، أو مسؤولية قضائية؛ إن تخطى الصحفي كل ذلك فهنالك حريات للآخرين لا يجوز تجاهلها، كما أن هذه المسؤوليات وضعت لحماية الصحفي نفسه فهو إنسان يعتريه ما يعتري الإنسان وقد تضعف نفسه فيستغل مهنته لتحقيق مصالح شخصية أو التجاوز على الآخرين بغير وجه حق.

 

لأنها أصبحت صحافة تخصصية:
فلم تبق صحافة عامة وإنما واكبت التوسع والتخصص الدقيق في المعارف والعلوم الإسلامية، ويمكن أن نؤشر إلى تخصصين للصحافة الإسلامية:
تخصص فئوي: يخاطب فئة معينة من أبناء المجتمع، فنجد صحافة للمرأة، وأخرى للفتيات، وثالثة للأسرة، وأخرى للطفل المسلم.
تخصص معرفي: حيث تختص بأحد حقول المعرفة أو العلوم الإسلامية، فهنالك الصحافة السياسية، وصحافة الأدب الإسلامي، وصحافة في الاقتصاد، أو الإعجاز، أو التربية، أو الفكر والثقافة وهكذا، بل إنها وفي خضم التحديات الكبيرة التي تواجه عالمنا الإسلامي وأخطرها تحدي الاحتلال العسكري للعراق، وقبله فلسطين، ولبنان، والجولان، وأفغانستان، والشيشان، وغيرها، ظهرت لنا صحافة المقاومة الجهادية، وقد سجلت حضورًا متميزًا وخاصة في مجال الصحافة الإلكترونية، مما حدى بوزير الدفاع الأمريكي الذي انتهى تاريخه على المقصلة السياسية التي دفعته اليها المقاومة العراقية، إلى الاعتراف والإقرار بان الإعلام الجهادي في العراق تفوق على الإعلام الأمريكي، بما يمتلكه هذا الإعلام من دعم كبير سياسي ومعلوماتي ومالي.
فالتخصص جانب من جوانب القوة في الصحافة الاسلامية .

 

لها خصائصها ولكنها اتصالية مع الصحافة الاخرى:
للصحافة الإسلامية خصائص تميزها عن غيرها من الصحافات، و هذه الخصائص جمعت بين مفهومين؛ مفهوم الصحافة، ومفهوم الإسلام، فلا نُغَلِّب مقتضيات أحد المفهومين على حساب الآخر، لذا فهي صحافة عقائدية ملتزمة، ولها رسالة علنية وجريئة، منصفة ومتزنة، واقعية وتنموية، شمولية وعامة، إيجابية وبناءة، وهي أيضا مهنية ومتطورة تسعى للأخذ بأسباب التطور التقني، وهي اتصالية مع منظومة الصحافة بمفهومها العام غير انعزالية، بل تسعى للتأثير عليها، ولطالما استقطبت الصحافة الإسلامية إعلاميين آخرين أعجبوا برسالتها ومنهجها، والشواهد كثيرة.

 

الاهتمام بالصحافة الإلكترونية:
شكلت الصحافة الإسلامية الإلكترونية منعطفا كبيرا في تاريخ الصحافة الإسلامية، وقد برزت بوصفها نقلة نوعية في التطور الصحفي بسبب التقدم الهائل في التقنية الرقمية، وشكلت هذه الصحافة بديلا للصحافة التي تهيمن عليها الدول العظمى والحكومات المتسلطة، خاصة في العراق المحتل، كما تميزت هذه الصحافة بقلة تكلفتها، وعدم وجود مراقبة عليها، إلا من إدارتها وسرعة وصولها وسعة انتشارها في العالم، ومن هنا أدرك الصحفيون الإسلاميون ضرورة توظيف الإنترنت من خلال إنشاء مواقع إلكترونية لمطبوعاتهم على شبكة المعلومات، كما ساعدتهم على سرعة طباعة صحفهم ومجلاتهم في أكثر من بلد في آنٍ واحد، فتجاوزت بذلك عرقلة نقلها وقيود إدخالها.

 

سبل تفعيل الصحافة الرسالية:
 ومن سبل تفعيلها:
* إنشاء مراكز إعلامية في أغلب المدن العربية والإسلامية؛ تحسن جمع الأخبار والمعلومات وفق دراسات وإحصائيات وتقارير مدروسة ومنضبطة، ومن ثم بثها والتواصل مع المؤسسات الصحفية الأخرى، فالصحافة لا تقوم إلا على الخبر والمعلومة، وكذا التحليل لا يقوم إلا عليها فإلى متى نبقى نأخذ الأخبار والمعلومات عن عالمنا العربي والإسلامي من الوكالات الإخبارية الأجنبية؟؟
* إنشاء مراكز صحفية تدريبية وتطويرية؛ تقوم بتدريب وتطوير الكوادر الصحفية، وخاصة في الصحافة الإلكترونية وتهيئة الكوادر السياسية والفكرية على التفاعل الإيجابي مع الصحافة، وبالتنسيق مع المؤسسات الصحفية ذات الكفاءة والاختصاص والتطور، فالتوسعة مثلما تكون عمودية تكون أفقية.
* تفعيل مادة الإعلام الإسلامي عموما والصحافة خصوصا، في المؤسسات الأكاديمية الإسلامية من خلال فتح قسم الإعلام الإسلامي فيها أو أضافة مادة الصحافة الإسلامية إلى منهاجها، وكذلك تناول قضايا الصحافة الإسلامية في الرسائل الأكاديمية وفي مراكز البحوث والدراسات العائدة إليها، وأتمنى من رابطة الصحافة الإسلامية أن تسعى جاهدة إلى فتح معهد متخصص في الإعلام الإسلامي.  
* التأكيد على ضرورة الدعم المالي للصحافة الإسلامية، وكونه أحد مصارف الإنفاق في سبيل الل،ه وتتولى الترويج لهذا الأمر المؤسسات والشخصيات العلمية والدعوية.  

جمال فقيري

dpo2000@maktoob.com