المشرف العام الشيخ الدكتور

محمد عبدالكريم الشيخ

المجلس القومي لرعاية الطفولة: ختان السنة أنموذجاً (2- 3) ..

المجلس القومي لرعاية الطفولة: ختان السنة أنموذجاً (2- 3) ..

وعدّت – القارئ الكريم – بأن أميط اللثام عمّا دار في ورشة "انفاذ سياسات الدولة حول ختان الأناث" التي دعا لها المجلس القومي لرعاية الطفولة، وخلصت في المقال السابق إلى أنّ ما يحاول أن يفعله (المجلس القومي لرعاية الطفولة) بالالتفاف حول فتوى المجمع الفقهي، وقرار مجلس الوزراء، وإيضاح الرئيس للأُستاذة الوزيرة في أن المرجعية في هذا الشأن هي المجمع الفقهي فعليها اللجوء إليه، وذكرت أن هذا ما اعتمدت عليه الوزيرة في حشد القاعة بأطياف المهتمين بموضوع الختان وخاصة المعارضين لبرنامج المجلس القومي. فأقول:

"مع إحكام التدبير بجعل هؤلاء المعارضين أمثالي يزينون ورشة المجلس بالحضور والاستماع وكتابة النقاط وتدوين الملاحظات، أمّا المنصة فلا يعتلي صهوتها إلاّ الذين يحطبون في حبل المجلس القومي، وأمينته العامة، والأستاذة الوزيرة التي يبدو واضحاً أنها تبارك المجلس وأسلوبه، فالمتحدثون الرئيسيون كلهم من المؤيدين لرؤية المجلس، ورؤية الأمم المتحدة، ولم يُعِر أحدٌ منهم اهتماماً لما دار في مجلس الوزراء، ولا لفتوى المجمع الفقهي، ولا أن رئيس الجمهورية في ذلك الاجتماع المشهور كان يحملها ويلوح بها في يده وخاطب الأستاذة الوزيرة بشأنها خطاباً واضحاً سمعه الجميع.

لذلك فقد جلسنا قرابة أربع ساعات نستمع إلى معارضي (ختان السنة) من الأطباء، وبعض المفكرين، وشغلوا جلّ الوقت ولم يقدموا شيئاً نستدل به على الضرر الناتج عن (ختان السنة).

بل إنّ أحد كبار إخصائي التوليد دكتور عشميق قام في ورشة المجلس ليقدّم تقريراً مبيّناً على العلم الطبي، وكان بالمصادفة عضو لجنة موسعة كلفت بدراسة قضية الختان من الناحيتين الطبية والفقهية، وقد قدّم د.عشميق ومعه المكون الطبي في اللجنة بدراسة عدد من الحالات ووجدوا أن حوالي من 60 % من الحالات بها موضع للختان وقاموا فعلاً بختن هذه الحالات ووجدوا حالات أخرى تحتاج إلى وقت لظهور الغلفة وذلك حسب المرحلة العمرية، ود. عشميق عندما انضم إلى اللجنة كان من المعارضين للختان، ولكن نتائج البحث العلمي الذي أجراه مع آخرين لا يؤهله اليوم ولا يسعفه ليكون معارضاً للختان لأنه شهد ختان حقيقي لعدد من عشر طفلات. والختان الذي شهده د. عشميق هو (ختان السنة) والذي يجري عند العارفين على قاعدة "أشمي ولا تنهكي"، كما جاء في حديث أم عطية وهو الحديث العمدة في الباب عند جميع طوائف أهل العلم، حتى المعارضين للختان لا يستطيعون تجاوزه قيد أنملة، ويعلمون أنه لولا هذا الحديث لما عرف (ختان السنة) أصلاً والحديث صحيح بتعدد طرقه وسنبين ذلك – إن شاء الله – في كتابنا "الأخذ بقوة في الرد على تدليس العوا".

