المشرف العام الشيخ الدكتور

محمد عبدالكريم الشيخ

الإجماع: تعريفه، إمكان انعقاده، والاطلاع عليه، وحجيته.

الإجماع: تعريفه، إمكان انعقاده، والاطلاع عليه، وحجيته.

 

الإجــمــــاع

 تعريفه، إمكان انعقاده، والاطلاع عليه، وحجيته

 بسم الله الرحمن الرحيم

 والصلاة والسلام على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وبعد..

 فهذه بعض المسائل المتعلقة بالإجماع، بشيء من الاختصار، وليس ذلك بالطويل الممل، ولا بالقصير المخل، رجوت فيه النفع للإخوة الفضلاء بأبسط صورة؛ ليتمكن من فهمه المبتدئ، فأرجو أن يحصل المقصود بذلك.. والله الموفق.

 

[1] تعريف الإجماع:

الإجماع، لغةً:

هو في اللغة يرد لثلاث معان:

 

1- العزم على الشيء، والتصميم علية(1):

 

ومنه قولهم: (أجمع فلان على كذا): إذا عزم عليه. ومنه قوله تعالى: {فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ} [يونس:71]، أي: اعزموا. وبقوله -عليه السلام-: «مَنْ لَمْ يُجْمِعِ الصِّيَامَ قَبْلَ الفَجْرِ، فَلاَ صِيَامَ لَهُ»(2). ويجمع، أي: يعزم. وبهذا بوّب الترمذي في [سننه](3). وقال الشاعر:

أجمعوا أمرهم بليلٍ فلما ×× أصبحوا أصبحت لهم ضوضاء(4)

2- تجميع المتفرق:

ومنه قوله تعالى: { يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ} [التغابن:9].

3- الاتفاق(5):

ومنه قولهم: (أجمع القوم على كذا): إذا اتفقوا عليه، ويقال: (هذا أمر مجمع عليه)، أي: متفق عليه.

وفي الحقيقة المعاني كلها تعود إلى معنى الاتفاق، فالعزم على الشيء هو: اتفاق الخواطر والنوايا على أمرٍ واحدٍ، هو ما عزم عليه الشخص. وتجميع المتفرق يؤول إلى الاتفاق.

وقد اختلف في دلالة الإجماع على العزم، والاتفاق، هل هو من باب الاشتراك اللفظي؟ أو أنه حقيقة في الاتفاق مجاز في العزم؟ أو حقيقة في العزم مجاز في الاتفاق؟.. ثلاثة أقوال.

 

الإجماع، اصطلاحاً:

اختلفت عبارات الأصوليين في تعريف الإجماع، والسبب في هذا يعود إلى أمور:

الأول: الخلاف في تحديد المجمعين.

فالبعض يرى:

(أ‌)                أنه خاص بأهل الحل والعقد من المجتهدين.

(ب‌)           والبعض الآخر: يجعله عاماً؛ فيدخل فيه جميع الأمة من العوام، وغيرهم..

فمن يخصه بالمجتهدين يعبر بقوله: (اتفاق المجتهدين). ومن يدخل العوام يعبر بقوله: (اتفاق الأمة).

الثاني: الخلاف في زمن الإجماع.

فبعضهم:

(أ‌)                يخصه بعصر الصحابة، كابن حزم، ومن وافقه.

(ب‌)           وبعضهم: يجعله عاماً في جميع العصور.

فمن يخصه بعصر الصحابة يعبر بقوله: (اتفاق أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-)، أو اتفاق (الصدر الأول). ومن يجعله عاماً يقول: (اتفاق المجتهدين في جميع العصور).

الثالث: الخلاف في الأمور المجمع عليها.

فبعضهم:

(أ‌)                يحصرها في الأمور الشرعية.

(ب‌)           وبعضهم يعممها.

فمن يحصرها بالأمور الشرعية يقول: (اتفاق على أمرٍ، أو حكمٍ شرعي، أو ديني). ومن يعممها يقول: (اتفاق على أمرٍ من الأمور).

الرابع: الخلاف في بعض شروط الإجماع.

مثل: اشتراط انقراض العصر، واشتراط بلوغ المجمعين عدد التواتر، ونحوها.. فمن يشترط ذلك يجعله قيداً في التعريف، ومن لا يشترطه لا يذكره في التعريف.

التعريف المختار:

لعل من أسلم التعريفات للإجماع، والذي يتناسب مع ما نرجحه في مسائل الإجماع، هو أنه: (اتفاق المجتهدين من أمة محمدٍ -صلى الله عليه وسلم-، بعد وفاته، في عصرٍ من العصور، على أمرٍ ديني).

محترزات التعريف:

–       قولنا: (اتفاق)، قيد يخرج الاختلاف، واتفاق: جنس يشمل كل اتفاق، سواء كان من الكل أو من البعض، وسواء كان من المجتهدين وحدهم أو من جميع الأمة، ويؤخذ من قولنا: (اتفاق) أنه أقل ما يمكن أن يحصل به الاتفاق اثنان.

