د. سعد أحمد سعد
لا يكاد عمل في الدنيا منذ بداية التأريخ وحتى نهايته يخرج عن هذه الأربعة ..
الديانات، والدول، والمجتمعات، والجماعات، والأحزاب، والفلسفات، والمناهج، والنظريات كلها محكومة بهذه المصمفوفة الرباعية ..
الإسلام، النصرانية، اليهودية، الوثنيات، الماركسية، الديمقراطية، النازية، الفاشية .. كل هذه نظريات ودول كلها تسير في ركب المصفوفة الرباعية .. حتى الجمعيات والمنظمات الصغيرة منها والكبيرة محكومة بهذه المصفوفة ..
ويمكنك أيها القارئ العزيز بعد إنتهائك من مطالعة هذا المقال أن تتلاعب بهذه المصفوفة .. لتحلل النجاح والفشل لأي عمل مهما كان صغيراً أو كبيراً .. شريطة أن تكون أميناً ومتجرداً في تحديدك لمكونات المصفوفة الأربعة بما يناسب العمل الذي تسعى إلى تحليله ..
ونأخذ مثالاً واحداً ..
الإسلام:
ونطبق عليه المصفوفة بحيادة تامة ..
أولاً : النظرية توحيد الألوهية والربوبية وتوحيد الحاكمية ..
ثانياً: ما هو التطبيق؟ التطبيق هو عمر النبوة والخلافة الراشدة .. كان التطبيق مثالياً ورائعاً .. في كل الظروف وحتى كل الأحداث في الدعوة .. وفي الجهاد .. وفي الحكم .. حتى في الاختلاف كان التطبيق ملتزِماً إلتزاماً يكاد يكون مطلقاً ..حتى في ظرف الاقتتال كانت الأحكام الملزمة للمقاتلين هي ذات الأحكام التي تحكمهم قبل الاقتتالقال الله تعالى : (وَإِنطَائِفَتَانِمِنَالْمُؤْمِنِينَاقْتَتَلُوافَأَصْلِحُوابَيْنَهُمَا) .. طائفتان وكلاهما على الإيمان .. حتى في حالة الاقتتال !! والمطلوب الصلح والتوفيق بينهما ..
(فَإِنبَغَتْإِحْدَاهُمَاعَلَىالْأُخْرَى) .. أي إذا ظلمت واستطالت واعتدت (فَقَاتِلُواالَّتِيتَبْغِي) ..
وهو قتال له غاية وله نهاية .. وله حد .. وله سياج (حَتَّىتَفِيءَإِلَىأَمْرِاللَّهِ) ..
قتال ليس للانتقام .. ولا لأخذ الثأر .. ولا لتصفية حساب .. ولا للاستيلاء على المغانم والمكاسب .. أي هو قتال له حد ينتهي إليه ..وبالمناسبة ليس هناك في قتال أهل البغي غنائم ولا سبايا ولا استرقاق !! ..وتعرّف الفئة الباغية بأنها الذين يخرجون على الإمام بتأويل سائغ وأحكام قتالهم غير أحكام المشركين والمرتدين ..
ثالثاً : فماذا كانت النتائج .. قال تعالى: (إِذَاجَاءنَصْرُاللَّهِوَالْفَتْحُوَرَأَيْتَالنَّاسَيَدْخُلُونَفِيدِينِاللَّهِأَفْوَاجًا) .. النتائج مجئ نصر الله تعالى .. ومعه الفتوحات شرقاً وغرباً وشمالاً وجنوباً حتى لا تكاد تخلو أرضمن كلمة التوحيد عبادة في الغالب، وعبودية في أحيان أخرى ..
رابعاً: الأسباب ..ليس ثمت أسباب سوى الإلتزام والإتساق بين النظرية والتطبيق بدءً بسيرة المصطفى (صلى الله عليه وسلم) وشمائله، وسيرة أصحابه وتجردهم واستمساكهم بسنة نبيهم في جميع الأبواب، وجميع الظروف والأحوال ..
ثم نأتي إلى مثال آخر ..
اليهودية:
النظرية .. توحيد الألوهية والربوبية ، وتمهيد الطريق لمجئ الرسالة الخاتمة .. والتبشير بالرسالة القادمة ..