بعد أن قدّمت كل من تظنه من الذين يحطبون في حبلها من أمثال د. عثمان محمود حسنين، ود. أمين حسن عمر، ود. يوسف الكودة، ود. محمد أحمد الشيخ الذي كان بحثه أقرب إلى تأكيد مشروعية (ختان السنة) بالنسبة لما قدمه من الآراء العلمية البحتة، وهو بنفسه أكدّ أن مشروعية الختان أو عدمها ليست من إهتمامات أهل الطب، والذي يقع على عاتقهم مسئولية التوصيف العلمي لختان الإناث والباقي على أهل الفقه.
بعد كل ذلك قدم بعض المعلقين أو المعقبين على استحياء منهن د. ست البنات، د. فاطمة عبد الرحمن، ود. أحمد خالد بابكر الأمين العام للمجمع الفقهي، وبعد تدخل من الأخ عبد القادر محمد زين أعطتني الفرصة.
وبالرغم من أنني جلست أستمع وأدوّن الملاحظات قرابة أربع ساعات إلاّ أنني لم أحظ إلاّ ببضع دقائق أوقفتني بعدها السيدة الفضلى، وأنا لم أدخل في لب التعقيب ولم أزد على سرد ونقد منهجها في التعامل غير العلمي وغير الأخلاقي مع هذا الموضوع الديني الذي أقرّ كثير ممن قدمتهن أن له جانباً دينياً، ولكنها تتعامل معه بغير حياء، ودون الأمانة العلمية اللازمة، ذلك أنها تحشد المؤيدين وترتب وتدبر حتى يكون صوتهم الأعلى وحتى لا يسمع الحضور سواهم. وهذه أول المؤامرة إلاّ ما تواريه ورقة التوت.

ولي بعض الردود على ما قدمه بعض المشاركين من الذين كان حضورهم ومشاركتهم ضرباً من الحشد ..
دكتور عثمان محمود حسنين : لم يقدم شيئاً جديداً ولم يكتفِ بدوره كطبيب بل تدخل في أمور لا علم له بها، وكان يردد عبارة "ما يسمى بختان السنة" وأكثر من تردادها، – والورع إن كان ثمت ورع – كان يقتضي من الدكتور الالتزام بالعلم والنصوص والشواهد، ولا داعي لهذه العبارة لأنه لو كان هناك فعلاً ختان اسمه "ختان السنة" وهو أمر جائز لأن هناك الكثيرين الذين يقولون به، فإن صح فالدكتور يكون قد وقع في محظور هو الاستهزاء بسنة النبي (صلى الله عليه وسلم)، وإن لم يصح فلن يفقد الدكتور شيئاً من عدم استخدام هذه السخرية.

ولكن الدكتور أدخل نفسه في مأزق – ومآزق كثيرة – عندما استعمل أسلوب الغمز مع الدكتورة والسيدة الفضلى التي تمارس ختان السنة بأنها صارت تمارسه بعد أن بلغت من العمر عتياً – ولا أدري ما هو وجه الاستدلال -.

الدكتور محمد أحمد الشيخ : كان عالماً، وكان أقرب أهل العلم إلى الموضوعية، ولم يدخل نفسه في جدل فقهي تواضعاً منه، وكان حديثه عند التأمل أقرب إلى تأكيد وإعلاء من شأن موقف الإسلام، لأنه تكلم بموضوعية عن (الغلفة) وأنها عليها مدار الحكم ولابد من الاطمئنان إلى وجودها لاجراء عملية الختان – وهذا يتماشى مع روح الحكم الشرعي – الذي يقبل الآراء من الوجوب إلى السنية وإلى الاستحباب وإلى الإباحة مع عدم القول أو الأمر بالتفتيش على المختونات أو غير المختونات، ومع الملاحظة إلى أن حديث أم عطية يقول : (( إذا خفضتِ )) وهو من باب التوجيه وليس من باب الأمر. ولكن نُذّكِر الدكتور العلامة أن التوجيه يقف سداً وحائلاً في وجه كل من أراد أن يشرع للمنع أو التجريم أو التحريم، أليس كذلك يا دكتور ؟!.

وأعجبني من كلام الدكتور محمد أحمد الشيخ – حفظه الله – : أن يقول عن ختان السنة أنه يزيد (الشهوة) عند المختونة ولا يقللها .. وأعتقد أن الكلام صحيح، لكن الدكتور استعمل كلمة (الشهوة) وكان يجب أن يستعمل مفردة (الاستمتاع) فيقول : "إن الختان الشرعي بوصفه الموجود في مراجع الفقه والطب، يزيد (نسبة الاستمتاع) لأن ختان السنة يكشف رأس البظر الذي تتجمع فيه أعصاب وشعيرات شديدة الحساسية هي التي تؤدي بالمرأة إلى الاستمتاع".

