المعارضة السودانية: رحلة بلا رواحل 2-3 تحالف قوى الإجماع الوطني.. كيان انتهت مدته الافتراضية بعد رحلة طويلة من التجمع والتفرق، التقت الأحزاب المعارضة لحكومة الإنقاذ في مؤتمر جوبا 2009م، الذي نظمه الحزب الشريك للمؤتمر الوطني في حكومة الوحدة الوطنية (الحركة الشعبية).. وتمخض عن هذا المؤتمر ما عُرف بأحزاب تجمع جوبا.. ورغم المخرجات التي خرج بها […]
المعارضة السودانية: رحلة بلا رواحل 2-3
تحالف قوى الإجماع الوطني.. كيان انتهت مدته الافتراضية
بعد رحلة طويلة من التجمع والتفرق، التقت الأحزاب المعارضة لحكومة الإنقاذ في مؤتمر جوبا 2009م، الذي نظمه الحزب الشريك للمؤتمر الوطني في حكومة الوحدة الوطنية (الحركة الشعبية)..
وتمخض عن هذا المؤتمر ما عُرف بأحزاب تجمع جوبا..
ورغم المخرجات التي خرج بها مؤتمر جوبا، وصاغها في شكل شروط للمشاركة في الانتخابات، وتتمثل في:
تعديل القوانين لتتوافق مع الدستور الانتقالي لسنة 2005م، حل مشكلة دارفور، ترسيم الحدود بين الشمال والجنوب، الاتفاق علي معالجة مقبولة لمشكلة التعداد السكاني، قومية أجهزة الدولة وخاصة الاعلامية بوضعها قبل فترة كافية تحت اشراف المفوضية القومية للانتخابات لضمان عدالة الفرص بين الأحزاب.
رغم تلك المخرجات، إلاّ أن الحركة الشعبية كانت تطمع من وراء دعوتها للمؤتمر، في الضغط على شريكها في الحكم المؤتمر الوطني – الذي وصف المؤتمر بأنه (محاكمة للإنقاذ) – من أجل الخروج بمكاسب في الانتخابات..
وكان لها ما أرادت، حيث توصلت بعده إلى تفاهمات مع المؤتمر الوطني، نتيجة لها أعلن الأخير، دعمه لمرشحي الحركة في الجنوب، ثم توقفه عن النشاط السياسي في الجنوب، وحل أجهزته التنظيمية هناك..
وما أن حصلت الحركة الشعبية على مبتغاها حتى تخلت التجمع الذي فقد كثيراً من أسباب قوته، بعد أن بلغت به الحركة الشعبية شوطاً محدداً في سباقها التنافسي مع شريكها في الحكم..
ثم ألقت عنها أعباءه بعد الانتخابات التي أوصلتها لحكم الجنوب.. ثم طوت صفحته التأريخية بعد الانفصال.
وكعزاء لطيف، ومواساة جميلة، وجه سلفاكير ميراديت حديث المجاملة لقيادات أحزاب التجمع في لقاء جمعه بهم قبيل إعلان انفصال الجنوب في يوليو 2011:
"أنتم حليف إستراتيجي في المستقبل لتقوية العلاقة مع (الحركة) ونحتاجكم في الجنوب لأن الشعب إذا انفصل جغرافياً لن ينفصل سياسياً"
اسم جوبا سقط بالتقادم عن التجمع ذي الأحزاب الـ 17، واستبدل بمسميات أخرى في أدبيات السياسة السودانية، بعضها رسمي، وبعضها اصطلاحي؛ تحالف قوى الإجماع الوطني..
تجمع أحزاب المعارضة السودانية..
ظل التجمع، كياناً مترنحاً تؤوب إليه أحزاب المعارضة السودانية إذا دعت الحاجة إلى إظهار نوع من التكتل في وجه السلطة..
الكيانات الكبرى الرئيسة المكونة للتجمع، بعد خروج الحركة الجنوبية عنه.. فضلت التمترس بسياجاتها التنظيمية، المؤتمر الشعبي، وحزب الأمة القومي، والحزب الشيوعي السوداني..إلخ.. ولم يعد يمثل لها سوى منبراً تفيئ إليه عند الحاجة..
بينما تشبثت به أحزاب صغرى، مثل حزب البعث، والناصريين.. وشخصيات لا جسم وراءها، أمثال فاروق أبو عيسى رئيس التجمع، الذي وجد فيه غلافاً فارغاً يتسمى به في الأوساط السياسية!!.
كثيراً تنفجر الخلافات بين تلك الأحزاب المتحالفة، إلى درجة يطالب فيها بعض تلك الأحزاب بتجميد عضوية البعض، مثلما حدث في الخلاف بين حزب الأمة، وحزب البعث؛ حيث طالب حزب البعث بتجميد عضوية حزب الأمة في التجمع، لموقفه غير الواضح من حكومة الإنقاذ، فرد عليه حزب الأمة بوصف فكره بأنه مدمر للوحدة الوطنية.. مما جعل الأول يستشيط غضباً مطالباً الأخير بالإعتذار العلني..
وأحياناً ينفجر الخلاف بين الشعبي والأمة، إلى الدرجة التي يصف فيها الصادق المهدي الترابي بـ" الساقط الذي يحمل قلمه ليصحح"!!..
