المشرف العام الشيخ الدكتور

محمد عبدالكريم الشيخ

صلاح الدين الأيوبي وزير الشيعة

صلاح الدين الأيوبي وزير الشيعة

في الشهور الأولى من سنة (564هـ) صدر الأمر السامي من الباب العالي، الخليفة العاضد العبيدي الفاطمي (الشيعي) بتعيين المجاهد (السني) صلاح الدين الأيوبي، وزيراً للدولة الشيعية خلفاً لأسد الدين شيركوه !!

مانشيتات الإعلام الإسلامي والعربي، بصدد الخبر.

* الإنترنت :

– صلاح الدين الأيوبي الانبطاحي وتولي الوزارة

– إنا لله وإنا إليه راجعون! صلاح الدين يبيع الجهاد بالوزارة، لدى الرافضة …

– سوء الخاتمة؛ صلاح الدين الوزير الشيعي!…

ـ صلاح الدين الأفّاق المنافق؛ أعلن الجهاد للوصول إلى أعتاب عباد الحسين …

* الفتاوى المدبجة :

ما رأيكم فيما قام به صــ …….. ؟؟!!

أرى ردته

بل فاسق

بل باع الدين

وحكمه أن دمه هدر

رايته عمياء

عميل

صناعة الصهيونية العالمية

من الأصل عقيدته ليست على منهج أهل السنة

بيان من (… …) حول موقف صلاح الدين… : فإننا نحذر من هذا الخائن… حيث تولي الوزارة لدى الرافضة الأشرار

* الفضائيات :

برنامج الانبطاحيون… برنامج أسبوعي

مادة هذا اليوم صلاح الدين و

برنامج المنتكسون

ضيف اللقاء

"ألو" معنا اتصال

أرى : أن يتخذ إجراء حاسم للفتنة التي أشعلها هذا المنتكس

"ألو" أرى أن يجمع العلماء لإعلان ردته واستحلال

"ألو" أنا وصلني أن أصوله شيعية…، وأن هذا فيلم (الجهاد) كان حيلة للوصول

* المجالس:

أعوذ بالله لا تذكر هذا الفاسد ذكره ينقض الوضــ

ماذا عندكم عن مسخ العصر صلاح الد…؟

* المطبوعات :

مكتبة (… …) القول المتين في حكم صلاح الدين

مكتبة (…) ولتستبين سبيل المجرمين.. دراسة تأصيلية عن موقف صلاح … للعلامة ……..

*****

– لعلي بالغت، أو لعلي جمحت بخيالي عن الجادة عندما تخيلت حدثاً تأريخياً، كتعيين صلاح الدين الأيوبي وزيراً للشيعة…!

إنه حدث في عصرنا هذا بمجريات أحداثه، ومعطياته في جميع النواحي.

المتأمل في كتب التأريخ… والمتقصي لها عن كثب ودراية…

يصعب عليه أن يجد في أي وسط – علميًا كان أو عملياً – رد فعل سلبي مناهض لما فعله المجاهد الشاب صلاح الدين (33 سنة)؛ يكفره، أو يدينه، أو يقصيه، أو يصنفه …!

نعم …!تولى صلاح الدين الوزارة للشيعة؛ وفي عصره العلماء، وطلبة العلم، والمحتسبون والخطباء، والوعاظ، وغيرهم؛ ممن يملكون ألسنة كألسنتنا، وقلوباً كالتي بين جوانحنا!.

إذًا من أين أتانا خلل الاتهامية، والإقصاء، والتصنيف ودعوى الانبطاحية؟!

ـ لعله من البعيد عن الصواب ؛ أن يعتقد بعضنا أن صلاح الدين كان يختزل الإسلام، وفهمه، ودعوته؛ في ذبابة السيف.

ومن تفرس كتب التأريخ، وقلّب فيها خواطره، ولم تستعجم عليه فصوله، وتبصر أحداث سنوات ( 564 ـ 567 هـ) لا ينقضي عجبه من شخصية هذا المجاهد؛ الذي لا يعرف عنه الكثيرون إلا السيف لغةً؛ والجهاد طريقاً في حل أزمات الأمة.

