د. سعد أحمد سعد
تمُثِل هذه المقالات الثلاث دراسة نقدية لمناهج سلطانية تمس معتنقات البلاد، وقناعات الدولة والمجتمع، وهي تُنتهك جهاراً نهاراً وبامداد غربي.
والآن بعد مرور سنوات لا زال الخطر الماحق والمحدق يتربص بنا، بل هو أكثر تفاقماً وأكثر ضراوة .. حيث دخل بُعد العدو الأممي، والرافضة، وشركات الدعارة DKT مثلاً، وثقافة العازل الذكري، وأخيراً التنصير.. والوزارات المختصة لاهية غافلة، لا بل متغافلة ..
والسؤال الذي يدور في أذهان الكثيرين حول المجلس القومي لرعاية الطفولة هو لمن ولاؤه؟ هل ولاؤه للدولة التي أنشأته وجعلته رافداً من روافد وزارة الرعاية الاجتماعية وجعلت للوزارة الإشراف الكامل عليه؟ أم هل ولاؤه للأمم المتحدة التي تدعمه باعتراف أمينته العامة؟
وبحكم الشواهد المتمثلة في طباعة بعض إصدارات المجلس وتوثيق ذلك بطباعة شعارات الأمم المتحدة، وبعض أفرعها على تلك الاصدارات مثل إصدارة (السُنة ختن البنين وعفو البنات) للشيخ عبد الجليل النذير الكاروري؟! وهل ولاء المجلس للفقه الإسلامي المنضبط بضوابط الاجتهاد الفقهي المتمثلة في الكتاب والسنة والإجماع والقياس وما رضيه أهل الفقه في كافة العصور، أم أن ولاءَه لمواثيق الأمم المتحدة ومعاهداتها ومشاريعها ؟!!.
إنّ الذي لا شك فيه أنّ موقف المجلس القومي لرعاية الطفولة من كثير من القضايا التي لله تعالى فيها مقال، وللفقه الإسلامي فيها اجتهادات منضبطة متوازنة تتعارض مع مواقف الأمم المتحدة وومقولاتها وقوانينها، كل ذلك يجعل المجلس القومي ظننا فيه أن ولائه للأمم المتحدة وقوانينها أكثر من ولائه للدولة التي أنشأته، وللشريعة التي يحتكم إليها أهل السودان وأهل بلاد الإسلام.
إنّ المجلس القومي لرعاية الطفولة يقود أكبر حملة تدليس في العصر الحديث تستهدف سنة المصطفى (صلى الله عليه وسلم)، وهو يجند لها كل من استطاع تجنيده ولقد مُهِدت لهم ومُكِنت لهم المنابع على حساب مخالفيهم.
بل إنّ الجرأة بلغت بالمجلس القومي أن يُلّبس جهاراً نهاراً حتى على الدولة التي أنشأته وهو تحت سمعها وبصرها ويرضع من ثديها. وهاكم صور التدليس الذي يقوم به المجلس القومي لرعاية الطفولة ..
جاءتني دعوة منه للمشاركة في ورشة بعنوان " انفاذ سياسات الدولة حول ختان الأناث "، وسياسات الدولة حول ختان الإناث تتمثل بالنسبة لي في شيئين حتى الآن بصورة واضحة ..
أولاً : فتوى المجمع الفقهي الذي قال بمشروعية ختان السنة، وحرم تحريماً جازماً الختان الفرعوني.
ثانياً: الموقف الواضح الذي اتخذه مجلس الوزراء في جلسته التي ناقش فيها مشروع قانون حماية الطفل ورفض فيها المادة 13 من القانون التي تدعو إلى تحريم وتجريم ختان الإناث بجميع أنواعه، وتدعو إلى معاقبة من يمارسه من طبيب أو قابلة.
وأعاد المجلس برئاسة رئيس الجمهورية القانون إلى وزارة العدل، ونبه الاستاذة الوزيرة إلى فتوى المجمع الفقهي وأوضح لها أن المجمع الفقهي هو المرجعية التي تبني عليها الدولة مواقفها.
ولما جاءت الدعوة للورشة ظننت وظن معي الكثيرين، أن الورشة بغرض التفاكر ووضع تصور حملة توضح الموقف من الختان السنة ومن الختان الفرعوني. وهذا الذي يفهم من مقولة " انفاذ سياسات الدولة ".
وإذا كان التغابي ضرباً من ضروب الذكاء، فإن التذاكي بلا أدنى شك ضرب من ضروب الغباء ..
بطاقة الدعوة وهي بحوزتي تقول: " يشرفنا دعوتكم للمشاركة في الورشة الخاصة بانفاذ سياسات الدولة حول ختان الإناث وذلك بهدف :
1- عرض وتوضيح الرؤية الطبية حول ختان الإناث والتأصيل الفقهي.
2- مناقشة السياسات الرسمية للدولة "
ولا ينبغي أن يفوتني أن أذكر أن الورشة كما هو مكتوب في ورقة البطاقة : تحت رعاية الاستاذة سامية أحمد محمد وزيرة الرعاية الاجتماعية.
وحتى يستطيع المجلس القومي أن ينجح في انفاذ سياسات الدولة حول ختان الإناث يُقوِّم هذه المادة ..
