ملهم محمد الحسن
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فهو المهتدي، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. أما بعد ..
فإن الله فضل بعد الأزمنة على بعض، كما فضل بعض الأمكنة على الأخرى، ففضل مكة والمدينة على غيرهما من الأمكنة؛ فجعل الصلاة فيهما أفضل من الصلاة فيما سواهما من الأمكنة، ومما فضل من الأزمنة رمضان؛ ففضله على غيره من الشهور، وفضل ليلة القدر على غيرها من الليالي؛ فجعل العبادة فيها تعدل عبادة ثلاث وثمانين سنة.
ومما فضل من الأزمنة هذه الأيام العشر؛ فقد جاء في الصحيحين من حديث ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((مامن أيامٍ العمل الصالح فيها أحب الى الله من هذه الأيام، يعني أيام العشر))، قالوا: يا رسول الله، ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: ((ولا الجهاد في سبيل الله، إلا رجل خرج بنفسه و ماله، ثم لم يرجع من ذلك بشيء))، وفي رواية: ((ما من أيامٍ العمل فيها أفضل من أيام العشر)).
وقد فضل الله هذه الأيام بأمور منها:
(1) ذكرها في القرآن:
قال جل وعلا في سورة الحج مخاطباً نبيه إبراهيم عليه السلام: (وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالاً وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله في أيام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الأنعام).
جمهور العلماء على أن هذه الأيام المعلومات هي عشر ذي الحجة، ومما قال ذلك ابن عمر وابن عباس والحسن وعطاء وعكرمة وقتادة والنخعي وهو قول أبي حنيفة والشافعي والمشهور عن الإمام أحمد.
(2) أقسم بها في القرآن:
قال تعالى: (والفجر وليالٍ عشر والشفع والوتر)، وجمهور المفسرين على أن هذه العشر هي عشر ذي الحجة، وهو الصحيح عن ابن عباس رضي الله عنهما.
والفجر: قيل إنه أراد الصبح، وقيل طلوع الفجر، وقيل صلاة الفجر، قيل أريد به أول فجر من الأيام العشر، وقيل آخرها وهو يوم النحر.
والشفع والوتر: قيل إن الوتر هو يوم عرفة، والشفع يوم النحر، واستدلوا بما جاء في المسند من حديث جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((العشر عشر الأضحى، والوتر يوم عرفة، والشفع يوم النحر)) [حسن إسناده ابن كثير في تفسير. وقال: إسناده لا بأس به. وضعفه الإمام الألباني رحم الله الجميع].
كما أن هذه الأيام من الأزمنة الفاضلة فكذلك الفجر من الأوقات الفاضلة، وذلك لأمور منها:
(1) أن الفجر وقت تجتمع فيه الملائكة:
كما صح عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال: ((يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار ويجتمعون في صلاة الصبح وصلاة العصر، ثم يعرج الذين يأتون فيكم، فيسألهم الله ــ وهو أعلم بهم ــ: كيف تركتم عبادي؟ فيقولون: وهم يصلون، وأتيناهم وهو يصلون)) [رواه أبو هريرة، والحديث متفق عليه].
(2) وفيه النزول الإلهي:
كما في حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر، يقول: من يدعوني فأستجيب له؟ من يسألني فأعطيه؟ من يستغفرني فأغفر له؟)) [صحيح البخاري، باب الدعاء في الصلاة من آخر الليل].
(3) وهو الوقت الذي يفرق بين المنافق والمؤمن:
لقوله عليه الصلاة والسلام: ((ليس صلاة أثقل على المنافقين من الفجر والعشاء، ولو يعلمون ما فيها لأتوهما ولو حبواً)) [متفق عليه من حديث أبي هريرة].
والقسم دلالة على تعظيم هذه الأيام.
