المشرف العام الشيخ الدكتور

محمد عبدالكريم الشيخ

التنصير في السودان إلى أين؟ (1)

التنصير في السودان إلى أين؟ (1)

في كل مرة نقرأ خبراً عبر الصحف المحلية عن ارتداد  شخص ما عن الإسلام، وسط غفلة من المعنيين بالأمر من أهل الدعوة وأهل السلطة، وكأنّ الأمر هو تحول شخص من حزب إلى حزب أو من فريق إلى فريق.

بل حتى لو كان الأمر كذلك، أو كان  تحول لاعب من فريق إلى فريق آخر لضجّ أهل الفريق الأول وانتقدوا وشجبوا وأدانوا الفعل واتهموا إدارة الفريق بالتقصير وطالبوهم باستقالاتهم.

لكن حين يتعلق الأمر بالدين يظل السكوت والصمت مهيمناً على الموقف؛ وذلك لأن الدين أصبح لا يحتل مجالاً في حياة كثير من الناس – إلا ما رحم ربي – وقليل ما هم.        

ومما يؤسف له حقيقة أن يحدث هذا الأمر في  ظل دولة الإسلام ودولة المشروع الحضاري الذي أصبح نسياً منسياً!

إن أمر التنصير هذا كان يجب أن يحسم خصوصاً بعد انفصال الجنوب، وبعد أن أصبح السودان الشمالي ذا أغلبية مسلمة تقدر بأكثر من 95% من السكان.

وهذا يؤكد وجود مخطط لطمس الهوية الإسلامية في هذا البلد "وفق إستراتيجيات ماسونية"، وتحقيق برتوكولات حكماء صهيون، لذا يقول أحد المنصرين: " تنصير المسلمين يجب أن يكون برسول من أنفسهم؛ لأن الشجرة يجب أن يقطعها أحد أغصانها الفأس ".

ولهذا نجد أن هذا الأمر يخطط له منذ أمد بعيد فكان في بداية الأمر يقتصر على تنصير القبائل التى تدين بالوثنية، ثم تطور ليستهدف القبائل العربية والإسلامية، والنماذج أكثر من أن تحصى أو تعد ممن تنصروا من القبائل الإسلامية في الأونة الأخيرة.

الأسباب والدواعي:

معظم هؤلاء الذين تنصروا  كانوا بسبب الأزمات والمواقف العصيبة، مثلاً يأتي مريض لا يجد من يدعمه في مرضه، أو مرض أحد أقربائه فلا يجد إلاّ الكنيسة لتأويه، وتتكفل بشفائه أو شفاء أقربائه، فيدين لها ويتحول إلى النصرانية.

ومنهم من  يؤتى من باب الشهوات والمجون، ونوع آخر عن طريق السحر، كما حدث العام الماضي للطالبة (إيمان)، ومنهم من يلبّس عليه في بعض الشبهات.

وأذكر أني  كنت ماراً بشارع القصر فاستوقفني معرض الكتاب المقدس الذي يعقد سنوياً في الخرطوم غرب (سنيما كلوزيوم)، فدخلت المعرض فوجدت منصراً مصري الجنسية يقوم بإلقاء الشبه لبعض المسلمين من طلاب وطالبات الجامعات، وأذكر من ضمن الشُبه:

يقول: يا مسلمين في كتابكم ربكم يعبد محمد! ثم قرأ قوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً) الأحزاب:56، فاحتار من بداخل المعرض من الطلاب والطالبات، ولم يستطعيوا أن يردوا هذه الشبهه.

فقلت له: الصلاة في اللغة تعني الدعاء، وصلاة الله على النبي: هي الرحمة والمغفرة، ثم سألته عن الأناجيل من كتبها؟ هل هو المسيح؟ أم تلاميذ المسيح؟؟ وأين سند هذه الأناجيل الذي تزعم بأنها كلام الله؟

فلو سألتنى عن القرآن الكريم لقلت لك إنّ له سندا متصلاً بالنبي (صلى الله عليه وسلم)، بل في السودان أعرف أناساً لهم سند في التلاوة متصل بالنبي (صلى الله عليه وسلم)، وكذلك القرآن ورد إلينا بالتواتر، وكان مكتوباً في الألواح ومحفوظاً في صدور الرجال.