–       قولنا: (المجتهدين)، قيد يخرج من ليس مجتهداً، كالعوام، والعلماء الذين لم يبلغوا مرتبة الاجتهاد. و (أل) في (المجتهدين) للاستغراق، أي: اتفاق جميع المجتهدين، فلا يكفي اتفاق الأكثر، أو البعض -كما سيأتي-. فيخرج بهذا: قول الأكثر، وإجماع أهل المدينة، وإجماع الخلفاء الأربعة، وإجماع أبي بكر وعمر -رضي الله عنهما-، وإجماع أهل الحرمين: مكة والمدينة، وإجماع أهل المصرين: الكوفة والبصرة، فكلها لا تسمى إجماعاً -كما سيأتي بيانه-. والاجتهاد هو: (بذل الفقيه وسعه للوصول إلى حكمٍ شرعي ظني).

–       قولنا: (من أمة محمدٍ -صلى الله عليه وسلم-)، قيد يخرج ما سوى الأمة المحمدية، كاليهود والنصارى، والمراد بالأمة هنا: أمة الإجابة، وهم المسلمون أتباع النبي -صلى الله عليه وسلم-، وعليه فيخرج من كُفِّر ببدعته، فلا عبرة بقوله.

–       قولنا: (بعد وفاته)، قيد يخرج ما كان في حياته -صلى الله عليه وسلم-؛ إذ لا حاجة إلى الإجماع حينئذٍ لنزول الوحي.

–       قولنا: (في عصرٍ من العصور)، بيان أن المراد مجتهدو العصر الواحد، وليس جميع المجتهدين في جميع العصور إلى قيام الساعة؛ لأنه يلزم منه عدم حصول الإجماع إلا بعد قيام الساعة، ولا تكليف عندئذٍ؛ فلا حاجة إلى الإجماع. ويؤخذ من قولنا: (عصر) أنه في أي عصرٍ كان، فلا يختص ذلك بعصر الصحابة -كما سيأتي بيانه-.

–       قولنا: (على أمرٍ ديني)، قيد يخرج ما سوى الأمور الدينية، كالأمور الدنيوية والعقلية واللغوية ونحوها.. فهي غير داخلة في الإجماع الشرعي المعصوم، والمراد هنا، ويدخل في الأمر الديني العقائد والأحكام.

 

[2] إمكان حصول الإجماع وانعقاده:

ذهب الأكثرون إلى القول بجواز حصول الإجماع وإمكان انعقاده، وذهب بعضهم -وهم الأقل- إلى عدم جواز ذلك. وسوف نكتفي بذكر أدلة القول الأول؛ وذلك لضعف وشذوذ القول الثاني. (الكلام في هذه المسألة عن الجواز العقلي، لا الوقوع الشرعي).

 

أدلة القول بجواز حصول الإجماع، وإمكان انعقاده:

الدليل الأول: وجوده، وحصوله. فقد وجدنا الأمة مجمعة على أن الصلوات خمس، وأن صوم رمضان واجب، وكيف يمتنع تصوره والأمة كلهم متعبدون باتباع النصوص والأدلة القاطعة، ومعرضون للعقاب بمخالفتها.

– فإن قيل: هذه الأمور حصلت بالتواتر، وليس بالإجماع؟

أجيب بأن هذه الأمور حصلت بالأمرين معاً: التواتر والإجماع، مقارنة أو مرتباً، بمعنى أنه حصل الإجماع والتواتر معاً، أو حصل التواتر ثم الإجماع، أو حصل الإجماع ثم التواتر، فالمقصود هو أنه حصل فيها الإجماع، وهو المطلوب.

– فإن قيل: هذه عُلِمت من الدين بالضرورة، ومحل الخلاف هو فيما لم يعلم بالضرورة؟

أجيب: بأنه حصل الإجماع كذلك فيما لم يُعلم بالضرورة، كالإجماع على أجرة الحمام، وأجرة الحلاق، وخلافة أبي بكر -رضي الله عنه-، وتحريم شحم الخنزير، وتحريم بيع الطعام قبل القبض، وتوريث الجدة السدس، وتحريم الجمع بين المرأة وعمتها وبينها وبين خالتها، وغير ذلك..

الدليل الثاني: القياس على حصول الإجماع في الأمور الدنيوية. فكما لا يمتنع اجتماعهم على الأكل والشرب لتوافق الدواعي، فكذلك على اتباع الحق واتقاء النار.

الدليل الثالث: القياس على حصول الاتفاق من الأمم الباطلة. فكما حصل إطباق اليهود مع كثرتهم على الباطل، فلِمَ لا يتصور إطباق المسلمين على الحق؟!

الدليل الرابع: أن الأصل هو الجواز والإمكان. ويلزم من يدعي خلاف ذلك أن يأتي بالدليل.