أولاً : الرؤية الطبية حول ختان الإناث والتأصيل الديني وفيه كتابان :
الأول : (السنة ختن البنين وعفو البنات) للشيخ الكاروري وهو كتاب متهافت ومتناقض ووجدت عليه أكثر من ثلاثين استدراكاً.
الثاني : (ختان الإناث من منظور الإسلام) الدكتور العوا، – والعوا أقولها وأتحمل مسئوليتها من أكبر المدلسين في العصر الحديث على الإطلاق – بالنظر إلى الأخطاء المتعمدة التي وردت في كتابه هذا والتي رد عليها فيها غيري من العلماء وأصحاب الاهتمام، وقد أنشأت كتاباً للرد عليه اسميته " الأخذ بقوة في الرد على الدكتور العوا " وهو قيد الطبع. والكتاب فيه مجموعة فتاوى وآراء حول ختان الإناث لمجموعة من الفتاوى تبرر له مخالفة الفتوى الصادرة من المجمع الفقهي وموقف مجلس الوزراء. علماً بأن هذه الفتاوى رُدّ عليها، وفيها فتوى معارضة لمنحى المجلس واتجاه.
على أن المجلس القومي لرعاية الطفولة تجاوز آراء الأئمة الاربعة مالك والشافعي وأبو حنيفة وابن حنبل وغيرهم من أئمة السلف الذين قرروا أنّ حكم ختان الإناث يدور بين الوجوب والسنية "الاستحباب"، وعلى هذا جمهور الفقهاء والعلماء وسائر الأمة الإسلامية إلى يومنا هذا. ولم يقل أحد من هؤلاء قط بالمنع، ولم يقل أحد بالتحريم ولا بالتجريم.
وأخطأ الشيخ الدكتور يوسف الكودة عندما أظهر فرحه الشديد بمقولة ابن المنذر كما نسبتها إليه بعض المراجع " ليس في الختان خبر يرجع إليه، ولا سنة تتبع " واستدل بها على الرد على القائلين بأنه ليس هناك في صالحي سلف هذه الأمة من قال بمثل ما تقول به الأمم المتحدة ومجلس رعاية الطفولة وغيرهم بتحريم ختان السنة وعقوبة من يمارسه، ولسوف نفرد هذه المقولة برد مفصل بإذن الله.
2- أما الكتاب الآخر فهو بعنوان الاستراتيجية القومية للقضاء على ختان الإناث 2008 – 2018، وهو عمل مشترك بين المجلس القومي لرعاية الطفولة، والمجلس القومي للتخطيط الاستراتيجي. وأعظم أخطاء هذا الكتيب حول الاستراتيجية القومية في هذا المجال أنه ليس له مرجعية دينية ولا شرعية محددة بل مرجعياته في شأن ختان السنة هي: " المرجعيات الوطنية، وفيها الصحة الانجابية، واتفاقية السلام، وموجهات الاستراتيجية الربع قرنية، والمرجعيات الإقليمية؛ وفيها المواثيق الأممية ثم المرجعيات الدولية، وفيها مناهج وعمل بكين، واتفاقية حقوق الطفل، وليس في ذلك شيء من ذِكر لآية، ولا مرجعية فقهية ولا تأصيلية.
وأما في جانب المادة فكتاب الاستراتيجية المذكور أعلاه يذكر المحور الديني ويقول بصورة تدعو إلى الاستغراب – دعم البحوث الرئيسة التي تؤكد عدم شرعية الختان – ومكونات أخرى في هذا المحور لا علاقة لها بالموقف الديني الشرعي التأصيلي.
إنّ الرد على هذه الاستراتيجية لا يكون في المقال ولا المقام، ولكن الرد عليها واجب على من يطلع عليها، ورأيي فيها ما يستوجب المقال، " وما من أحدٍ إلاّ يؤخذ من قوله ويترك إلا صاحب هذا القبر (صلى الله عليه وسلم) " كما قال الإمام مالك رضي الله عنه، والسيبل الأوحد إلى إلغاء ختان الإناث ضد الغاء الفقه الإسلامي كله.
ومن المؤسف أن الاستراتيجية تشارك بصورة واضحة في عملية التدليس التي يقوم بها جماعة محاربة ختان السنة، إذ هي ذاتها تتكلم عن ختان الإناث، وينبغي للاستراتيجية أن تُكوّن رؤية علمية لا تترك أرسخ وأقوى ما قامت عليه الآن، وتتشبث بمواثيق وعهود ومعاهدات دولية تخالف الأصل الشرعي الذي بنيت عليه الأمة.
هذا ما يحاول أن يفعله المجلس القومي لرعاية الطفولة وهو الالتفاف حول فتوى المجمع الفقهي، وقرار مجلس الوزراء وإيضاح الرئيس للاستاذة الوزيرة أنّ المرجعية في هذا الشأن هي المجمع الفقهي فعليها اللجوء إليه.
لذلك أعتمدت السيدة الفضلى والاستاذة الوزيرة على هذا الأسلوب وهو حشد القاعة بأطياف المهتمين بموضوع الختان وخاصة المعارضين لبرنامج المجلس القومي.
فما الذي دار في هذه الورشة؟ هذا ما سأميط عنه اللثام في المقال القادم إن شاء الله.