في كثير من المواقف يطفح إلى السطح بشدة تباين الرؤى بين الكيان التحالفي، وبين الأحزاب المكونة له.. فمثلاً يتبنى التجمع وثيقة الفجر الجديد، ويوقع عليها ممثلو الأحزاب في التجمع.. في حين تعلن أحزابهم تبرؤها من الوثيقة.. هذا ما حدث مع حزب الأمة، والمؤتمر الشعبي، بل وحتى حزب البعث نفسه..
طرح التجمع خطته لإسقاط النظام، فيما سُمي (بخطة المائة يوم).. نسبة للفترة التي حددها التجمع لإسقاط النظام…فسقطت الخطة نفسها قبل سقوط النظام، بألسنة الأحزاب المكونة للتجمع، حيث سخر منها الصادق المهدي، واعتبرها (مضحكة)!!.. وانتقدها المؤتمر الشعبي وبقية الكيانات.
التباين الأكبر بين التجمع الوطني، والأحزاب الكبرى المشاركة فيه، يكمن في تخبط رؤيته في قضية التغيير، فهو لا يتبنى خطاً واضحاً بين التغيير السلمي، أو التغيير بالقوة.. بينما تلك الأحزاب تميل إلى التغيير السلمي، أو سيناريو الثورة الشعبية.
آخر الأطروحات التي ألقى بها التجمع هي مبادرة طرحها (لتشكيل حكومة انتقالية)، احتوت 11 بندا رئيسيا، منها:
التوافق على وضع انتقالي بسلطة ودستور انتقاليين، وإعلان فوري لوقف اطلاق النار في جميع جبهات القتال، واطلاق سراح الأسرى والمعتقلين والمحكومين لأسباب سياسية، والغاء كافة القوانين المقيدة للحريات، والتقيد بممارسة التعددية السياسية والفكرية والثقافية، ومحاكمة منتهكي حقوق الانسان ومبددي المال العام.
واقترحت المبادرة مدة ثلاث سنوات للفترة الانتقالية المفترضة، ومشاركة كافة القوى السياسية في ادارة شؤون البلاد، وعقد مؤتمر دستوري لوضع معالجات متفق عليها لكافة قضايا البلاد.
وطالبت بضرورة تعويض النازحين واللاجئين، والاستجابة للمطالب المشروعة للمناطق المأزومة، ووضع معالجات متفق عليها مع حاملي السلاح، والتأكيد على أهمية معالجة كافة القضايا العالقة مع دولة الجنوب.
من الواضح أن المبادرة تحمل عناصر فشلها، في نصها، وفي الآليات لتحقيقها.. فهي في الحقيقة تكرار لمخرجات مؤتمر جوبا، التي تتضمن بعض البنود التي لا يمكن أن تقبل بها الحكومة، من قبيل إلغاء كافة القوانين المقيدة للحريات، ومن قبيل محاكمي منتهكي حقوق الإنسان ومبددي المال العام!!.
كما أن التجمع ليس لديه آلية للضغط على الحكومة للموافقة على مطالبه، مثل التظاهرات الحاشدة، والاعتصامات، أو العصيان المدني!!.
من الواضح أيضاً أن التجمع في طريقه للتحول إلى منتدى سياسي، أو منبر لطرح الرؤى السياسية، أكثر من كونه كياناً قادراً على الفعل وإحداث التغيير!!.
ولكن لماذا في هذا التوقيت بالذات، يتناسى التجمع خطة الـ100 يوم، ويطرح مبادرة تصالحية؟!.. سؤال وجيه، خاصة إذا كان ذلك الطرح يجيء بعد مؤتمره الأخير في جنيف، ومتزامناً مع حراك، تقوده الحكومة السودانية متمثلة في قمتها، الرئيس البشير، الذي بدأ جولة لقاءات وتفاهمات مع زعماء القوى السياسية السودانية، ابتدأها بالصادق المهدي..
ومتزامناً كذلك مع اتجاه الحكومة لإجراء تعديل وزاري، تدور حوله الكثير من التكهنات.. ومتزامناً كذلك مع لقاءات سرية بالحركات المسلحة يقوم بها نائب الرئيس، الحاج آدم – القيادي السابق بالمؤتمر الشعبي – من أجل إدامجها في وثيقة الدوحة..
وفي نفس الوقت يقود حزب الأمة القومي لقاءات مع مكونات المجتمع الدولي، يطرح فيها رؤيته حول التغيير السلمي، وحول المعارضة المنقسمة، والعاجزة عن إحداث اختراق لصالح مشروع الإطاحة بالنظام، بحسب تعبير مريم الصادق المهدي التي قادت بعض تلك اللقاءات.
يريد التجمع أن يثبت أنه قادر على الفعل، وأنه يملك رؤية للتغيير، ولكنها محاولة بائسة، لا اجتهاد فيها.. لأنه لم يرهق نفسه في إعادة صياغتها بصورة أفضل مما كتبت به قبل أربعة أعوام!!.
والحقيقة التي يراها كثير من المحللين، أن التجمع هو مرحلة كانت لها أهداف محددة، وانتهت بانتهاء مدتها الزمنية، ولكن بعض القوى السياسية، تحاول تمديد تلك المرحلة.. بلا جدوى، حيث بدأت كثير من القوى السياسية المكونة له تحزم أوراقها لمغادرة أروقته، وأولها الحزب الشيوعي، ثم حزب الأمة.