 

[3] إمكان الاطلاع على الإجماع، والعلم به

اختلف في هذا على أقوال:

1- أنه يمكن العلم بالإجماع، والاطلاع عليه في جميع العصور، وهو قول الجمهور.

2- أنه يمكن العلم بالإجماع والاطلاع عليه في العصور الثلاثة فقط، وهو قول صاحب [فواتح الرحموت].

3- أنه يمكن العلم بالإجماع والاطلاع عليه في عصر الصحابة فقط، وأما بعدهم فيتعذر ذلك، وهو رواية عن أحمد، وظاهر صنيع ابن حبان في [صحيحه](6)، ومال إليه شيخ الإسلام ابن تيمية في [العقيدة الواسطية](7)، وهو قول الفخر الرازي، والآمدي، وهو قول ابن حزم. إلا أن هؤلاء يخالفون ابن حزم في الحجية؛ فابن حزم يقصر الحجية على الصحابة فقط، والبقية يرونه حجة في كل وقت، وإنما يرون تعذر الاطلاع عليه بعد الصحابة.

4- أنه لا يمكن العلم بالإجماع ولا الاطلاع عليه مطلقاً، وهو قول من رأى عدم إمكانية حصول الإجماع من باب أولى، ومن رأى عدم حجيته أيضاً، كالنظام المعتزلي، وبعض الشيعة، والخوارج.

لعل أقرب هذه الأقوال هو القول الثالث، وذلك لكثرة المجتهدين وتفرقهم في البلاد؛ مما يتعذر معه جمع أقوالهم في وقت واحد، بخلاف عصر الصحابة -رضي الله عنهم-؛ فالمجتهدون منهم معلومون بأسمائهم وأعيانهم وأماكنهم واجتماعهم، لا سيما بعد وفاة النبي -صلى الله عليه وسلم- زمناً قليلاً (الكلام هنا عن إمكان الاطلاع على الإجماع لا عن حجيته).

 

[4] حجية الإجماع

أكثر المذاهب الإسلامية ترى حجية الإجماع الشرعي، ولم يخالف في ذلك إلا الخوارج، والإمامية من الشيعة، وطائفة من المرجئة، والنظام المعتزلي -كما سيأتي إن شاء الله-.

وقد قرر حجية الإجماع الأصوليون من أتباع المذاهب الأربعة، وهذه نماذج من أقوالهم:

المذهب الحنفي:

– قال أبو بكر الرازي الجصاص في [الفصول في الأصول]: (اتفق الفقهاء على صحة إجماع الصدر الأول، وأنه حجة الله، لا يسع من يجيء بعدهم خلافه، وهو مذهب جلِّ المتكلمين).

– وقال السرخسي في [أصوله]: (اعلم أن إجماع هذه الأمة موجب للعلم قطعاً، كرامةً لهم على الدين). وقال: (اجتماع هذه الأمة حجةٌ شرعاً، كرامةً لهم على الدين).

المذهب المالكي:

– قال القرافي: (وهو حجة عند الكافة) [جزء من شرح تنقيح الفصول في علم الأصول].

– وقال ابن جزي الغرناطي، في [تقريب الوصول]: (والإجماع حجة عند الجمهور).

المذهب الشافعي:

– قال إمام الحرمين أبو المعالي الجويني، في [البرهان]: (ما ذهب إليه الفرق المعتبرون من أهل المذاهب أن الإجماع في السمعيات حجة).

– وقال الشيرازي في [اللمع]: (وهو حجةٌ من حجج الشرع، ودليلٌ من أدلة الأحكام، مقطوعٌ على مغيبه).

– وقال الفخر الرازي، في [المحصول]: (إجماع أمه محمد -صلى الله عليه وسلم- حجة، خلافاً للنظام والشيعة والخوارج).

– وقال الآمدي في [الإحكام]: (اتفق أكثر المسلمين على أن الإجماع حجة شرعيةـ يجب العمل به على كل مسلم، وخالف في ذلك الشيعة والخوارج والنظام).

المذهب الحنبلي:

– قال القاضي أبو يعلى في [العدة]: (الإجماع حجةٌ مقطوعٌ عليها، يجب المصير إليها، وتحرم مخالفته).

– وقال ابن قدامة في [روضة الناظر]: (والإجماع حجة قاطعة عند الجمهور).

إذا علم هذا فإن أكثر أهل العلم ذهبوا إلى حجية الإجماع، خلافاً للنظام من المعتزلة، والخوارج، والإمامية من الشيعة، وطائفة من المرجئة.

 

أدلة المحتجين بالإجماع

وقد استدل الأكثر لحجية الإجماع بالكتاب والسنة:

 

أدلة الكتاب:

1 – قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا} [البقرة:143].

دلت هذه الآية على حجية الإجماع، من وجهين:

الوجه الأول: من قوله: (وكذلك جعلناكم أمةً وسطاً) حيث وصفهم بأنهم، (وسط). والوسط في اللغة العدول الخيار، وفي هذا تزكية لهم، والعدول الخيار لا يتفقون على باطل.

