المشرف العام الشيخ الدكتور

محمد عبدالكريم الشيخ

حين يصبح الأدب متمرداً على الدين.. مصادماً للقيم..!!

حين يصبح الأدب متمرداً على الدين.. مصادماً للقيم..!!

الأدب فنٌّ إنساني راقٍ، يشف عن موهبة ذواقة، وإحساس مرهف بالوجود، ويكشف عن روح مبدعة تومئ إلى عظيم ملكوت الله عز وجل وبديع صنعه؛ لذا فهو فن يفترض فيه أن يوصل المخلوق إلى خالقه بالتدبر والتفكر، وأن يتناغم مع الكون الذي يسبح لله تعالى، وأن يتسق مع الحياة الدنيا المرتبطة بالحياة الأخرى.

ولكن على النقيض من ذلك نجد أن الأدب الذي يجد موطئ شهرة في سماء النجومية اليوم هو الأدب المتمرد على ضوابط الدين، المنسلخ من قيم المجتمع ومُثُله، الموغل في الغموض بحجة الحداثة، والغارق في الضحالة الفنية بذريعة التجديد، والبعيد عن قضايا المجتمع وهمومه بإسرافه في الذاتية والتجريد!

ومما يؤسف له أن كثيراً من الأدباء الذين ذاع صيتهم بين الناس، وكثيراً من الأعمال الأدبية التي طبقت الآفاق في شهرتها ما نالت من النجومية والجوائز العالمية والمحلية ما نالت إلا حين ضربت بالدين عرض الحائط، وتمرغت في وحل إثارة الشبهات، وتحريك الشهوات، والطعن في الفضائل، وتزيين المنكرات!

لقد رسخ مجموعة من الأدباء والنقاد المفتونين بالحضارة الغربية أن الأدب لا يكون أدباً متميزاً إلا إذا تخطى الخطوط الحمراء، وخلع لباس الدين والقيم! وهم بذلك يريدون أن يجعلوا من مجتمعاتنا المسلمة أمساخاً مشوهة من الحضارة الغربية التي اعتبرت الدين أفيون الشعوب، وتسربلت بلباس الذاتية والتفسخ الأخلاقي تحت ستار الحرية والديمقراطية؛ دون أن يراعوا الفوارق العقدية والتاريخية والاجتماعية بين الشرق والغرب!

فها هو شاعرهم أمل دنقل يقول:

المجد للشيطان معبود الرياح     من قال: (لا) في وجه من قالوا: (نعم)!

وها هو عبد العزيز المقالح يقول:

صار الله رماداً

صمتاً رعباً في كف الجلادين

حقلاً ينبت سبحاتٍ

وعمائم بين الرب الأغنية الثروة

والرب القادم من هوليوود

 كان الله قديماً حباً

 وكان نهاراً في الليل

أغنية تغسل بالأمطار الخضراء تجاعيد الأرض!

وها هو عبد الوهاب البياتي يقول:

 الله في مدينتي يبيعه اليهودْ

الله في مدينتي مشرد طريدْ

أراده الغزاة أن يكون لهم أجيراً شاعراً قواداً

يخدع في قيثارة المذهب العباد لكنه أصيب بالجنونْ

لأنه أراد أن يصون

زنابق الحقول من جرادهم أراد أن يكونْ

وها هو نزار قباني يقول:

هب الشاعر يوماً إلى الله..

ليشكو له ما يعانيه من أجهزة القمع..

نظر الله تحت كرسيه السماوي

وقال له: يا ولدي

هل أقفلت الباب جيداً؟!

وها هو بدر شاكر السياب يقول:

فنحن جميعاً أموات

أنا ومحمد والله وهذا قبرنا أنقاض مئذنة معفرة

عليها يكتب اسم محمد والله

إلى أن يقول:

وإن الله باقٍ في قرانا ما قتلناه

ولا من جوعنا يوماً أكلناه!

فهل هناك تطاول على الذات الإلهية، وتجاوز للحرمات يفوق ما ذكرنا، ممن يسمون اليوم زوراً وافتراءً شعراء الحداثة والتجديد؟!

هذا غير المخالفات الأخلاقية التي تدعو إلى الرذيلة وتحارب الفضيلة، مما يضيق عن ذكره المقام!

أما الروائيون وكُتاب القصة الذين ملؤوا الدنيا وشغلوا الناس، فلا تكاد تخلو أعمالهم الأدبية مما في أشعار رصفائهم من طوام عقدية ومفاسد أخلاقية!

ولنأخذ مثالاً واحداً للطوام العقدية وآخر للمفاسد الأخلاقية في روايتين من أشهر الروايات العربية: (أولاد حارتنا) لنجيب محفوظ، و(موسم الهجرة إلى الشمال) للطيب صالح، وكلاهما من الحاصلين على أوسع أبواب الشهرة، وأرفع الجوائز العالمية والمحلية!

فمن قرأ رواية (أولاد حارتنا) يدرك أن المقصود بالحارة الأرض، وبالجبلاوي بطل القصة  الله – عزَّ وجلَّ – عياذا بالله، وبالحديقة الجنة، وبأدهم آدم عليه السلام، وبأميمة حواء عليها السلام، وبإدريس الذي طرَدَه الجبلاوي مغضوبًا عليه إبليس، فالرواية في جملتها إساءة للذات الإلهية، وافتراء على الأنبياء، وتعدٍّ على المحرمات!

أما رواية (موسم الهجرة إلى الشمال)، فالجنس والفاحشة هما بطلان أساسيان لها، فالبطل (مصطفى سعيد) الذي احتلت بريطانيا بلاده لم يجد ما ينتقم به منها سوى الجنس، فعاث في نسائها فساداً، وارتكب كل محظور ينهى الدين عنه؛ غير آبه بشيء بضوابط شرعية ولا قيم أخلاقية؛ لذا لاتخلو الرواية من مشاهد جنسية فاضحة، وكلمات بذيئة نابية!

لقد فقد الأدب رونقه وبهاءه حين حاول أن يجاري الأدب الغربي ومدارسه التي تحكي ما يعيشه الغرب من اضطراب قيمي وانهيار أخلاقي، وهذا ما جعل الكثيرين يعزفون عنه؛ حين لم فيه إشباعاً لذوقهم، ولا إقناعاً لفكرهم!

ومما يحز في النفس أن تجد أصواتاً نشازاً تنادي بمحاكمة الأدب فنياً والتغاضي في المقابل عن المحاكمة الدينية والأخلاقية له، كأنهم بذلك يريدون تكميم الأفواه فلا تصرح بما فيه سوء أدب وقلة حياء!

إن ما أصاب الأدب من تعدٍّ وتغول يحتم الحاجة إلى إعادة تعريف الأدب من جديد ليرتبط بالخالق جل وعلا، وينسجم مع الكون، فيصبح داعياً إلى الفضيلة، لا راعياً للرذيلة، ويدلو بدلوه في تعزيز القيم ومعالجة قضايا المجتمع، لا أن يعيش في أبراج عاجية ومجردات ومطلقات لا تتصل بواقع الحياة!

وهذا هو الدور المنوط بالأدباء الربانيين الذين يضعون على عاتقهم مهمة الإصلاح، ويسعون لنشر ما ينفع الناس؛ لأنهم يعلمون أنه الشيء الوحيد الذي يمكث في الأرض، أما الزبد والغثاء فيذهبان جفاء وهباءً منثوراً.