المشرف العام الشيخ الدكتور

محمد عبدالكريم الشيخ

الـ (فيس بوك) في السودان.. ما بين الفائدة والترويح

الـ (فيس بوك) في السودان.. ما بين الفائدة والترويح

E.mail: medo1199@hotmail.com

مثلت مواقع التواصل الاجتماعي وبشكل خاص موقع (فيس بوك) نقلة نوعية في عملية التفاعل وتشارك وتواصل المجتمعات فيما بينها.

كما دعمت فكرة تواصل الأجيال، باعتبار أن فضاء الفيس بوك مجتمع مفتوح للكل وليس مغلقاً، فكل شخص (مشترك) يمكنه إرسال ومشاركة إنتاجه وأفكاره وبثها بكل سهولة للآخرين، مع رجع صدى آني ولحظي في كثير من الأحيان.

وموقع (فيس بوك) بالعربية، وبالإنجليزية Facebook عبارة عن شبكة اجتماعية يمكن الدخول إليه مجاناً وتديره شركة (فيس بوك) محدودة المسؤولية كملكية خاصة لها؛ فالمستخدمون بإمكانهم الانضمام إلى الشبكات التي تنظمها المدينة أو جهة العمل أو المدرسة أو الإقليم، وذلك من أجل الاتصال بالآخرين والتفاعل معهم.

كذلك، يمكن للمستخدمين إضافة أصدقاء إلى قائمة أصدقائهم وإرسال الرسائل إليهم، وأيضاً تحديث ملفاتهم الشخصية وتعريف الأصدقاء بأنفسهم.

وحسبما جاء بموسوعة ويكبيديا الحرة، فقد قام (مارك زوكربيرج) بتأسيس الفيس بوك بالاشتراك مع كل من (داستين موسكوفيتز، وكريس هيوز) اللذين تخصصا في دراسة علوم الحاسب وكانا رفيقي (زوكربيرج) في سكن الجامعة عندما كان طالباً في جامعة هارفارد.

كانت عضوية الموقع مقتصرة في بداية الأمر على طلبة جامعة هارفارد، ولكنها امتدت بعد ذلك لتشمل الكليات الأخرى في مدينة بوسطن وجامعة آيفي ليج وجامعة ستانفورد، ثم اتسعت دائرة الموقع لتشمل أي طالب جامعي، ثم طلبة المدارس الثانوية، وأخيراً أي شخص يبلغ من العمر 13 عاماً فأكثر.

يضم الموقع حالياً أكثر من مليار مستخدم على مستوى العالم، وقد أثير الكثير من الجدل حول موقع الفيس بوك على مدار الأعوام القليلة الماضية، فقد تم حظر استخدام الموقع في العديد من الدول خلال فترات متفاوتة، كما حدث في سوريا وإيران.

كما تم حظر استخدام الموقع في العديد من جهات العمل لإثناء الموظفين عن إهدار أوقاتهم في استخدام تلك الخدمة. كذلك، مثلت انتقادات موجهة إلى الفيس بوك مخاوف بشأن الحفاظ على الخصوصية واحدة من المشكلات التي يواجهها رواد الموقع، وكثيرًا ما تمت تسوية هذا الأمر بين طرفي النزاع.

كما يواجه موقع الفيس بوك العديد من الدعاوى القضائية من عدد من رفاق زوكربيرج السابقين الذين يزعمون أن الفيس بوك اعتمد على سرقة الكود الرئيسي الخاص بهم وبعض الملكيات الفكرية الأخرى.

ونشر موقع (عالم التقنية) المتخصص في البحث ونشر الأخبار التقنية دراسة قدر فيها عدد مستخدمي الفيس بوك في العالم بمليار شخص مستخدم، فيما اختلفت التقديرات في مواقع أخرى، لكنها جميعها تؤكد الكم الهائل من المستخدمين للموقع الشهير.

