يتابع الكثيرون بشيء من الإحباط الممزوج بالحيرة صمت الحكومة السودانية عن الأوضاع الإقتصادية والسياسية المزرية التي تعاني منها البلاد. سيما بعد التصريحات الاستفزازية التي صار يطلقها بعض أركان النظام حول إمكانية رفع الدعم بشكل كامل عن المحروقات، وهو ما يعنِي أنّ الأسعار المرتفعة هذه الأيام ستبلغ أرقاماً قياسية؛ إذا ما طبق المؤتمر الوطني الحاكم سياسيته […]
يتابع الكثيرون بشيء من الإحباط الممزوج بالحيرة صمت الحكومة السودانية عن الأوضاع الإقتصادية والسياسية المزرية التي تعاني منها البلاد.
سيما بعد التصريحات الاستفزازية التي صار يطلقها بعض أركان النظام حول إمكانية رفع الدعم بشكل كامل عن المحروقات، وهو ما يعنِي أنّ الأسعار المرتفعة هذه الأيام ستبلغ أرقاماً قياسية؛ إذا ما طبق المؤتمر الوطني الحاكم سياسيته القائمة على ضغط المواطن، وإهمال الموارد الغير بترولية التي كان يمكن أن تدر عليه دخلاً يغنيه عن التضييق على الشعب.
الحكومة التي وقف معها السودانيون في ظروف مختلفة، لم تنتبه إلى ضرورة مكافئة الناس على وقفاتهم القوية في السراء والضراء، وبدلاً من أن تستخدم أموال النفط قبل إنفصال الجنوب في تخفيف الضائقة المعيشية؛ بعثرت الأموال في مشاريع غير ملموسة النفع.
وبفعل عدم الرقابة والمحاسبة، طفح تقرير المراجع العام بالتعدي على المال العام؛ عاماً تلو الآخر، فلا تسمع أو ترى أنّ هنالك أموالاً عادت إلى خزينة الدولة بعد اختلاسها، أو شخصاً تمت محاسبته على فعلته على رؤوس الأشهاد ليكون عبرةً لغيره.
صمت الشعب السودان كل مرة يتم فيه التضييق عليه؛ أغرى المؤتمر الوطني بمواصلة الضغط الإقتصادي، وبذرائع مختلفة ومكررة، لم تعد تقنع أهل الحزب الحاكم أنفسهم، دعك من المواطن الذي بات يراقب الأوضاع بدقة، وكل أحاديثه في المركبات العامة صارت عن الوضع السياسي الراهن.
وما لا يدركه أهل الإنقاذ أو يتجاهلونه أنّ المواطنين الآن في كامل التعبئة ضد الحكومة، التي أفقرتهم، وأغنت منسوبيها، وينتظرون فقط من يحركهم، أو يقود زمام المبادرة لأي تغيير.
وليس أدّل على تردي الوضع لدى الحاكمين من خروج العميد ود إبراهيم ومجموعته ليقودوا إنقلاباً على النظام؛ الذي بنوه بأيديهم وعرقهم سلماً وحرباً.
فالرجل ومجموعته هم عمود الإنقاذ التي ارتكزت عليه طيلة السنين الماضية، وقيامه بهذه المحاولة يدل على أن أهل الحكومة، أو غالبيتهم له مواقف واضحة مما يجري، ويسعى لتغيير ذلك بكل الوسائل، وأن أعمدة المؤتمر الوطني القوية بدأت تنهار وتتهاوى.
مجموعة السائحون التي تضم الشباب المجاهدين من المؤتمر الشعبي والوطني هي الأخرى أشارت إلى سوء الأوضاع داخل الحكومة، وإلاّ لماذا يخرجون على نظام جاهدوا في سبيله في أحراش الجنوب وغيرها.
وإذا كانت مجموعتي ود إبراهيم والسائحون تمثلان عصب المؤتمر الوطني الحاكم، ومصدر حمايته وأمنه، فإنّ الأيام المقبلة تنذر بحوادث عظيمة قد لا يجد فيها الحاكمون نصيراً، إذا واصلوا إهمال النصائح الإصلاحية، وقابلوا أي نصح بالقمع والتنكيل.
الوضع الإقتصادي لم يعد وحده مصدر الغبن على النظام، فالحرب التي تستعر بدارفور، وولايتي جنوب كردفان، والنيل الأزرق هي الأخرى جعلت الناس يكرهون المؤتمر الوطني وسياساته.
كما أن انتهاج الحلول الجزئية لهذه القضايا أفقد الأطراف الثقة في الحكومة، ومقدرتها على معالجة أي قضية، لتتفاقم الأزمات ويصعب على المؤتمر الوطني صاحب التحرك الأُحادي محاصرة المشكلات.
سياسة الترقيع لن تجدي في حل أزمات البلاد، ولكي يتم تجاوز ما نحن فيها من أوضاع لابد من تضحيات وتقديم تنازلات في سبيل إيجاد حلول جذرية، أهم هذه التنازلات ترك (دغمسة) بالالتزام بالشرع الحنيف..
وما لم تتم مخاطبة قضايا الحرب بشجاعة وشفافية لإيجاد تسوية، وإجراء مصالحة وطنية سياسية تقوم على إشراك الجميع في إدارة شئون البلاد (بتحكيم شرع الله)، فإن الحال سيبقى كما هو، وسينجرف إلى الأسوأ لأن النزيف مازال مستمراً، والمجتمع الدولي (للأسف) لن يقف موقف المتفرج!!