في إحدى الدول العربية كان أحد السودانيين طريح الفراش في أحد المستشفيات، فقرر الأطباء أن تُجرى له عملية جراحية عاجلة، ولم يكن يملك قيمة تلك العملية، ولا يرافقه أحد من أهله يستعين به في سداد رسومها. فقال لأحد العاملين في المستشفى: – اذهب بفاتورة العملية إلى أول سوداني تقابله في الشارع، وقل له إن هذه […]
في إحدى الدول العربية كان أحد السودانيين طريح الفراش في أحد المستشفيات، فقرر الأطباء أن تُجرى له عملية جراحية عاجلة، ولم يكن يملك قيمة تلك العملية، ولا يرافقه أحد من أهله يستعين به في سداد رسومها.
فقال لأحد العاملين في المستشفى:
– اذهب بفاتورة العملية إلى أول سوداني تقابله في الشارع، وقل له إن هذه الفاتورة لأحد السودانيين، وهو يحتاج لإجراء عملية عاجلة.
فاستغرب الرجل الأمر، فكيف له أن يطلب دفع قيمة العملية من رجل لا يعرفه!
ولمّا كان الموقف حرجاً لم يجد ذلك العامل بداً من الذهاب، وبالفعل أخذ الفاتورة، وأعطاها لأول سوداني قابله في الطريق، وأخبره بأنها لأحد السودانيين، فما أن كان من ذلك السوداني إلاّ أن أخرج قيمة العملية وأعطاها لذلك العامل وقال له:
– أنا لا أعرف هذا الرجل، ولكن ما دمتَ قد ذكرتَ لي أنه سوداني؛ فهذا هو المبلغ المطلوب!
*****
وفي دولة عربية أخرى، تعطلت سيارة أحد المواطنين حين انفجر إطارها، فبحث سائقها دون جدوى عن مفتاح ليفك به الإطار المتعطل..
ولم يكن أمامه بد من أن يشير إلى السيارات، علّه يجد من يعطيه المفتاح المطلوب، ولكن طال به الانتظار، بينما كانت السيارات تمرُّ من أمامه، دون أن يكلف أحدهم نفسه بالوقوف ومدِّ يد العون إليه!
وبعد ساعات من الانتظار والتعب توقفت سيارة، لكن بالجانب الآخر من الشارع، وهبط منها رجل يبدو من ملامحه وجلبابه وعمامته أنه من السودان، فاقترب من الحاجز الذي يفصل مساري الشارع..
وأشار إلى صاحب العربة المتعطلة الذي اقترب منه، وقد بدا بصيص من الأمل يتسرب إليه، بعد أن استيأس من أصحاب السيارات.
سلّم عليه ذلك السوداني، وسأله عن حاجته فأخبره، بأنه يحتاج إلى مفتاح لفك الإطار المتعطل، فرجع السوداني إلى السيارة ثم عاد بمفتاح..
فسارع صاحب السيارة بأخذه ليجربه على إطار سيارته، ولكن لسوء الحظ لم يكن المفتاح ملائماً لإطار السيارة!
فخلع السوداني عمامته ثم قال له:
– لف هذه العمامة على رأسك كما يفعل السودانيون ثم أَشِرْ إلى السيارات.
وعلَّمه كيف يلف العمامة على طريقة السودانيين، ثم ذهب وترك صاحب السيارة المتعطلة في دهشة من أمره!
ولم يكن أمام ذلك الرجل بدٌ من أن يجرِّب اقتراح ذلك السوداني، فلبس العمامة على ذات الطريقة التي وصفها له، ثم أشار للسيارات.
وما هي إلى دقائق معدودة حتى توقفت مجموعة من السيارات ليهبط منها سودانيون، استفسروه عن الأمر، ومن ثم أعانوه حتى استبدل إطار سيارته المتعطل بالإطار الاحتياطي، ثم مضوا إلى حال سبيلهم وتركوه في دهشته وتعجبه!