الوجه الثاني: من قوله: (لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيداً) حيث نصبهم الله شهوداً، وقبل شهادتهم على غيرهم، وجعلهم حجة على الناس في قبول أقوالهم، كما جعل الرسول -صلى الله عليه وسلم- حجة علينا، في قبول قوله علينا.

 

2 – قوله تعالى: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا} [آل عمران:103].

وجه الاستدلال: أنه تعالى نهى عن التفرق، ومخالفة الإجماع تفرق فكان منهياً عنه، ولا معنى لكون الإجماع حجةً سوى النهي عن مخالفته.

 

3 – قوله تعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} [آل عمران:110].

وجه الاستدلال: أنه تعالى أخبر أن هذه الأمة يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر. و (أل) في المعروف والمنكر تقتضي الاستغراق، أي: أنهم يأمرون بكل معروف وينهون عن كل منكر. فإذا أمروا بشيء فلا بد أن يكون معروفاً وإذا نهوا عن شيء فلا بد أن يكون منكراً، وإذا كانوا بهذا الوصف فإنه يجب قبول قولهم، وهذا هو معنى حجية الإجماع.

 

4 – قوله تعالى: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} [النساء:115].

وجه الاستدلال: أنه تعالى توعد على متابعة غير سبيل المؤمنين -وهو إجماعهم- بالوعيد الشديد، وقرن ذلك بمشاقة الرسول -صلى الله عليه وسلم-، ولو لم يكن ذلك محرماً لما توعد عليه، ولما حسن الجمع بينه وبين المحرم من مشاقة الرسول -صلى الله عليه وسلم- في التوعد. وهذه الآية استدل بها الإمام الشافعي -رحمه الله- في إثبات حجية الإجماع، وهو أول من استدلَّ بها.

 

5 – قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} [النساء:59].

وجه الاستدلال: أنه تعالى أمر بالرد إلى الكتاب والسنة في حال التنازع، فيفهم منه أنه إذا لم يوجد التنازع فالاتفاق على الحكم كافٍ، فالآية دلت على حجية الإجماع بالمفهوم.

 

6 – قوله تعالى: {وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ} [الشورى:10].

وجه الاستدلال: أنه تعالى أمر بالرجوع إلى حكمه عند الاختلاف، فيفهم منه أنه إذا لم يوجد خلاف فالاتفاق على الحكم كافٍ، فالآية دلت على حجية الإجماع بالمفهوم أيضاً كالآية السابقة.

 

أدلة السنة:

تعتبر أدلة السنة أقوى مسلكاً، وأكثر صراحةً، لإثبات حجية الإجماع عند كثيرٍ من الأصوليين، وقد تنوعت أدلة السنة في تقرير حجية الإجماع، ويمكن تقسيمها ثلاثة أقسام:

 

1- الأحاديث التي جاءت تنفي وقوع الأمة في الخطأ، وتثبت العصمة لها:

ومن ذلك قوله -صلى الله عليه وسلم-: «إِنَّ أُمَّتِي لَا تَجْتَمِعُ عَلَى ضَلَالَةٍ»(8).

وجه الاستدلال: أن عمومه ينفي وجود الضلالة، والخطأ ضلالة؛ فلا يجوز الإجماع عليه؛ فيكون ما أجمعوا عليه حقاً.

 

2- الأحاديث التي جاءت تأمر بلزوم الجماعة ومن ذلك:

– حديث ابن عباس -رضي الله عنهما-، أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «مَنْ رَأَى مِنْ أَمِيرِهِ شَيْئًا يَكْرَهُهُ فَلْيَصْبِرْ، فَإِنَّهُ مَنْ فَارَقَ الْجَمَاعَةَ شِبْرًا، فَمَاتَ، فَمِيتَةٌ جَاهِلِيَّةٌ» [متفق عليه].

– حديث أبي ذر -رضي الله عنه-، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «مِنَ الْجَمَاعَةِ قِيدَ شِبْرٍ فَقَدْ خَلَعَ رِبْقَةَ الْإِسْلَامِ مِنْ عُنُقِهِ»(9).

– حديث ابن مسعود -رضي الله عنه-، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «نَضَّرَ اللَّهُ امْرَأً سَمِعَ مَقَالَتِي فَوَعَاهَا وَحَفِظَهَا وَبَلَّغَهَا، فَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ إِلَى مَنْ هُوَ أَفْقَهُ مِنْهُ، ثَلاَثٌ لاَ يُغِلُّ عَلَيْهِنَّ قَلْبُ مُسْلِمٍ: إِخْلاَصُ العَمَلِ لِلَّهِ، وَمُنَاصَحَةُ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ، وَلُزُومُ جَمَاعَتِهِمْ، فَإِنَّ الدَّعْوَةَ تُحِيطُ مِنْ وَرَائِهِمْ»(10).