أصبح صلاح الدين وزيراً سنياً، في دولة شيعية، وقرابة الثلاثة أعوام المذكورة والخطباء في دولة صلاح الدين السني، يدعون للعاضد الرافضي، على منابرهم، بالفسحة في الدين والدنيا، ويعلنون الولاء المقدس، لناصر المعصومين، وحامي الإمام الغائب!.

فهل كان صلاح الدين انبطاحياً..؟! انتكس بعد جهاد.!، وارتكس بعد سنة ورشاد..!

أم أن وراء الأحداث شخصية مختلفة، ونبوغ فذّ، وصفحات مضيئة في حياة هذا المجاهد لا نعرفها…؟! إذ إننا كثيراً ما نقرأ قراءة انتقائية؛ لنقصي بها من نشاء وندني بها من نريد.

إن صلاح الدين – كما تذكر المصادر – لما تولى الوزارة لدى الشيعة في مصر (وهو السني النظيف طاهر الإزار) وجد أمامه أناساً تجذَّرت فيهم عقائد الشيعة الباطنية؛ لأسباب كثيرة.

وهم محتاجون في دعوتهم إلى رجل محنك في تقليب وجوه الرأي، وتصريف أعنة الأمور، والتماس وسائل النجح من مآتيها .

والرجل – لعمري – كان سريع الفطنة، صادق الحدس، شاهد اللب، يقظ الفؤاد، مع ما هو عليه من تقوى، وزهد، وورع، وأدرك أن استعمال السيف، أو إصدار القوانين أو المصادرة أو الإلغاء والتقاطع وما شابه من وسائل مع العامة لا يفي بمشروعه؛ مع امتلاكه لها، إذ ليس كل من شهر السيف يقال عنه مجاهد!.

ومن هنا يرجع الأمر إلى الاجتهاد الذي قد يصيب ويخطئ، والمصيب له أجران والمخطئ له أجر، وكما أن تسمية المجاهد الحق إرهابياً أو خارجياً أو باغياً من أكبر الخطأ؛ فكذلك تسمية الباغي أو الخارجي – الذي لم يهتد بهدي السلف، وأهدر علماء عصره – مجاهداً، من الافتئات على الدين..!!

                                  وَوَضْعُ النَّدَى فِي مَوْضِعِ السَّيْفِ بِالعلا      مُضِرٌة كَوَضْعِ السَّيفِ فِي مَوضِعِ النَّدَى

ـ وإنك ليذهب بك العجب كل مذهب، من إجراءات صلاح الدين في تأليف أهل مصر، طيلة ثلاث سنوات:

بداية: لم يجد صلاح الدين حرجاً، من تولي هذا المنصب (وهو السني)، ولم يأبه بقيل وقال، إذ لديه مشروع إصلاحي يسعى لتنفيذه، ويا ليتنا نعي هذا الدرس.

1- عدم قطع الخطبة، والدعاء على المنابر، للعاضد الرافضي. 

وبهذا الأمر، يتوضح لنا فقه هذا الرجل، وسعة مداركه، ونظره إلى مرمى البصر وليس تحت قدمه، ومعرفته بسياسة الأمور، وكيفية دعوة الأمم والدول، دون أدنى تحرّج أو اعتذار، أو بيان حسن نيّة، لما أقدم عليه.

2- بدأ صلاح الدين يعمل على نشر المذهب السني بين أهل مصر؛ فأنشأ مدرستين للفقه: مدرسة الناصرية، لتدريس فقه المذهب الشافعي، وأخرى تسمى القمحيّة لتدريس فقه المذهب المالكي.

وهنا نلمح حرصه على التعددية، والرأي الآخر، وعدم التعصب.

3- بدأ تدريجياً في عزل القضاة الشيعة، وتعيين قضاة من أهل السنة.