التطبيق .. نجاح محدود سببه الإلتزام المحدود الذي صدر عن أنبياء الملة اليهودية .. والقليل من الأتباع والمؤمنين .. وفشل ذريع وكبير ومريع ..
وسببه تكذيب الرسل ومعاداتهم في أول الأمر .. ثم تحريف الكتاب المنزل على النبي (صلى الله عليه وسلم) .. ومن ثمّ الابتعاد نهائياً عن الأصل الذي عليه المعول ..
ومن ثمّ جاءت النتائج كارثية قتل الأنبياء .. وقتل الخصوم .. وتوسيع دائرة العداء لتشمل الدنيا كلها .. ونشوء الجمعيات السرية والحركات الإرهابية، الصهيونية، والماسونية، وانحسار الديانة في العنصر اليهودي المرتبط بالسلالة لا بالوحي ولا بالفكر ..
ونموذج آخر ..
النصرانية:
النظرية .. توحيد الألوهية والعبودية والعبادة والتوجه بها إلى الله سبحانه وتعالى، مثل سائر الديانات السماوية، والدياناتالثلاث متطابقات في أصل المعتقد، وكلها يصح فيها اسم الإسلام ..
التطبيق ..التحريف واتخاذ عيسى إلهاً ورباً ومعبوداً من دون الله .. وتكذيب الرسالات السابقة كلها ..
النتائج .. الاستدراج والإمهال والإغراء بالمعاصي والموبقات، والتسليط على عباد الله المخالفين ..
الأسباب .. الإصرار على المعصية والتمادي في الباطل مع معرفة الحق قال تعالى: (وَجَحَدُوابِهَاوَاسْتَيْقَنَتْهَاأَنفُسُهُمْظُلْمًاوَعُلُوًّافَانظُرْكَيْفَكَانَعَاقِبَةُالْمُفْسِدِينَ) ..
إن الجرائم التي ارتكبت باسم اليهودية والنصرانية لا تدانيها جرائم البرابرة والشعوب البدائية ولا جرائم أهل الشرك وأهل التكذيب بالديانات وبالوحي وبالرسالات ..
هذه بعض نماذ هذه المصفوفة المتماسكة المترابطة ..
وأنموذج أخير ..
الإنقاذ:
النظرية .. الإسلام عقيدة وشريعة ..
التطبيق .. الدغمسة والانبطاح .. وتحكيم الرجال في دين الله .. والتمحك والتمحل في التطبيق .. والتخفي وراء الذرائع والعلل والمعاذير ..
النتائج .. الهوان، والإنكسار .. وعدم التوفيق .. والتشتيت .. وأخيراً وليس آخراً نزع المهابة من قلوب الأعداء .. ونزع المحبة من قلوب الأولياء والأصدقاء ..
الأسباب .. الإعتماد على رقى الشيطان .. وأهمها وأشدها خطورةً التسويف في أحكام الشريعة .. والإعتداد بالرأي وعدم استخدام الشورى (مَاأُرِيكُمْإِلَّامَاأَرَىوَمَاأَهْدِيكُمْإِلَّاسَبِيلَالرَّشَادِ) ..
ومنها الإخلاد إلى الأرض .. والأرض هنا هي الكرسي .. والملك .. والنعيم .. حتى أن الإنقاذ اشتغلت بالكرسي عن الهم الأصلي الذي من أجله سمت نفسها (الإنقاذ) .. ولا أرى لها من الإنقاذ إلاّ أنها أنقذت الكرسي من براثن الطائفية، لتلقى به براثن الدغمسة والانبطاح .. باسم الإنقاذ والحركة الإسلامية فلا يغرنكم ولا يضرنكم ما تفعله الإنقاذ بالإسلام .. فمن كان منكم إنما يريد الإنقاذ، فالإنقاذ لا علاقة لها بالإسلام .. ومن كان يريد الإسلام فإن الإسلام لا علاقة له بالإنقاذ ولا بما تفعله الإنقاذ ..
اعرضوا الدنيا كلها على المصفوفة .. وسترون أنها تنفذ إلى الأعماق ..