وجه الاستدلال: من هذه الأحاديث وما في معناها: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- ينهى في هذه الأحاديث عن مفارقة الجماعة، ويأمر بلزوم جماعة المسلمين، والمراد ما يقول به جماعتهم، وما تتفق عليه كلمتهم، وليس المراد به لزوم أبدانهم؛ فالمسلمون متفرقون في مشارق الأرض ومغاربها.

 

3- الأحاديث التي جاءت تبين أن الحق ملازم للجماعة:

ومن ذلك:

– حديث: «لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي ظَاهِرِينَ عَلَى الْحَقِّ، لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ، حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللهِ وَهُمْ كَذَلِكَ»(11).

وجه الاستدلال: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- شهد لهذه الطائفة بكونها على الحق في جميع العصور؛ فإجماعهم إذاً حجة.

 

أدلة العقل:

وأما دلالة العقل فذهب بعض الأصوليين إلى أنه لا مدخل له في هذا الباب، وهو ما اختاره الغزالي(12)، وذكر الشوكاني أنه رأي معظم العلماء(13)، وأنهم اقتصروا على دلالة السمع في إثبات حجية الإجماع.

 

أدلة منكري الإجماع

الأدلة التي استدلَّ بها من ينكر حجية الإجماع من الإمامية الشيعة، والنظام المعتزلي، والخوارج، والمرجئة: استدلوا بأدلة من القرآن، والسنة:

 

أدلة القرآن:

1- قوله تعالى: {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ} [النحل:89].

وجه الاستدلال: قالوا: (أن الله -تبارك وتعالى- ذكر أن الكتاب تبيان لكل شيء؛ فلا حاجة إلى الإجماع، ولو كان الإجماع حجة لذكره).

وأجيب عن هذا بأجوبة:

·                   أن هذا بيانٌ مجمل، ومما بيّنه القرآن: حجية الإجماع. كما سبق في أدلة الجمهور.

·                   أن قولكم هذا منقوض بحجية السنة، فإما أن تنكروا حجية السنة كالإجماع، أو تثبتوا حجية الإجماع كالسنة.

·                   أن غاية ما في الآية السكوت عن حجية الإجماع، ولم تنف حجيته، ويمكن اعتماد حجيته من أدلة أخرى.

·                   أن المسائل المجمع عليها تستند إلى الكتاب أو السنة، وهي تعود إلى الكتاب.

 

2- قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} [النساء:59].

وجه الاستدلال: قالوا: (أمر الله -تبارك وتعالى- بالرد إلى الكتاب والسنة، ولم يذكر الإجماع، ولو كان حجة لأمر بالرد إليه).

وأجيب عنه بأجوبة:

·                                  أن الله أمر بالرد إلى الكتاب والسنة في حال التنازع، ويفهم منه أنه في حال الاتفاق يكتفى به كما سبق.

·                                  أن الله أمرنا بالرد إلى الكتاب والسنة في حال التنازع، ونحن وإياكم تنازعنا في حجية الإجماع، فنرد ذلك إلى الكتاب والسنة فنجدهما قد دلا على حجيته.

·                                  أن الله أمر بالرد إلى الكتاب والسنة، وكل مسألة مجمع عليها فهي تستند إلى دليل من الكتاب أو السنة أو قياس يرجع إليهما.

·                                  أن غاية ما في الآية السكوت عن حجية الإجماع، ولم تنف حجيته. ويمكن اعتماد حجيته من أدلة أخرى.

 

3- استدلوا بكل نص ورد فيه النهي بصيغة الجمع:

كقوله تعالى: {وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا} [الإسراء:32] ، وقوله تعالى: {لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ} [النساء:29]، وقوله تعالى: {وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ} [الأنعام:151]، وقوله تعالى: {وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ} [الأنعام:151]، وقوله تعالى: {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا} [النساء:36]، ونحوها من الآيات..

وجه الاستدلال: قالوا: (أن الله نهى كل الأمة بصيغة الجمع عن هذه الأفعال، وذلك يدل على تصور وقوعها منهم، ومن تتصور منه المعصية لا يكون قوله ولا فعله موجباً للقطع؛ إذ يجوز أن يجمعوا على معصية).

وأجيب عنه بجوابين:

·                                  أن النهي في هذه النصوص ليس نهياً لهم عن الاجتماع، بل نهيٌ للآحاد، وإن كان كل واحد على حياله داخلاً في النهي فالنهي بصيغة الجمع، والمراد كلُّ فردٍ على حدة، وليس المراد أن يفعل ذلك الجميع دفعةً واحدة.

·                                  لو سُلِّم ما ذكرتموه، فليس من شرط النهي وقوع المنهي عنه، ولا جواز وقوعه، فإن الله تعالى قال لرسوله -صلى الله عليه وسلم-: {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ} [الزمر:65]، وقال: {فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِينَ} [الأنعام:35]، وقال عن الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام-: {وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الأنعام:88].

