المشرف العام الشيخ الدكتور

محمد عبدالكريم الشيخ

علّمونا.. وتعلمنا..!!

علّمونا.. وتعلمنا..!!

علمونا أنّ الدين مظهر من المظاهر الكمالية التي تُزيِّن بها البيوت، ويُكمَّل به الحديث، لا يلامس القلب، ولا ينفذ إلى الجوهر!

وتعلمنا أن الدين الحق تخالط بشاشته القلوب، ويتكامل بين المظهر والجوهر.

علمونا أنّ الدين عباءة تُلبس في المسجد وعند الصلاة وقراءة القرآن، ولكنه يُوضع جانباً في أول محك، وفي أبسط امتحان، فينزع في المناسبات حيث الحفلات الصاخبة التي يسود فيها التبرج، ويفشو فيها الاختلاط، ويتحكم فيها الهوى والشيطان؛ ويخلع في السوق حيث الغش والخداع والربا وأكل أموال الناس بالباطل!

وتعلمنا أن الدين منهاج حياة، وشريعة متكاملة لا تتجزأ ولا تتبعض، وأنه يصحب المسلم في أحواله وأطواره.

علمونا أنّ كثرة قراءة القرآن تفضي إلى الجنون! لذا ينبغي أن يُزين به البيوت فقط، ويُوضع بالقرب من رأس الطفل الوليد ليحفظه من الجن والشياطين! وأن يقرأ في المناسبات أو رمضان لا غير!

وتعلمنا أن القرآن ربيع القلوب ونور الصدور، وجلاء الأحزان، وذهاب الهموم والغموم.

علمونا أنّ القرآن يُقرأ ويحفظ في المدارس والجامعات لإحراز درجات عالية في الامتحانات، لا ليُعمل بما فيه ويتخذ منهاجاً للحياة، بينما يُهجر في الإجازات، وإذا فتحت المدارس والجامعات أبوابها يُحفظ المقرر الجديد وينبذ القديم وراء الظهور!

وتعلمنا أن القرآن نجاة وشفاء، ورفعة في الدنيا والآخرة، من دعا إليه هُدي إلى صراط مستقيم، ومن ابتغى العزة في غيره أذله الله.

علمونا أنّ إطلاق اللحية إرهاب وتشدد، وتقصير الثياب أسوة بالنبي (صلى الله عليه وسلم) تنطع وقشور، بينما محاكاة الممثلين ولاعبي الكرة والفنانين في تصفيفة الشعر واللبس والحركات حضارة وموضة، ومجاراة لأحدث التقليعات والصيحات!

وتعلمنا أن الالتزام بالدين ظاهراً هو قرين الالتزام الباطن، وانعكاس لما في القلوب، واتباع لسنة خير البشر (صلى الله عليه وسلم).

علمونا أنّ الملتزمين هم أكثر الناس عبوساً وتقطيباً للوجوه، وأشدهم قسوة في القلب، وسوءاً في المعاملة!

وتعلمنا أن الملتزمين أضوأ الناس وجوهاً، وأكثرهم تبسماً، وأصفاهم قلوباً، وأطهرهم سريرة.

علمونا أنّ الدين طقوس وشركيات، واستغاثة بالموتي، ودعاء غير الله، وأذكار بدعية جماعية، ورقص وطرب، وضرب على الطبل والدف والطار، ودروشة وعزلة، وبعد عن قضايا الناس!

وتعلمنا أن الدين عقيدة صافية، وإفراد لله بالعبودية، واتباع لهدي النبي صلى الله عليه وسلم، ومخالطة للناس وصبر على أذاهم، وأن من أحدث في الدين أمراً ليس منه فهو مردود عليه، ومحروم من الشرب من حوض النبي (صلى الله عليه وسلم) يوم القيامة.

علمونا أنّ الدين غرائب، وعجائب، وخوارق، وقصص، ومنامات، وحكايات، وسحر، وحُجُب، وتمائم، ورُقى، واستعانة بالجن، ولجوء للدجالين والمشعوذين والعرافين!

وتعلمنا أن الدين أخذ بالدليل الصحيح، واقتفاء لهدي سيد المرسلين، وأن الله تعالى منّ على هذه الأمة بإكمال دينها، وإتمام نعمته عليها.