أما في الشرق الأوسط فالدراسات أكدت أن حجم الاستخدام لا يختلف كثيراً عن بقية الدول الغربية؛ لأن موقع (زاجل) الإلكتروني نشر وقال إن هناك ثلاث دول عربية هي مصر والسعودية والمغرب تستخدم الفيس بوك بنهم أكثر، إذ أن متوسط عدد المستخدمين في هذه الدول يصل إلى نسبة 40% من عدد السكان، وقطع بهيمنة الشباب، وكشفت الدراسة أن ثلث هولاء المستخدمين من الإناث.

وذكرت وكالة سونا للأنباء عبر موقعها أن السعودية تصدرت منطقة الشرق الأوسط في عدد مستخدمي فيس بوك حسب الموقع العالمي للإحصاء، ونشر الموقع إحصائية لدول الشرق الأوسط توضح عدد السكان ومستخدمي الإنترنت وفيسبوك حتى نهاية ديسمبر 2011 .

وقال الموقع "تجاوز عدد مستخدمي الإنترنت بالمملكة 11 مليونا و400 ألف مستخدم حتى نهاية العام الماضي، بنسبة 43.6% من عدد السكان، لتحل المملكة في المرتبة الثانية بعد إيران التي يتجاوز مستخدمو الإنترنت فيها 36 مليون مستخدم، نقلا عن تقرير من صحيفة "الرياض" السعودية.

وأكد الخبر تفوق المملكة العربية السعودية وقال: تفوقت المملكة في عدد مستخدمي "فيسبوك"، 4.534.760 مستخدماً، على جميع دول الشرق الأوسط بما فيها دول يتجاوز عدد سكانها 70 مليون نسمة، وجاءت الإمارات بالمركز الثاني والأردن في المركز الثالث.

أما بخصوص السودان فقد قُدر عدد المستخدمين حسب بعض الدراسات بما يفوق المليون شخص، لكن موقع عالم التقنية نشر دراسة قدرت المستخدمين للفيس بوك بالسودان 747115 شخص، وقدرها موقع (الاقتصادي سوريا) في دراسة أخرى بعدد  405222 مستخدم بنهاية العام 2011م ،وجاء السودان حسب الدراسة في المرتبة العاشرة بين الدول العربية.

تختلف قدرة الشعوب وتفننها واستفادتها من موقع فيس بوك، لكن كثير من المفكرين والكتاب والمبدعين والمشاهير أصبحوا يستخدمون الموقع لنشر وبث إنتاجهم وأفكارهم عبره، إلا أن نظرة البعض للمستخدمين في السودان كانت سلبية.

ففي مقال منشور بصحيفة آخر لحظة تحت عنوان (الفيس بوك النسخة السودانية) بتاريخ 23 يوليو 2011م كتب عماد الدين الفكي يقول: "هنا في السودان نجد المجموعات على أسماء مناطق أو مدن أو مجموعات، روابط معجبين لنجوم فن أو روابط خيرية ومؤسسات تعليمية لخلق حالة من الحوار والتواصل والمساعدة في أعمال الخير والترابط الاجتماعي وإثراء نقاشات فكرية معززةً حالة من الوعي والمسؤولية لعمل شئ ذي قيمة يفيد المجتمع".

وقطع باختلاف مفهوم الاستخدام وأغراضه فيما بين السودان والمجتمعات الغربية مؤكداً بقوله: "الفيس بوك في المجتمعات الغربية يختلف تماماً عن استخدامه بين المستخدمين السودانيين، فبينما لا يتجاوز استخدام الفيس بوك من قبل المستخدمين في أوربا مثلاً الدخول إلى الحساب كل بضعة أيام، وربما المشاركة برابط لمقطع موسيقي، ويكون استخدام الحساب بصورة أكبر للشباب الأصغر سناً وتعليقهم يكون على مزاجهم أو ما يتعرضون له من مواقف في الحياة بشكل مختصر".

ويضيف "في السودان الأمر مختلف، فالاستخدام يكاد يكون شبه يومي بالمشاركات الكثيرة والتعليقات والمواضيع، ويكون حتى أثناء الدوام، ولا فرق في أعمار المستخدمين، فالكل يهدر وقته"، أي أن الكاتب يعتبره إهدارا للوقت.