 

أدلة السنة:

1- استدلوا بحديث معاذ -رضي الله عنه-، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لما أراد أن يبعثه إلى اليمن قال: «كَيْفَ تَقْضِي إِذَا عَرَضَ لَكَ قَضَاءٌ؟»، قَالَ: (أَقْضِي بِكِتَابِ اللَّهِ)، قَالَ: «فَإِنْ لَمْ تَجِدْ فِي كِتَابِ اللَّهِ؟»، قَالَ: (فَبِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-)، قَالَ: «فَإِنْ لَمْ تَجِدْ فِي سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَلَا فِي كِتَابِ اللَّهِ؟» قَالَ: (أَجْتَهِدُ رَأْيِي، وَلَا آلُو). فَضَرَبَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صَدْرَهُ، وَقَالَ: «الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَفَّقَ رَسُولَ رَسُولِ اللَّهِ، لِمَا يُرْضِي رَسُولَ اللَّهِ»(14).

وجه الاستدلال: أن معاذاً -رضي الله عنه- ذكر الاحتجاج بالكتاب والسنة والاجتهاد، ولم يذكر الإجماع، وأقره النبي -صلى الله عليه وسلم- على ذلك، ولو كان الإجماع حجة لذكره معاذ أو تعقبه النبي -صلى الله عليه وسلم-.

وأجيب عن هذا بأجوبة:

·                   ان الحديث إسناده ضعيف. فقد رواه أحمد، وأبو داود، والترمذي، والدارمي، والطبراني، والعقيلي في [الضعفاء]، والبيهقي في [السنن الكبرى]، وابن أبي شيبة في [المصنف]، والطيالسي في [مسنده]، وابن سعد في [الطبقات]، وابن عساكر في [تاريخ دمشق]، والخطيب في [الفقيه والمتفقه]، وابن عبد البر في [جامع بيان العلم وفضله]، وابن حزم في [الإحكام]، من طريق: شعبة، عن أبي العون، عن الحارث بن عمرو، عن أناس من حمص من أصحاب معاذ، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لما أراد أن يبعث معاذاً. الحديث..

وهذا إسناد ضعيف، فيه ثلاث علل:

(الأولى): أن الصواب فيه أنه مرسل، كما قال البخاري(15)، والترمذي(16)، والدارقطني(17).

(الثانية): الحارث بن عمرو: مجهول، كما قال البخاري في [التاريخ]، وابن حزم، وابن الجوزي، والذهبي، والعراقي، وابن حجر.

(الثالثة): جهالة أصحاب معاذ -رضي الله عنه-، كما قال ابن حزم، وابن الجوزي.

وعليه فالحديث لا يثبت. وقد ضعفه البخاري، والترمذي، والدارقطني، والعقيلي، وابن حزم، وعبد الحق الأشبيلي، وابن الجوزي في [العلل]، وابن طاهر، والعراقي، والسبكي، والألباني.

وإن كان بعض أهل العلم كالخطيب البغدادي، وابن تيمية، وابن القيم، مالوا إلى تقوية الحديث، ورأوا ان الأمة تلقته بالقبول، لكن الأكثر على تضعيفه كما سبق.

ثم لو صح الحديث فهو في حياة النبي -صلى الله عليه وسلم-، ولا إجماع في حياته.

·                   أنه ذكر الكتاب والسنة، وقد دلا على حجية الإجماع كما سبق.

·                   أنه ذكر الكتاب والسنة، وكل مسألة مجمع عليها فهي تستند إلى دليل من الكتاب أو السنة أو قياس يرجع إليهما.

·                   أن غاية ما في الحديث السكوت عن حجية الإجماع، ولم ينف حجيته، ويمكن اعتماد حجيته من أدلة أخرى.

 

تنبيهان:

1- قد صرح غير واحد من الأصوليين بأن هذا القول شاذ لا يعتد به، كابن الحاجب، وشارحه العضد، وابن عبد الشكور، وصديق حسن خان.

2- الخلاف في حجية الإجماع هنا هو في إجماع الخاصة، وهم المجتهدون. أما ما أجمع عليه العامة والخاصة، وهو الإجماع على ما علم من الدين بالضرورة = فلا خلاف فيه. كما قرر ذلك الزركشي في [البحر المحيط] وغيره..

 

[5] بيان ما ورد عن الإمام أحمد -رحمه الله- فيما ظاهره رد الإجماع

وتأويل أهل العلم لذلك:

قد تقرر عند العلماء عامة، وعند الحنابلة خاصة، أن الإمام أحمد يرى حجية الإجماع، وقد استدل به في كثير من المسائل، لكن ورد عنه -رحمه الله- روايات ظاهرها يفيد رد الإجماع، والإنكار على من نقل الإجماع وادعى حصوله، ومن هذه الروايات:

– قال عبد الله بن أحمد بن حنبل: سمعت أبي يقول: (ما يدعي الرجل فيه الإجماع هذا الكذب، من ادعى الإجماع فهو كذب، لعل الناس قد اختلفوا، هذه دعوى بشر المريسي والأصم، ولكن يقول: ’لا يعلم الناس اختلفوا‘).

