في حشدٍ يعتبر الأول من نوعه منذ مجئ نظام الإنقاذ إلى السلطة عبر انقلاب عسكري في 30 يونيو 1989. تجمع آلاف المواطنين من أنصار حزب الأمة القومي، وطائفة الأنصار بساحة مسجد الخليفة عبد الله التعايشي بأم درمان دون اعتراض من السلطات. بينما الشرطة أوقفت سياراتها المحملة بأفراد القوات النظامية على جنبات الساحة ترقباً لأي تفلتات […]
في حشدٍ يعتبر الأول من نوعه منذ مجئ نظام الإنقاذ إلى السلطة عبر انقلاب عسكري في 30 يونيو 1989.
تجمع آلاف المواطنين من أنصار حزب الأمة القومي، وطائفة الأنصار بساحة مسجد الخليفة عبد الله التعايشي بأم درمان دون اعتراض من السلطات.
بينما الشرطة أوقفت سياراتها المحملة بأفراد القوات النظامية على جنبات الساحة ترقباً لأي تفلتات قد تحدث، وهو الأمر الذي أثار استغراب الكثيرين لجهة أنّ النظام لم يكن وحتى وقت قريب يسمح للأحزاب المعارضة بإقامة أي تجمع ولو في طرف العاصمة دعك من وسطها.
حشد حزب الأمة تمت الدعوة إليه منذ وقت مبكر، ويبدو أنّ ذلك بعد اعطيت الحكومة تطمينات قوية من قادة الحزب بأنّ البرنامج سيكون سلمياً ومضبوطاً.
وإلاّ لم يكن النظام الذي تسنم فيه ابن الصادق الكبير منصب مساعد رئيس الجمهورية، والصغير ضابطاً بجهاز الأمن والمخابرات ليسمح بقيام التظاهرة، وهو الذي منع تجمعاً مماثلاً لحزب المؤتمر السوداني المعارض قبل يومين وأوقف عدداً من الندوات في السابق !!.
عدد من المعارضين الذين يريدون أنّ يتقدم حزب الأمة صفوف التغير، ويوفر عليهم عناء الصدام مع الحكومة سخروا من التجمع ومن الصادق المهدي، وقللوا من إمكانية قيامه بما يشفى صدورهم ويذهب غبنهم.
ونسوا أنّ رئيس حزب الأمة الذي انقذ النظام من ورطات كثيرة بتصريحاته، ومواقفه من قبيل وصفه للحرب بجنوب كردفان، والنيل الأزرق بأنها حرب بالوكالة ونزع يده من برنامج الـ 100 يوم لاسقاط الحكم، يعمل في مسار مختلف وله تكتيكاته لذا كان وصف برنامج الحشد من قبلهم بالفاشل.
الحكم على حشد ساحة الخليفة يحتاج إلى موضوعية بعيداً عن العاطفة الحزبية، ومن هذا المنطلق فإن البرنامج له عدة مؤشرات على النجاح؛ أولها مقدرة الحزب على جمع هذا العدد الكبير من الجماهير في وقت كان يظن فيه الكثيرون أنّ قواعده قد تساقطت وتخلت عنه.
ثانياً: مظهر الجماهير كان بمثابة رسائل عدة الأولى للجبهة الثورية المسلحة مفادها أن حزب الأمة رقم لا يمكن تجاوزه في أي معادلة أو برنامج، والثانية للمعارضة الداخلية بأنّ جماهير الأمة ليست قليلة، وأنها مستعدة للحراك متى دعا الداعي ولا ينبغي التقليل منها ومن مقدراتها.
أما الثالثة فهى للحكومة وحزب المؤتمر الوطني تحديداً يقول فيها بأن أي تسوية يجب أن تستصحب هذا الكم، وأن الحزب قادر على صنع الموازنة السياسية في أي برنامج مستقبلي، لتأتي الرسالة الرابعة للمجتمعين الإقليمي والدولي لتبلغهما أن هنالك كياناً مؤثراً موجودا اسمه حزب الأمة.
نعم لم يتحدث المهدي بلهجة حادة وأقوى ما قاله عبارة "حان وقت رحيل النظام" وهي تكتيك جيد لأنه لا يرغب في المصادمة الآن وله أهداف معينة يريد تحقيقها.
لذا عمد إلى المزاوجة بين رغبة الناس في سماع حديث عن التغيير، وما يريد إيصاله من رسائل إلى الجهات المستهدفة، وهو بهذ الجمع نجح في اختبار قواعده للسلم والوفاق الوطني أو للتحركات الجماهيرية والمسيرة إذا وضع نفسه في خانة العاملين على إسقاط النظام، وهي خطوة ذكية اثبتت أن العمل التنظيمي في كيان الأمة مستمر وفاعل.
ومن جهة أخرى كشفت عن حجم الثقة إلى يوليها الحزب الحاكم للصادق المهدي وحزبه، وهي ما لا تتوفر بين المؤتمر الوطني والأحزاب المعارضة الأخرى، والتي إن سمح لها بإقامة منشط جماهيري الحق ذلك بعبوات من الغاز المسيل للدموع واعتقالات للناشطين.
المؤتمر الوطني عرف حجم حزب الأمة، وكذلك القوى الأخرى بالداخل والخارج، ومنذ لحظة انتهاء الحشد يختلف التعامل مع هذا الحزب من كل المؤسسات المعنية بالسياسة بحسب توجهاتها وأهدافها.
وهو أمر يجعل الأحزاب النائمة تصحى من ثباتها وتجتهد بطريقة أو بأخرى لاثبات ذاتها في خضم هذا الحراك السياسي، حراك سيتغير في المستقبل القريب تبعاً للمتغيرات.
ومن المتوقع أن يكون التغيير سريعاً نسبة للأزمات الكبيرة التي يمر بها السودان ودول الجوار.