من فرط الضيق الذي يعيشونه، والمعاناة التي تعتصرهم، أسمع بعض الناس يتساءلون في لهفة عن المفاجآت التي يُخفيها لهم المؤتمر الوطني في مقبل الأيام.. يتساءلون وقلوبهم معلقة على أهداب الأمل في انفراج الوضع المأزوم، عسى ولعل أن تنطفئ نار الحرب في جنوب كردفان والنيل الأزرق ودارفور وتعود الحكومة لرشدها وتتقي الله في شعبها الذي عاش […]
من فرط الضيق الذي يعيشونه، والمعاناة التي تعتصرهم، أسمع بعض الناس يتساءلون في لهفة عن المفاجآت التي يُخفيها لهم المؤتمر الوطني في مقبل الأيام..
يتساءلون وقلوبهم معلقة على أهداب الأمل في انفراج الوضع المأزوم، عسى ولعل أن تنطفئ نار الحرب في جنوب كردفان والنيل الأزرق ودارفور وتعود الحكومة لرشدها وتتقي الله في شعبها الذي عاش حياة الكفاف وشظف العيش على مدى ربع قرن من الزمان.
بينما "أولاد المصارين البيض" يستأثرون بخيرات البلد وثرواتها ويرضعون من ثدي "التمكين" لبناً خالصاً جادت به بقرة الوطن الحلوب..
هذا هو العشم الذي ينتظره الشارع السوداني العريض، لكن السؤال الأهم: هل هذه هي أجندة أباطرة الصراع السياسي وطلاب السلطة الذين أفنوا حياتهم في عشقها؟.
لست متشائماً، ولا أقرأ الكف ولا أدعي صواب الرأي والتحليل، ولكني أقرأ معطيات الراهن بكل موضوعية، واستناداً إليها أقول للشعب السوداني "الفضل" حتى لا ترتفع لديه سقوفات العشم والتطلعات، ويشعر بعدها بخيبة الأمل، أقول أن ما يجري الآن هو مجرد محاولة لتسوية الخلافات وإعادة تقسيم "الكعكة" المصطرَع عليها بين نافذي المؤتمر الوطني، والصادق المهدي، والترابي، والميرغني، وحملة السلاح.
.كلٌّ حسب وزنه السياسي وثقله الجماهيري، وخطورة تهديداته الأمنية وتأثيره على الأحداث وصناعتها، فالأمر عندي تسوية سياسية و"محاصصة" بين الكبار وتوزيع مناصب ومواقع واقتسام للثروة، وإذا حدث ذلك بهذه الطريقة ووفقًا لعقلية المحاصصة هذه فإن هذا الوضع سينتج أزمات جديدة لأن السودان اليوم ليس هو سودان القرن الماضي فهناك وعي سياسي شعبي متقدم على الرسمي وهناك شعور متعاظم بالغبن.
وهناك تصاعد مستمر لحركات الاحتجاج، والكيانات المطلبية، وإذا كانت "الإنقاذ" تتحمل مسؤولية صناعة التمرد وتفشي القبلية والجهوية بسبب سياساتها الخرقاء، فإن محصلة الحراك الحالي والترتيبات التي تجري الآن في الخفاء وخلف الكواليس بين المؤتمر الوطني والصادق المهدي والترابي والميرغني ستنتج تمردًا جديدًا أشد وطأة.
لأن الهدف كما يتراءى في كثير من الأحيان هو ترتيبات لـتقسيم "المغنم" ولن ينعكس برداً وسلاماً على معاش الناس، لأن الشغل الشاغل للكبار سيكون هو "توسيع" ماعون المشاركة وهذا يعني مزيداً من الترهل والمخصصات والإنفاق الحكومي، وكأن الهدف هو المشاركة والمحاصصة..
إن الإصلاح السياسي المطلوب الذي سينعكس على حياة الناس ويرضيهم ويرضي ربهم هو قطع أذناب الفساد واجتثاثه تماماً، وتحقيق العدالة الاجتماعية بصورة صارمة، وإزالة الظلم تمامًا، وإبعاد مراكز القوى التي تحمي الفساد وتضيّق على العباد بفرض الجبايات والرسوم خارج القانون، وتنظيف الساحة من الأساليب الفاسدة في العمل السياسي والاقتصادي والتجاري، وضمان تحقيق النزاهة.
والمنافسة الحرة في أداء الدولة، وهذا ليس مستحيلاً ولا صعبًا، صحيح أن الناس ليسوا ملائكة ولن يستطيع أحد أن يمنع الفساد ولكن بمقدور الحكومة التي تحترم نفسها وشعبها وتخاف الله أن تحاسب المفسد وتطبق عليه القانون مهما علا شأنه، وتقيم العدل بين رعاياها.. إذن هذا الذي يهم الشعب السوداني وهذه هي أهدافه وأجندته فهل أنتم فاعلون.