– وقال المرُّوذي: قال أحمد: (كيف يجوز للرجل أن يقول: ’أجمعوا ‘؟! إذا سمعتهم يقولون: ’أجمعوا‘ فاتهمهم، لو قال: ’إني لم أعلم لهم مخالفاً‘ جاز).

– وقال أبو طالب: قال أحمد: (هذا كذب، ما علمه أن الناس مجمعون؟! ولكن يقول: ’لا أعلم فيه اختلافاً‘ فهو أحسن من قوله: ’إجماع الناس‘).

– وقال أبو الحارث: قال أحمد: (لا ينبغي لأحدٍ أن يدعي الإجماع، لعل الناس اختلفوا).

 

وقد أوَّل ذلك العلماء عدة تأويلات منها:

o      أن هذا محمول على الورع، نحو أن يكون هناك خلاف لم يعلمه، ذكر هذا أبو يعلى في [العدة] ، وأبو الخطاب في [التمهيد].

o      أن هذا محمول على من لم يكن عنده معرفة بخلاف السلف، ذكره أبو يعلى، وأبو الخطاب أيضاً، ومال إليه ابن رجب، وهو الذي يتوافق مع قوله: (هذه دعوى بشر المريسي والأصم) فإن هؤلاء لا علم لهم بخلاف السلف.

o      أن هذا محمول على إجماع من بعد الصحابة، أو بعدهم، وبعد التابعين، أو بعد القرون الثلاثة المفضلة، ذكر هذا شيخ الإسلام ابن تيمية في [المسودة]. قال ابن تيمية: (ولا يكاد يوجد في كلامه احتجاج بإجماع بعد عصر التابعين، أو بعد القرون الثلاثة، مع أن صغار التابعين أدركوا القرن الثالث، وكلامه في إجماع كل عصر إنما هو في التابعين ثم هذا منه).

o      أنه محمول على دعوى الإجماع العام النطقي، ذكره ابن تيمية أيضاً، وابن النجار في [شرح الكوكب المنير].

o      أنه محمول على التعذر، واستبعاد حصوله مطلقاً في كل عصر، ذكره ابن النجار في [شرح الكوكب المنير] ، وابن الحاجب المالكي، وابن الهمام الحنفي.

o      أن هذا محمول على من انفرد بنقل الإجماع دون بقية العلماء، ذكره صاحب [فواتح الرحموت].

o      أن هذا محمول على من يدَّعي الإجماع بمجرد عدم علمه بالمخالف، ثم يقدِّم هذا الإجماع الموهوم على النصوص، وهذا ما ذكره ابن القيم في [إعلام الموقعين] ، ويؤيد هذا قوله: (لعل الناس اختلفوا)، وذكر ابن تيمية عن أحمد، أنه قال -في القراءة خلف الإمام-: (ادُّعي الإجماع في نزول الآية، وفي عدم الوجوب في صلاة الجهر، وإنما فقهاء المتكلمين كالمريسي والأصم يدعون الإجماع ولا يعرفون إلا قول أبى حنيفة ومالك ونحوهما.. ولا يعلمون أقوال الصحابة، والتابعين).

 

الهوامش:

(1)             ذكره الكسائي، والفراء.

(2)             أخرجه الخمسة، الترمذي في [سننه] (حديث: 662)، والنسائي في [سننه] (حديث:2293)، وأبو داود في [سننه] (حديث:2098)، وابن ماجه في [سننه] (حديث:1690)، وأحمد في [مسنده] (حديث:25252). من طريق الزهري، عن سالم، عن ابن عمر، عن حفصة -رضي الله عنهم-، مرفوعاً.. واختلف في وقفه ورفعه.. ورجح البخاري، وأبو حاتم، وأبو داود، والترمذي، والنسائي = وقفه. ورجح ابن خزيمة، وابن حبان، والحاكم، والبيهقي، والخطابي = رفعه. وقال البخاري: (فيه اضطراب)، وقال أحمد: (ماله عندي ذاك الإسناد).

(3)             قال: (باب: ما جاء لا صيام لمن لم يعزم من الليل).

(4)             من شعر الحارث بن حِلِّزَة الجاهلي.

(5)             ذكره أبو علي الفارسي، والراغب في [المفردات]، والزبيدي في [تاج العروس].

(6)             قال في [صحيحه]: (والإجماع عندنا: إجماع الصحابة، الذين شهدوا هبوط الوحي والتنزيل).

(7)             قال: (والإجماع الذي ينضبط: هو ما كان عليه السلف الصالح؛ إذ بعدهم كثر الاختلاف، وانتشرت الأمة).

