المشرف العام الشيخ الدكتور

محمد عبدالكريم الشيخ

رشاوى سياسية؟

رشاوى سياسية؟

قبل يومين أقام سياسي  مشهورمأدبة عشاء في منزله احتفاء بتعيين أحدهم وزيراً لوزارة خدمية مهمة جداً!!

وهي الوزارة التي كان تصطرع عليها أحزاب المهدي والميرغني والترابي في الديمقراطية الثالثة، كل حزب يسعى للفوز بها.

٭ وفي ذات الأيام  شهدنا احتفالاً ضخماً أقامته قبيلة الوزير الجديد الذي تم اختياره ضمن التشكيلة الحالية وشارك في الاحتفال أبناء منطقته ونحروا الذبائح وهللوا وكبروا، وتباهوا أيّما مباهاة بابنهم الوزير حتى قال قائل منهم في خطابه أمام المحتشدين:

"هنيئاً لكم ولمنطقتكم، وأيّما واحد منكم بعد اليوم يريد كذا وكذا من الخدمات سيجدها أمامه.. الرجل يقول في غمرة الفرح والهياج منطقتنا دخلت اليوم التاريخ  باختيار إبنها وزيراً".

فما أن يتم إعلان طاقم وزاري جديد أو اختيار واحد من الناس في موقع من المواقع إلا وأسرع أصحاب الأغراض والمصالح لتطويق المسؤول الجديد بـ "الجميل" وتقديم الهدايا ونحر الذبائح، وإقامة الاحتفالات الفخمة.

لترويض المسؤول ووضعه في "الجيب"، لعمري ما هي إلا صورة من صور الرشاوى التي تجعل المسؤول يستحي، ويشعر أنه مدين لصنيعهم..

بعض التماسيح والحيتان الكبيرة لها أسلوبها الخاص في احتواء المسؤولين واستغلاهم، وبعض النفعيين يقيمون المآدب المترعة بسفه الإسراف لمسؤولين يتوهمون أن الأرزاق بيدهم وحدهم لا شريك لهم فيحسنون إكرامهم بغية الظفر بعرض زائل.

والبعض باسم القبيلة والمنطقة يغالون في "التكريم"، والقبيلة والمنطقة بريئتان من ذلك الصنيع الممقوت الذي أريد به الباطل، فعذراً أيتها "القبيلة" فقد اتخذك دهاة السياسة وأباطرتها وحيتانها مطية لهم للوصول إلى أغراضهم ومنافعهم الخاصة.

وتحدثوا باسمك زوراً وبهتاناً وأنت بريئة مما يبيتون من القول الملحون، "القبيلة" للأسف الآن هي معيار الكفاءة، وهي الوزن السياسي، والثقل الجماهيري، وهي الترضيات، وهي "القوي الأمين".

وبما أنها في حين غفلة من الزمان أصبحت كذلك فلا بأس أن يمتطيها ذوو الأجندة السياسية، ثم يدفعوها دفعاً إلى حافة الموت والدم في صراع مرير يهلك الحرث والنسل، والله لوددت لو أن قانوناً أو ميثاق شرف يُبعد القبيلة من أي عمل سياسي، ومن أي قربات يتزلف بها المنتفعون نحو المسؤولين.

وأعجب أيّما عجب أن هؤلاء النفر يزعُمون أنهم أولياء الله وأحباؤه وأهل الصلاح والفلاح، ويظنون أنهم يحسنون صنعاً وينسون في الوقت نفسه أن أصحاب النبي المعصوم الذي "يقتفون" أثره أن الولاية عندهم مغرم وليست مغنماً، ومسؤولية وأمانة ترتجف لها الأفئدة وتخر لها الجبال هداً.

وها هو عمر خليفة الصديق يقول: "لإن يُضرب بالسيف عنقي  أحب إلي من أن أتولى أمر المسلمين، وفيهم الصدّيق"، ويرفض خلافة إبنه.

ويقول: "حسب آل عمر أن يُحاسب منهم يوم القيامة واحد" يقصد نفسه، ويرفضها كذلك الإمام علي لنفسه أولاً ثم يُجبر عليها إرغاماً ويقبلها كمسؤولية وأمانة ثقيلة ويشفق منها ويرفضها لإبنه الحسن وهو يحتضر.

فما كان هؤلاء ينحرون لها الذبائح ويقيمون المآدب، والاحتفالات بل كانوا مشفقين من هول الأمانة وثقلها.. برضو تقول لي نحنا تابعين الرسول وصحابته!!