(3) وهي الأيام التي أكمل الله فيها النعمة وأتم الدين:
ففي الصحيحين عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن رجلاً من اليهود قال له: يا أمير المؤمنين: آية في كتابكم لو علينا ــ معشر اليهود ــ نزلت لاتخذنا ذلك اليوم عهداً. فقال: أي آية؟ فقال: (اليوم أكملت لكم دينكم وأتتمت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً)؛ فقال عمر: إني لأعلم اليوم الذي نزلت فيه، والمكان الذي نزلت فيه، نزلت ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائم بعرفة يوم جمعة. وعند الترمذي من حديث ابن عباس نحوه وقال فيه: "نزلت في يوم عيدين في يوم الجمعة ويوم عرفة. ما فرح أحد بغير الله إلا بغفلته عن الله، فالغافل يفرح بلهوه وهواه، والعاقل يفرح بمولاه، (قل بفضل الله ورحمته فبذلك فليفرحوا وهو خير مما يجمعون)".
(4) وإن في هذه الأيام يوم عرفة:
– فهو عيد أهل الإسلام كما في حديث عمر من رواية الترمذى: "نزلت فى يوم عيدين يوم الجمعة ويوم عرفة".
– وهو أفضل الأيام عند بعض العلماء لقوله: ((أفضل الأيام يوم عرفة)) [من حديث جابر عن ابن حبان وصححه الأرناؤوط].
– وصيامه يعدل صيام سنتين، قال عليه الصلاة والسلام: ((صيام يوم عرفة أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله والتي بعده)) [من حديث قتادة عند مسلم].
– إنه يوم مغفرة من الذنوب والتجاوز عنها والعتق من النيران، لقوله عليه الصلاة والسلام: ((ما من يومٍ أكثر من أن يعتق الله فيه عبيداً من النار من يوم عرفة. وإنه ليدنو ثم يباهى بهم الملائكة، فيقول: ما أراد هؤلاء؟)) [حديث عائشة عند مسلم].
– فيه خير الدعاء: لقوله عليه الصلاة والسلام: ((خير الدعاء دعاء يوم عرفة، وخير ما قلت أنا والنبيون من قبلي: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير)) [عبد الله بن عمرو بن العاص، الترمذي، حسنه الألباني].
(5) أنها من الأيام الحرم:
لقوله عليه الصلاة والسلام: ((إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السموات والأرض، السنة اثنا عشر شهراً، منها أربعة حرم، ثلاثة متواليات ذو القعدة، ذو الحجة، والمحرم، ورجب مضر الذين بين جمادى وشعبان)) [من حديث أبي بكرة في الصحيحين].
قيل سميت بالأشهر الحرم لعظم حرمتها وحرمة الذنب فيها وأن القتال فيها محرم.
وروي عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: "جعل الذنب فيهن أعظم وجعل العمل الصالح والأجر فيها أعظم".
ما يستحب فيها من الأعمال:
– الصــــــوم:
في المسند والسنن عن حفصة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يدع صيام عاشوراء والعشر وثلاثة أيام من كل شهر. لكنه ضعيف بهذا اللفظ. وعند النسائي عن بعض أزواج النبي أنه كان لا يدع صيام تسع ذي الحجة. [صححه الألباني].
لكن جاء فى صحيح مسلم من حديث عائشة رضي الله عنها أنها قالت: ((ما رأيت رسول الله صائماً العشر قط))؛ لذلك ذهب العلماء إلى صيام بعضه وترك بعضه.
– عدم الأخذ من الجسم عند دخول العشر لمن أراد أن يضحي:
لحديث أم سلمة رضي الله عنها عند مسلم قال عليه الصلاة والسلام: ((من كان له ذبح يذبحه فإذا أهل هلال ذي الحجة فلا يأخذن من شعره ولا من أظافره شيئاً حتى يضحي)).
– التهليل والتكبير والتحميد:
لما جاء فى المسند من حديث ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم: ((ما من أيام أعظم عند الله ولا أحب إليه العمل فيهن من هذه الأيام العشر. فأكثروا فيهن من التهليل والتكبير والتحميد)) [صححه الشيخ شعيب الأرناؤوط].
– الحــــــــــج:
والحج فضله معروف، من المغفرة ودخول الجنة، وأن التتابع بين الحج ينفي الفقر والذنوب.
الأضحية:
وهي سنة أبينا إبراهيم عليه السلام.
– جميع الأعمال الصالحة من الصدقة وصلاة الأرحام والصلاة وغير ذلك.