(8)             رواه أحمد، والطبراني في [الكبير]، وابن أبي خيثمة في [تاريخه] عن أبي نضرة الغفاري بلفظ: «سألت ربي أن لا تجتمع أمتي على ضلالة، فأعطانيها»، وفيه راوٍ لم يسمَّ. ورواه أبو داود، والطبراني في [الكبير]، وابن أبي عاصم في [السنة] عن أبي مالك الأشعري بلفظ: «إن الله أجاركم من ثلاث خلال: أن لا يدعو عليكم نبيكم فتهلكوا جميعاً، وأن لا يظهر أهل الباطل على أهل الحق، وأن لا تجتمعوا على ضلالة». ورواه أبو عمرو الداني في [الفتن] من حديث أبي هريرة، وفيه: يحيى بن عبيد الله بن عبد الله بن موهب، وهو: متروك، ورواه أبو نعيم، والحاكم في [المستدرك] عن ابن عمر رفعه بلفظ: «إن الله لا يجمع هذه الأمة على ضلالة أبدا،ً وإن يد الله مع الجماعة، فاتبعوا السواد الأعظم، فإن من شذَّ شذَّ في النار». وكذا هو عند الترمذي لكن بلفظ: «أمتي» وفي إسناده اضطراب، أشار إليه الحاكم في [المستدرك]، ورواه ابن ماجه، وابن عدي في [الكامل] عن أنس رفعه بلفظ: «إن أمتي لا تجتمع على ضلالة، فإذا رأيتم الاختلاف فعليكم بالسواد الأعظم» وهو ضعيف جداً، في إسناده: أبو خلف الأعمى، واسمه حازم بن عطاء: متروك، واتهمه ابن معين بالكذب، وفيه: معان بن رفاعة: ضعيف أيضاً، ورواه الحاكم عن ابن عباس رفعه بلفظ: «لا يجمع الله هذه الأمة على ضلالة، ويد الله مع الجماعة». ورواه الدارمي عن عمرو بن قيس مرفوعاً بلفظ: «إن الله أدرك بي الأجل المرحوم، واختصر لي اختصاراً، فنحن الآخرون ونحن السابقون يوم القيامة، وأني قائل قولاً غير فخر إبراهيم خليل الله، وموسى صفي الله، وأنا حبيب الله، ومعي لواء الحمد يوم القيامة، وإن الله -عز وجل- وعدني في أمتي، وأجارهم من ثلاث: لا يعمهم بسنة، ولا يستأصلهم عدو، ولا يجمعهم على ضلالة»، وهو منقطع، وفي إسناده: عبد الله بن صالح: ضعيف، فالحديث لا يخلو طريق من طرقه من مقال، كما قال غير واحد من المحدثين.

(9)             أخرجه أحمد، وأبو داود، والحاكم، وروي نحوه من حديث الحارث الأشعري عند الترمذي، وابن خزيمة، وابن حبان، والحاكم، والبيهقي، وغيرهم، ومن حديث ابن عباس -رضي الله عنهما- عند البزار، والطبراني في [الأوسط] وفي سنده: خليد بن دعلج، وفيه مقال.

(10)       أخرجه الترمذي، ورواه ابن ماجه من حديث زيد بن ثابت، ورواه أحمد من حديث أنس بن مالك، وأخرجه أحمد، والدارمي، وابن حبان، والحاكم من حديث جبير بن مطعم، وفي إسناده ضعف. وأخرجه الدارمي من حديث أبي الدرداء، وفي إسناده ضعف. وقد جمع أبو عمرو المديني الأصبهاني رسالة في حديث: (نضَّر الله) فذكره عن ابن مسعود، وزيد بن ثابت، وجبير بن مطعم، وأبي الدرداء، وأبي سعيد الخدري، ومعاذ بن جبل، وبشير بن سعد، والنعمان بن بشير، وشيبة بن عثمان -رضي الله عنهم-.

(11)       أخرجه مسلم من حديث ثوبان -رضي الله عنه-، وهو حديث متواتر كما ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية، والسيوطي، والزبيدي، والكتاني، وغيرهم.. وقد ورد من رواية معاوية بن أبي سفيان، والمغيرة بن شعبة، وجابر بن سمرة، ومعاذ بن جبل، وجابر بن عبد الله، وزيد بن أرقم، وأبي أمامة، وعمر، وأبي هريرة، ومرة البهوي، وشرحبيل بن السمط، وعقبة بن عامر، وسعد بن أبي وقاص، وسلمة بن نفيل الحضرمي، وعمران بن حصين -رضي الله عنهم-، وله عدة ألفاظ.

(12)       قال في [المنخول]: (لا مطمع في مسلك عقلي؛ إذ ليس فيه ما يدل عليه).

(13)       قال في [إرشاد الفحول]: (ذهب أكثرهم إلى أن الدليل على ذلك إنما هو السمع فقط، ومنعوا ثبوته من جهة العقل).

(14)       أخرجه أحمد، وأبو داود، والترمذي، وغيرهم.

(15)       قال في [التاريخ الكبير]: (مرسل).

(16)       قال في [السنن] (ليس إسناده عندي بمتصل).

(17)       قال في [العلل]: (والمرسل أصح).