وواضح من هنا أنّ فرقاً بين الشهوة والاستمتاع، لأن الشهوة من الدامغ، كما قال الدكتور والعِلُم يوافقه، (والاستمتاع) في موضع الجماع حيث يلتقي الختانان، والفرق كبير بين الشهوة والاستمتاع ولكن هناك رابط بينهما إذ أن الشهوة هي البحث والحاجة الملحة إلى الاستمتاع لذلك كان الختان الشرعي في المرأة بكشفه عن أشد المناطق حساسية في جسد المرأة يؤدي إلى الاستمتاع وإلى الأشباع عكس المرأة الغلفاء غير المختونة، فإن الإستمتاع عندها والأشباع يكون ناقصاً ومضطرباً، فهي أبداً تبحث عنه وتحتاج إليه، لذلك فهي شبقة ومتطلعة إلى الرجال وأسرع استجابة للفاحشة من المختونة – ولكن بالطبع مع مؤثرات أخرى فهناك الوازع الاجتماعي والوازع الديني وهو أقوى من الوازع الاجتماعي – وهذا ما أشار إليه الإمام الشيخ جاد الحق عندما تحدث عمّا يسببه عدم الختان إذ قال : "أنه يؤدي إلى الوقوع في الفاحشة مع موجبات أخرى". وهو عينه ما أشار إليه الإمام ابن تيمية عندما قال : "أنه بسبب عدم الختان فإن الفاحشة أكثر في نساء التتر، وذلك لاتحاد الموجبين الأساسين عدم الختان وقلة الوازع الديني".

وذلك أيضاً واضح في الحديث المشهور المتدوال بين الكآفة من قوله (صلى الله عليه وسلم): (( إذا خفضتِ فاشمي ولا تهكي فإنه أحظى عند الزوج وانضر للوجه )). فأحظى عن الزوج : ذلك لأن المختونة أكثر أحساساً بالمباضعة وأكثر استمتاعاً، واستثارتها أكثر من غير المختونة، ومن هنا جاء الحديث عن الحظوة، فالأمر أعجب للرجل، وأحظى عنده لكمال التجاوب، وكمال الأداء والرضا من كل واحد من الزوجين عن الآخر مما يؤدي إلى إيجاد رابط شديد بين الزوجين وهو يؤدي إلى العفة، وإلى القناعة بالحصول على الاستمتاع من المصدر الشرعي لا غير، وهذا بالطبع مع الموجبات الأخرى.

وأهل الطب جميعاً وعلى وجه الخصوص الذين يعارضون ختان السنة يقولون : "إن البظر هو الذي يوفر أقصى درجات الاستمتاع عند المرأة، وهذا هو بالضبط مقتضى ما يفهم من الحديث الشريف (( أشمي ولا تنهكي )) أي أقلي القطع ولا تستأصلي، وهذا هو معنى الإشمام وعدم الإنهاك .. وليس في الحديث تناقض كما قال بعض أعداء (ختان السنة) وعلى رأسهم الدكتور العوا من أنّ فيه أمراً  بالقطع، وأمراً بالترك، كما يدعي ويزعم أن أحدى الفضليات نبهته إلى هذا التناقض في الحديث، حقاً هنا التوجيه بالقطع الخفيف والبعد عن الانهاك والاستئصال، فأين التناقض في هذا؟ وما هو معنى خير الأمور أوسطها أذن؟ وهل إذا قلت لشخص : "كُل من هذا الطعام ولا تسرف" أكون متناقضاً؟ أم أن هذا أمر يمشي ويسير مع مألوف الناس في حياتهم. بل إن الله تعالى يقول في محكم تنزيله: (وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ)، فهو يبيح للناس الأكل والشرب لأن الأمر هنا للإباحة لا للوجوب المطلق، ولا يكرههم على مطلق الأكل والشرب بل فقط على الإسراف فيه، وفي كل شيء.

في المقال القادم أختم المداخلات على والورشة والتعقيب عليها بإذن الله تعالى.