علمونا أن الدين تحكمه ازدواجية المعايير، ويسوده التناقض، فذات الفتاة التي تتحجب في الجامعة هي التي تتبرج في الحفلات، وذات الرجل الذي يقرأ القرآن في حلقة التجويد بالصباح، هو الذي يصحب زوجته وبناته متبرجات إلى الحفل مساءً!

وتعلمنا أن الله تعالى دعانا للدخول في شرائع الإسلام كافة، ونَبَذَ الذين يؤمنون ببعض الكتاب ويكفرون ببعض، ومقت الذين يقولون ما لا يفعلون، وأن الجنة لا يدخلها ديوث يرضى الخبث في أهل بيته.

علمونا أنّ الدين تعبد شخصي، وعلاقة بين العبد وربه، ولا علاقة له بالحكم والسياسة، فما لله لله، وما لقيصر لقيصر، وأن لا شأن لأحد بدعوة الآخرين أو أمرهم بمعروف ونهيهم عن منكر!

وتعلمنا أن خيرية الأمة نابعة من أمرها بالمعروف ونهيها عن المنكر، وأن ترك ذلك موجب للعذاب، وجالب للنِقَم، وأن الدين شريعة وحياة.

علمونا اتخاذ الدين لعباً ولهواً، فلا مانع أن تذهب الراقصة إلى الحج من الكسب الحرام، ثم تعود فترقص، وإذا ركبت المسرح دعت الله: (يا رب وفقني أهزّ كويس)، بينما يقول لها المتفرجون: متِّعينا يا (حجة)!

وتعلمنا أن الله تعالى توعد الذين اتخذوا دينهم هزواً ولعباً بالعذاب المقيم، والنكال المهين، وبالخزي في الدنيا قبل الآخرة، وأبى الله إلا أن يذل من عصاه.

علمونا تسمية المسميات بغير اسمها، فالحفل الذي يسود فيه التبرج والاختلاط والرقص هو (حفل خيري)، والعلاقات غير الشرعية بين الرجل والمرأة هي (علاقات عاطفية بريئة)، أما الخمر (فمشروبات روحية)، والربا (فوائد)، والرشاوى وأكل أموال الناس بالباطل (تسهيلات وحوافز)!

وتعلمنا أن تسمية المسميات بغير اسمها من التحايل المنبوذ، وأن الله مسخ المتحايلين في بني إسرائيل قردة وخنازير، وتوعد رسول الله صلى فئاماً من هذه الأمة بذات المصير، وأن المتحايلين يخادعون الله والذين آمنوا، وما يخدعون إلا أنفسهم وما يشعرون.

علمونا السخرية من الدين والاستهزاء بأهله والإساءة إليهم، ووصمهم بأفظع النعوت من النفاق والإجرام وحب الطعام والنساء، وإذا شاهدنا المسلسل أو الفيلم اكتشفنا أن الرجل الملتحي كان في الحقيقة زعيم عصابة، أو تاجر مخدرات، أو جاسوساً!

وتعلمنا أن أهل الدين هم أولياء الله المتقين، وأن الله توعد من عادى له وليّاً بالحرب، وأن الإساءة إلى الأولياء إساءة للدين، واستهزاء بالله ورسوله وآياته قد تفضي إلى الكفر عياذاً بالله.

علمونا البطء في أمور الآخرة واللهاث في أمور الدنيا، فلا عجب في مشاهدة الكرة أو المسلسل، أو تجاذب أطراف الحديث، بينما الصلاة تقام في المسجد؛ وفي المقابل لا مانع من النوم في الإجازات عن صلاة الصبح، مع التبكير في الذهاب إلى العمل بقية الأيام، بعد أن تُؤدى الصلاة في البيت على عجل!

وتعلمنا أن الله أمرنا بالمسارعة والمسابقة والتنافس في أمور الآخرةـ، والتريث في أمور الدنيا؛ لأنه خلقنا لعبادته، والرزق بيده وحده سبحانه.

علمونا أن الدين شقاء وعنت ومشقة، وقيود على كل شيء، وحرمان من الطيبات!

وتعلمنا أن الحياة الطيبة، والسعادة الحقيقة، وراحة البال، واطمئنان القلب في التمسك بكتاب الله تعالى وسنة رسوله (صلى الله عليه وسلم)، فلو يعلم الملوك وأبناء الملوك ما يعيش فيه المؤمنون من النعيم لجالدوهم عليه بالسيوف.