أيمن ميرغني
الأقوال في تعيين ليلة الإسراء والمعراج:
اختلف العلماء في تعيين ليلة الإسراء والمعراج إلى أقوال كثيرة، قال الحافظ ابن حجر في [الفتح]: (إن في ذلك اختلافاً كثيراً يزيد على عشرة أقوال)(1).
وقد فصّل في ذلك فقال: (اختلف في وقت المعراج..
– فقيل: كان قبل المبعث، وهو شاذ.
وذهب الأكثر إلى أنه كان بعد المبعث. ثم اختلفوا..
– فقيل: قبل الهجرة بسنة (قاله: ابن سعد، وغيره.. وبه جزم النووي، وبالغ ابن حزم فنقل الإجماع فيه! وهو مردود).
– وقيل: قبلها بثمانية أشهر (حكاه ابن الجوزي، وقال ابن حزم: (كان في رجب، سنة اثنتي عشرة من النبوة)).
– وقيل: قبلها بستة أشهر (حكاه أبو الربيع بن سالم).
– وقيل: قبلها بأحد عشر شهراً (جزم به إبراهيم الحربي، حيث قال: (كان في ربيع الآخر، قبل الهجرة بسنة). ورجحه بن المنير في شرح السيرة لابن عبد البر).
– وقيل: قبلها بسنة وشهرين (حكاه ابن عبد البر).
– وقيل: قبلها بسنة وثلاثة أشهر (حكاه ابن فارس).
– وقيل: قبلها بسنة وخمسة أشهر (قاله السدي، وأخرجه من طريقه الطبري والبيهقي) فعلى هذا كان في شوال، أو في رمضان على إلغاء الكسرين منه.
– ومن ربيع الأول (وبه جزم الواقدي) وعلى ظاهره (ينطبق ما ذكره ابن قتيبة).
– وقيل: قبلها بثمانية عشر شهراً (حكاه بن عبد البر. وعند ابن سعد عن ابن أبي سبرة أنه كان في رمضان قبل الهجرة بثمانية عشر شهراً).
– وقيل: كان في رجب (حكاه ابن عبد البر، وجزم به النووي في الروضة).
– وقيل: قبل الهجرة بثلاث سنين (حكاه بن الأثير).
– وقيل: قبل الهجرة بخمس سنين (حكاه عياض وتبعه القرطبي والنووي، عن الزهري، ورجحه عياض ومن تبعه))(2).
فعلى هذا تكون الأشهر المختلف فيها هي: محرم، ربيع الأول، ربيع الآخر، رجب، رمضان، شوال، ذو القعدة. وهذا اختلاف كبير، وأقوال متباينة.
عدم ثبوت أن ليلة الإسراء والمعراج هي ليلة السابع والعشرين من شهر رجب:
ليس في تعيين هذه الليلة نقل يثبت..
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: (لم يقم دليل معلوم لا على شهرها، ولا على عشرها، ولا على عينها، بل النقول في ذلك منقطعة، مختلفة، ليس فيها ما يقطع به)(3).
ومما جاء في أنها ليلة السابع والعشرين من رجب، نقل ذكره الحافظ عبد الغني المقدسي في [سيرته]، وكذا الحافظ ابن كثير في [فضائل شهر رجب]، بإسناد لا يصح، ضعفه الحافظ ابن كثير. والحافظ عبد الغني نفسه اختار أن تكون ليلة الثاني عشر من ربيع الأول(4).
قال الحافظ ابن كثير في [البداية والنهاية](5): (أورد الحافظ عبد الغني بن سرور المقدسي في [سيرته] حديثاً لا يصح سنده، ذكرناه في [فضائل شهر رجب] أن الإسراء كان ليلة السابع والعشرين من رجب).
وقال الإمام ابن دحية الكلبي في [أداء ما وجب من بيان وضع الوضاعين في رجب]: (وذكر بعض القصاص أن الإسراء كان في رجب، وذلك عند أهل التعديل والتجريح عين الكذب، قال الإمام أبو إسحاق الحربي: أسري برسول الله -صلى الله عليه وسلم- ليلة سبع وعشرين من شهر ربيع الأول، وقد ذكرنا ما فيه من الاختلاف والاحتجاج في كتابنا المسمى بـ: [الابتهاج في أحاديث المعراج])(6) . وقال في [الابتهاج]: (قيل: كان الإسراء في رجب، وفي إسناده رجال معروفون بالكذب)(7).
وقول ابن دحية هذا نقله الحافظ ابن حجر في كتابه(8) [تبيين العجب بما ورد في فضل رجب] دون تعقيب(9).
فلما لم يأتِ في تعيين هذه الليلة نقل بسند صحيح، ولا تواتر معتبر، ولا إجماع، فتعيينها بأنها ليلة السابع والعشرين من رجب -أو غيرها- لا يصح. وليس في ذلك إشكال، رغم ما قد كان فيها من أمور عظيمة، كما قد غاب عن المسلمين تعيين الليلة التي انشق فيها القمر، ونحو ذلك.. والله تعالى أعلم وأحكم.
الهامش:
(1) فتح الباري، ط: دار المعرفة، 7/203.
(2) المصدر السابق، نفس الصفحة (بتصرف).
(3) نقله عنه ابن القيم الجوزية في [الزاد]، زاد المعاد، ط:27، الرسالة، 1/58.
(4) كتاب سيرة عبد الغني المقدسي في عداد المفقود، وقد ذكر الزركلي في [أعلامه] أن له مخطوطاً باسم [الدرة المضية في السيرة النبوية]، وكذا كتاب [فضائل شهر رجب] لابن كثير، والاعتماد فيما ذكر على ما ذكره ابن كثير في [البداية والنهاية].
(5) البداية والنهاية، ط: دار الفكر، 3/109 (بتصرف يسير).
(6) أداء ما وجب من بيان وضع الوضاعين في رجب، ط:المكتب الإسلامي، ص: 53.
(7) الابتهاج في أحاديث المعراج، ط: مكتبة الخانجي بالقاهرة، ص:9.
(8) هذا الكتاب مسودة، لم يبيضه الحافظ ابن حجر، كما نص على ذلك الناسخ محمد بن محمد الخضيري.
(9) تبيين العجب بما ورد في فضل رجب، تحقيق: أبو أسماء إبراهيم بن إسماعيل آل عصر، ص:10-11.