لم يشهد النظام السوداني احتجاجات ومظاهرات مثل التي شهدها خلال الأيام الماضية. فعقب إقرار الحكومة لقرار رفع الدعم عن المحروقات حيث خرجت مظاهرات عارمة في مدينة ود مدني حاضرة ولاية الجزيرة. انتقلت بعدها إلى الخرطوم مُخلّفةً خسائر في الأرواح، والممتلكات منذ اليوم الأول، وحتى سابع يوم الذي كان فيه تشييع أحد القتلى الذين سقطوا بمنطقة […]
لم يشهد النظام السوداني احتجاجات ومظاهرات مثل التي شهدها خلال الأيام الماضية.
فعقب إقرار الحكومة لقرار رفع الدعم عن المحروقات حيث خرجت مظاهرات عارمة في مدينة ود مدني حاضرة ولاية الجزيرة.
انتقلت بعدها إلى الخرطوم مُخلّفةً خسائر في الأرواح، والممتلكات منذ اليوم الأول، وحتى سابع يوم الذي كان فيه تشييع أحد القتلى الذين سقطوا بمنطقة بري.
رواية الحكومة تقول أن أكثر من 40 محطة وقود أحرقت بجانب عدد كبير من مقار الشرطة والمؤسسات الحكومية، متهمة ما اسمتها بالخلايا النائمة للجبهة الثورية بالوقوف وراء هذه الأحداث.
في وقت قالت فيه أحزاب المعارضة أن السلطات هي من نفذت هذه الأعمال التخريبية لتجد ذريعة لردع المحتجين، ولتصوير الثوار على أنهم مخربين حتى لا يجدوا تعاطفاً من الرأي العام المحلي والعالمي.
الاحتجاجات وإن خفت وتيرتها نتيجة للقبضة الأمنية الشديدة، والتضييق على وسائل الإعلام بعدم نشر الحقائق على الأرض إلاّ أنها لم تنته بشكل كامل.
إذ أنها باتت تنطلق بشكل يومي في مناطق متفرقة من العاصمة والولايات، وغالباً ما تتركز في المناطق التي سقط فيها ضحايا بالرصاص الحي، وفي محاولة لانقاذ التظاهرات من الاندثار بشكل نهائي عمدت أحزاب المعارضة إلى تشكيل ما اسمتها تنسيقية الثورية السودانية التي تتكون من المعارضين بجانب المجموعات الشبابية مثل حركة (قرفنا) والنقابات التي تمثل النقابيين المنتمين للمعارضة.
منظمات حقوقية دولية في مقدمتها منظمة العدل الدولية وهيومن راتس ووتش امتدت تعامل الحكومة السودانية مع المتظاهرين واستخدام العنف المفرط ضدهم لتلحق بها الولايات المتحدة الامريكية والاتحاد الاوروبى الذين نددا بقمع المتظاهرين.
وطالبا حكومة الخرطوم بضبط النفس، ويبدو أن المناشدات الدولية لم تجد أذناً صاغية من النظام بدليل استمرار السلطات في فض التظاهرات عن طريق إطلاق الرصاص الحي في الهواء، واستخدام نوع جديد من الغاز الذي يسبب حرارة في الجسم.
الحكومة السودانية سعت جاهدة لخفض وتيرة الاحتجاجات فأوقفت خدمات الإنترنت ليوم كامل، وأغلقت مكتبي قناتي العربية وأسكاي نيوز، وصادرت عدد من الصحف على مدى عدة أيام.
كما أنها حذرت الصحف ومنعتها من تناول الأوضاع كما هي، وطالبتها بعكس وجهة النظر الحكومية، هذه الإجراءات وغيرها دفعت شبكة الصحفيين السودانيين التي تضم الصحفيين الموالين للمعارضة للإضراب عن العمل بالمؤسسات التي يعملون بها فيما امتنعت ثلاث صحف عن الصدور وهي القرار، والأيام بالإضافة إلى الجريدة.
الحياة عادت إلى طبيعتها في العاصمة الخرطوم في وقت لم ينتهِ فيه الاحتقان في الشارع السوداني، وأوساط السياسيين، احتقان سببه الحشد والحشد المضاد من الأطراف، وغياب الحلول السياسية والسلمية في الوقت الحالي.
وهو أمر ينذر بتجدد المظاهرات من جديد وفي المقابل مواصلة القمع من قبل الحكومة التي لم تكشف حتى الآن عن هوية من أطلقوا الرصاص على المتظاهرين خلال الأيام الماضية.
المعارضة يبدو أنها لم تكن وحدها التي عارضت سياسة الحكومة الاقتصادية، وسلوك السلطات في التصدي للمحتجين حيث توجه أكثر من ثلاثين قيادياً بالمؤتمر الوطني الحاكم بينهم 10 من أعضاء البرلمان عن الحزب.
بخطاب مفتوح لرئيس الجمهورية عمر البشيرحمل انتقادات لسياسات الحكومة، وبرز في مقدمة الموقعين عليه مستشار الرئيس السابق د.غازي صلاح الدين، بجانب العميد ود إبراهيم قائد المحاولة الإنقلابية الأخيرة.
الخطاب الذي وجهه من اسموا أنفسهم الإصلاحيون داخل المؤتمر الوطني طالب بوقف الإجراءات الاقتصادية فوراً، وتشكيل آلية وفاق وطني من القوى السياسية، وإيقاف الرقابة على الصحف ووسائل الإعلام، وإطلاق الحريات كما يكفلها الدستور ومن بينها حرية التظاهر السلمي.
وإجراء تحقيقات محايدة حول إطلاق الذخيرة الحية على المواطنين، ومعاقبة المسئولين عنه، وتعويض المواطنين المتضررين جراء القتل والجراحات والتخريب.
الأوساط السياسية والأكاديمية باتت تتناول نجاح المظاهرات من عدمه، ففي الوقت الذى يرى فيه محللون أنها نجحت وأوصلت رسالتها للحكومة، وأنها في تطوّر التنسيق والتجويد؛ يرى البروفسير حسن الساعوري أستاذ العلوم السياسية في حديثه لـ (شبكة الهداية الإسلامية) أن المظاهرات لم تنجح بالشكل المطلوب لأنها صوحبت بتخريب في الأيام الأولى.
مما جعل المواطنين لا يتعاطفون معها ولا يرغبون في تكرر ما نتج عنها، وأنها أي الاحتجاجات افتقدت للقيادة التي تقودها للأهداف، وإلاّ كان يتوقع أن تكون المعارضة الغائبة عن الساحة والتي ظهرت مؤخراً.