البعض يعتقد أن الخبرة في المجال وحدها هي التي تؤهل الإنسان سواءً كان موظفاً أو سياسياً للتقدم في المجال والقيادة. لكن للأسف نجد أنّ الكثير من الناس لا يتعلمون من تجاربهم، وبذا فإن تجاربهم ما هي إلاّ تجربة واحدة متكررة، ولم تضف لهم بالمقدار المطلوب. فالذي يعمل موظفاً في مجال ما لمدة ثلاثين سنة، ولا […]
البعض يعتقد أن الخبرة في المجال وحدها هي التي تؤهل الإنسان سواءً كان موظفاً أو سياسياً للتقدم في المجال والقيادة.
لكن للأسف نجد أنّ الكثير من الناس لا يتعلمون من تجاربهم، وبذا فإن تجاربهم ما هي إلاّ تجربة واحدة متكررة، ولم تضف لهم بالمقدار المطلوب.
فالذي يعمل موظفاً في مجال ما لمدة ثلاثين سنة، ولا يخرج من تجربته العملية تلك بشيء سوى تجربة سنة واحدة مكررة لمدة ثلاثين سنة، فإنّه يخدع نفسه ويظلمها عندما يتحمل مسئولية وإدارة مؤسسة هو في الأصل غير جدير بإدارتها.
ومع ذلك فالكثيرون يتوهمون النضوج والخبرة لكن سرعان ما يكتشفون ضحالة تجربتهم في قيادة العمل وفقر فكرهم الإداري.
القيادة ليست عملية سهلة وإنما هي نتاج معرفة وعلم ودراية وصلابة، وقدرة على اتخاذ القرارات الصحيحة في وقتها المناسب، بل كل ما ذكرت مجتمعاً.
وقبل ذلك هي هبة ربانية يمنحها الله ويهبها لمن يشاء وما على هذا الشخص سوى أن يهتم بتطويرها، لأن القائد أو المدير لا يصنع من العدم، وإنما يولد وبه سمات القيادة، وتبرز هذه الملامح منذ الصغر.
وكما قال المولى عز وجل فانه يؤتي الحكمة ورجحان العقل من يشاء، قال تعالى:(يؤتي الحكمة من يشاء ومن يؤتَ الحكمة فقد أوتي خيراً كثيراً وما يذكر إلا أولو الألباب) سورة البقرة : 269.
وتبقى أهم ركائز العمل المؤسسي والاداري – ومنذ القدم – عملية اختيار البطانة التي تكون حول الرئيس أو المدير، لأنّ لكل مدير أو مسئول له بطانة حوله، وهي التي تهيئ وتزين له ما يفعله.
فإن كان – واعياً، ذكياً، حصيفاً – اختار الرجل المناسب في المكان المناسب، وإن كان غير ذلك فقد ضاعت الأمور، وعليه أن يتحمل مسؤوليته؛ لأنّ البطانة هي التي ستمده بالمعلومات اللازمة لاتخاذ أي قرار وستوجه انفعالاته وستكون هي حلقة الوصل بينه والموظفين أو العاملين وحتى الجمهور.
وللأسف فإن معظم المؤسسات – إلاّ من رحم ربي – تعاني هذا السوء من "خرمجة" وفساد المديرين والبطانة؛ وبالتالي فساد الادارات العليا شيء طبيعي حتى يبلغ الأمر مرحلة بليغة من السوء، ونسيان الحساب الأخروي، يخيفون من تحتهم من الموظفين فلا يجدون "ناصحاً أو رادعاً".
وما من أحد تجرأ وصدح بالنصيحة أو النقد إلاّ وكادوا له، وقصدوا إضراره لتخويفه، وقبل ذلك تخويف الآخرين لإسكاتهم أكثر؛ يجلسون على أبراجهم العاجية وينظرون للبقية باستعلاء وتجبر الحكام العظام حتى يغمرهم الطوفان.
وكل ذلك بسبب فقرهم الفكري والإداري، وتلك البطانة السيئة التي تزيف لهم الحقائق، وما هم إلاّ نفعيين وأصحاب مآرب نفسية وغايات دنيوية ووصوليين يدبجون الكلمات الجوفاء لمدح أفعال المسؤولين ويحيكون المؤامرات بدلاً عن القيام بدورهم المنوط بهم، وهو إصلاح الأخطاء ورد المظالم وتقويم المؤسسات التي يعملون بها.
وهؤلاء ذكرهم الله سبحانه وتعالى في محكم تنزيله، قال الله تعالى :(وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي ٱلْحَيَٰوةِ ٱلدُّنْيَا وَيُشْهِدُ ٱللَّهَ عَلَىٰ مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ ٱلْخِصَامِ وَإِذَا تَوَلَّىٰ سَعَىٰ فِي ٱلأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيِهَا وَيُهْلِكَ ٱلْحَرْثَ وَٱلنَّسْلَ وَٱللَّهُ لاَ يُحِبُّ ٱلفَسَادَ وَإِذَا قِيلَ لَهُ ٱتَّقِ ٱللَّهَ أَخَذَتْهُ ٱلْعِزَّةُ بِٱلإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ ٱلْمِهَادُ) الآيات من 204-206 سورة البقرة.
على ذلك، ومن باب أن الشيء يقود الى الشيء، فليس هناك مسؤول سيء إلا وكانت وراءه بطانة سيئة، والعكس صحيح تماماً.
لذا عليك عزيزي الرئيس، الوزير، المدير الانتباه لبطانتك والتدقيق والملاحظة لكل أفعالها وتصرفاتها وما تهيئه لك من عمل ومعلومات، ومن واجبك الوقوف ضد ما تحيكه من مؤامرات وظلم وفساد.
هذا في حالة أنك تريد إصلاح ما أفسدته الأيام بسبب ادارتكم معا طبعاً، أما إن كان السبب منك وبتخطيطك أنت.. فما عليك سوى أن تنتظر الطوفان.