4 ـ بدأ صلاح الدين يُعني بالبِنية التحتية لأهل مصر؛ فسوّر الأسوار، وبنى القلاع (قلعة الجبل) وأعلى الأبراج.

5 ـ عمل صلاح الدين على استقرار النظم الإدارية، واستحدث منصب نائب السلطان، وأنشأ ديوان النظر للمالية، وديوان الإنشاء، وديوان الجيش، وديوان الأسطول وغير ذلك.

6 ـ عُني بالوضع الاجتماعي، حيث التخفيف من معاناة الناس، فألغى الضرائب عمن يمر بمصر للحج، وأولى الفقراء، والغرباء عناية عظيمة، حتى إنه خصص مسجد ابن طولون للفقراء الذين لا يجدون مأوى.

7 ـ وأهم من ذلك كله؛ الصلاح النفسي الشخصي في خلقه هو – رحمه الله – والكتب مليئة، بأروع الأمثلة، والقصص التي سُجلت حجة على من بعده؛ تسامحاً، وتقوى ورعاية لشعوبه، وورعاً عن المحرمات.

ولما تأكد صلاح الدين من أن القاعدة العريضة من أهل مصر قد أصفوه ودَّهم، وآثروه بإعزازهم، وأن له في كل نفس موضعاً، وأنه تقاسمهم الوفاء، سماحة وخلقاً ورعاية لمصالحهم، ورأى انتشار المذهب السني فيهم؛ فقطع الخطبة والدعاء على المنابر للعاضد الفاطمي، وحوله للخليفة العباسي؛ إعلاناً بأن مصر أصبحت سنية بعد تشيعٍ، وأن الدولة الفاطمية كان آخر عهدها على يديه.

إذًا هناك جوانب إصلاحية، ودعوية في شخصية صلاح الدين، غفل عنها البعض، واختزلها آخرون في صفحته الجهادية فقط.

ـ لم يسجل التأريخ لنا من العلماء أو طلبة العلم، أو الجهاديين شيئاً من تكفير، أو تفسيق، أو إلغاء، رغم أن الوضع كان يسمح بذلك.

ـ تحويل الأمة المصرية من رافضة إلى سنية يدل دلالة واضحة على صحة طريقة صلاح الدين، وأنه يجب أن نضع الأمور مواضعها. 

– قراءة التأريخ مهمة جداً، حيث عصفت بالأمة الإسلامية أزمات وشدائد وحروب وفتن، ومن الجيد معرفة طرق التعامل مع مثل هذه الظروف، وألا نختزل العلاج في خيار واحد، أو طريقة واحدة.

ـ لماذا لا ينشغل كل منا بمشروعه الإصلاحي، سواء على مستواه الشخصي، أو الجماعي، أو الأممي في شتى نواحي الحياة: من جهاد، وتربية وتعليم، حتى الزواج والتفكير الجدي فيه، وتكوين أسرة، هو من الصالح النافع الذي يخدم هذا الغرض.

عن أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صلى الله عليه وسلم): (( إِنْ قَامَتِ السَّاعَةُ وَبِيَدِ أَحَدِكُمْ فَسِيلَةٌ فَإِنِ اسْتَطَاعَ أَنْ لاَ يَقُومَ حَتَّى يَغْرِسَهَا فَلْيَفْعَل)).

ـ ثلاث سنوات مرت على صلاح الدين، بيننا وبينها بون شاسع، وشقة بعيدة لو أردنا المقارنة بمواقف بعض شبابنا وأبنائنا عندما يرون من دعاتهم ومصلحيهم وعلمائهم موقفاً إصلاحياً لا يستطيعون تمريره.

ـ كان صلاح الدين يمتلك السنان والبنان ومع ذلك لم يستخدم السنان في تحويل مصر إلى سنية، بل فطن لجانب آخر من الدعوة.

فما الذي يمكن أن نطالب به أنفسنا وعلماءنا ومصلحينا وحكامنا ونحن والحمد لله في ربوع ما زالت السحب فيها تبشر بالغيث؟!

المصدر: الإسلام اليوم