فلم يستطع المنصر أن يرد سوى أنه قال: لا تقارن القرآن بالإنجيل، وحتى يصرفني عنه فلا أقطع عليه حديثه وشبهاته نادي رجلا آخر كي يناظرني، وكانت المفاجأة عندما سمعته ينادي: يا محمد تعال لهذا، وأشار إليّ.

فرأيت الرجل محمد، تبدوا عليه الملامح السودانية، ومن قبيلة عربية عريقة.

قلت: أنت اسمك محمد ؟!

قال: نعم محمد أحمد 

فقلت: أنت سوداني؟

قال: نعم.

قلت: من أين؟

قال: من رفاعة !! فتعجبت!! 

ثم سألته كيف تنصرت؟

فقال:هداني الله إلى دين اليسوع المخلص!!

.. فبدأنا المناظرة معه:

فقلت: كيف تقولون أن واحداً + واحداً + واحداً = واحد، هذا غير منطقى

فقال: ليس واحداً + واحداً وإنما هي واحد × واحد × واحد =  واحد.

فقلت: لماذا اخترت رقم واحد ثلاث مرات فلو قلت واحد × واحد ألف مرة  لكان حاصل ذلك الأرقام  يساوي  واحداً؟!! (1×1×1×1×1×1=1)

وهنا يتدخل المنصر المصري لنجدته فقال لي: لنبدأ الحوار معك.

قلت: فلنبدأ

قال: قبل أن نبدأ لابد أن ندعو الله أن يهدينا إليه؟ فما رأيك؟

قلت: لكن أيّ إله  ندعو؟!! إله الأب، أم إله الأبن، أم إله الروح، من؟!

قال: الله الواحد الأحد الفرد الصمد الذى لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفوا أحد.

فقلت: ولم يحلّ في أحد أو يتحد في أحد؟

فقال: لا أستطيع أن أقول ذلك. ثم قال لي: أنت لا تريد الحق.  انتهت المناظرة..  

دخل من مدخل خبيث وهو عقيدة الحلول والاتحاد، حاول أن يدلل به على فهم عقيدة الثالوث، أو يكسب بها من يعتقدها، وللأسف الشديد نجد أن هذه العقيدة (الحلول الاتحاد) قد تسربت لكثير من الطوائف الإسلامية، وخاصة الصوفية، نجد عندهم الحلاج وابن العربي وغيرهم، وكما نجد  في السودان محمود محمد طه الذى  بنى عليها دعوته.

لذا نجد النصارى اليوم يحاولون إلقاء الشبه على المسلمين من القرآن والسنة وبعض الآيات المتشابهة، ولضعف المسلمين وقلة فقه بعضهم أو معرفتهم للتفسير الصحيح يلبس عليهم.

ولا غرور أن نجد (فيلوثاوس فرج)  كثيراً ما يكتب فيستشهد بآيات من القرآن الكريم وأحاديث النبي (صلى الله عليه وسلم)، بل هنالك مناهج في مدارس اللاهوت لتدريس القرآن الكريم والأحاديث.

ومن الوسائل التى ساعدت النصارى في السودان الدعاة الذين يدعون في كتاباتهم لوحدة الأديان وإزالة الفوارق بين الأديان، أو دعوة الدين الإبراهيمي التى يتحدث عنها بعض المفكرين أمثال د. حسن مكي أو بروفسير الطيب زين العابدين.

فهذه الدعوة الخبيثة التي تساوي بين الحق والباطل اللذين لا يجتمعان أبداً هي دعوة لتمكين التنصير، فلا بد من إبطال هذه الدعوة ثم دراسة هذا الخطر وإعداد خطة لمواجهة هذا المد التنصيري في السودان ابتداءً من المذاهب المنحرفة والباطلة بالعمل على تصحيحها وتصحيح المعتقد.

وكذلك تغيير المناهج الدارسية الموجودة الآن التى تفتقر إلى عقيدة الولاء والبراء حتى ينشأ جيل يعرف دينه ويتمسك به، ولا بد من سنّ  قانون يجرم التنصير والمنصرين، ويتم طرد المنظمات التنصيرية، والعمل على دعم المنظمات الإسلامية.

نواصل في مقال آخر بإذن الله