وفي ختام المقال يخرج الكاتب بنتيجة غير سعيدة مفادها أن المستخدمين السودانيين للفيس بوك تنحصر اهتماماتهم في جانب الترويح عن النفس والتخفيف عنها من ضغوط الحياة اليومية..

ويقلل من نسبة النشاطات الإبداعية المفيدة ويقرر بأن النشاطات الأخرى لا تجذبهم إلا بنسبة ضئيلة.

كنت قد نشرت مقالاً سابقاً بالصحف السودانية عن الفيس بوك عنونته بـ (الفيس بوك في السودان.. كل إناءٍ بما فيه ينضحُ) تطرقت فيه للفرص التي منحنا إياها الموقع للتواصل مع الآخرين دون التقيد بالمكان والزمان والعمر أو الجنس.

وذكرت العديد من الفوائد والإيجابيات التي جنيناها منه كما تطرقت لمشكلاته أيضاً، فالفيس بوك والإنترنت والشبكة العنكبوتية بشكل عام عالم ملئ بالابداع والثراء والتنوع لمن أراد ذلك، كما أنه زاخر أيضاً بـ"الهـيافة" والهـبوط والضـجيج الذي لا فائدة منه لمن يبحث عنه أيضاً.

منحنا هذا الفيس بوك الفرصة للتعرف على مبدعين في كل المجالات، كتاب وشعراء يكون بإمكانهم الفرصة للوصول إلى الناس، ولم نكن نحن لنلم بتفاصيل كتاباتهم أو لنقرأ لهم دون الدخول والمشاركة في هذا العالم الشبكي، شباب وشابات يمثل الإبداع بالنسبة لهم محطة تجاوزوها مبكراً.

فأسماء مثل زرياب العقلي الذي يكتب مقالاته الجميلة ويبثها تحت مسمى رسائل زرياب العقلي لم تكن ستصلنا لو لم ينشرها عبر الموقع الاجتماعي، وكتابات "مهند كفاءة"، وطلال التجاني وكثير من الشعراء والكتاب الشباب لم تكن تطرق أبوابنا، كما أن شاعرات كـ "مناهل إسماعيل"، "بت القصيد" نمارق سر الختم، نهاد يوسف، إقبال وراق، إسراء كشان، ابتهال عبد الله، امتثال عبد الله، وسحر مسيك".

وهذا على سبيل المثال طبعاً لا الحصر، وغير هولاء كُثر، لم نكن لنستطيع الاستمتاع بإبداعهم وكتاباتهم لولا هذا الفيس بوك العجيب، لأن كل من ذكرتهم لم ينتشروا إلاّ بعد بروزهم عبر الفيس بوك وتفاعل الآخرين مع كتاباتهم ونشاطاتهم.

غير أن أكثر ما يؤسف في مواقع التواصل الاجتماعي هذه، تلك المساحة الواسعة من الحرية التي تمنح البعض فرصاً وبراحات للتطاول والتجني واستهداف الآخرين دون وجه حق.

وصفحات هذه المواقع الاجتماعية وساحاتها حافلة ومليئة بالأخطاء الإملائية والنحوية، ولن نمضي في سردها وتفصيلها؛ لاعتبارات وأسباب عديدة ليس هذا محل تحليلها،كما أن المتابع الحصيف لن يستطيع الحكم وتقييم الأشياء بعدد التعليقات والاستحسان التي يمكن أن تخدع القارئ من أول برهة؛ لأن كلمة تافهة أو بسيطة يمكن أن تجلب مئات المعجبين، عكس الموضوعات الرصينة التي تعتبر دائماً الأقل اهتماماً.

لكن بالرغم من كل ذلك، تظل الحقيقة التي لا جدال حولها، وهي أن مواقع التواصل الاجتماعي كلها وموقع (فيس بوك) بشكل خاص قد مثلت قناة مهمة للتواصل الثقافي والاجتماعي والفكري بين الأفراد والمجموعات والكُـتاب والشعراء المبدعين بل معظم المشاهير.

وأصبحت منبراً فريداً لتلاقي وتلاقح ونشر الأفكار جديدها وقديمها، خيرها وشرها وحقاً (كُـل إنـاءٍ بمـا فيـه ينضـحُ)