*****
وتناقلت أجهزة الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي والجوالات مؤخراً مقطع فيديو لذلك الراعي السوداني الذي اختبره أحد المشايخ في الخلاء، فطلب إليه أن يعطيه شاة، فرفض ذلك..
فقال له الشيخ: قل لصاحبها لقد ضاعت.
فقال الراعي: وماذا أفعل إذا أُدخلت القبر وحيداً؟!
فقال له الشيخ: أعطيك مائتي ريـال.
فقال الراعي: والله لو أعطيتني مائتي ألف ريـال ما أعطيتك إياها.
فقال: ولكن لا أحد يراك هنا!
فقال الراعي: لكن الله يراني، والله إن انطباق السماء بالأرض أقرب إليك من أن أعطيك شاة واحدة!
*****
اختص الله عز وجل السودانيين بخصائص وخصال قلَّ أن توجد في شعب آخر، من الكرم، والمروءة، والنجدة، والأمانة، ودماثة الخُلق، والعفة، والحياء..
ففي الأفراح تجد الأهل والجيران يقفون إلى جانب المتزوج والمتزوجة بجهدهم، عن طريق نصب سرادق الزواج، وتجهيزه، وإعداد الطعام وتوزيعه..
كما يقفون معه بأموالهم، عن طريق ما يسمى (بالكشف)، وهو الكراسة التي تُجمع عن طريقها الأموال للزوجين، وتقيّد فيها أسماء الذين تبرعوا لهما، وعادة ما يكون المبلغ المجموع كبيراً، يعين الزوجين على تكملة احتياجاتهما وتعويض ما دفعوه من قبل.
وفي الأتراح يتولى أهل الميت وجيرانه وأصدقاؤه أمر العزاء، من نصب السرادق وحفر القبر وغسل الميت وتكفينه وتشييعه بأعداد مهولة، ويرسل الجيران الطعام لضيوف أهل الميت، ويواسونه بالمال ليخففوا عنه، حتى يظن قريب الميِّت أن المتوفى أقرب في الصلة والمودة إليهم منه!
وإذا حدث لأحد السودانيين مكروه يشد الآخرون من أزره، ويجمعون له من المال ما يعينه على تجاوز محنته. وإذا مرض أحدهم اكتظ المستشفى أو المنزل بالزائرين الذين جاؤوه جميعاً وأشتاتاً من السفر والحضر. وإذا حدث حادث في الشارع أو نشبت مشاجرة فزع الناس من كل حدب وصوب؛ ليقدموا يد المساعدة، ويصلحوا بين الناس.
وليس غريباً أن تجد أحد سكان الولايات والأرياف يقيم مع قريبه أو صديقه في المدينة أياماً أو شهوراً أو سنوات من أجل العمل أو الدراسة أو الاستشفاء أو قضاء الحوائج، دون أن يتضجر صاحب المنزل أو يبدي تبرماً يذكر.
وإذا كان أحدهم في الغربة أو في منطقة بعيدة أرسل أمواله وأغراضه عن طريق أهله ومعارفه، فوصلت إليهم دون أن ينقص منها شيء.
وفي المطاعم والمواصلات العامة والأسفار يسارع السودانيون ليدفع بعضهم لبعض قيمة التذاكر والطعام والشراب.
*****
وبالرغم من الفقر وشظف العيش الذي يعاني منه معظم السودانيين لم تخمد فيهم روح التكافل والتراحم، وظل نسيج المجتمع متماسكاً..
بالرغم مما أحدثته رياح العولمة والانفتاح في بعض أجزاء هذا النسيج بظهور بعض الظواهر السالبة والشاذة التي تقدح في هذا التماسك وتطعن في مميٍّزات شعب السودان.
إنَّنا إذا عززنا الجوانب الإيجابية في مجتمعنا، فإنها بلا ريب تتمدد رقعتها حتى تطغى على الجوانب السلبية..
فدعم هذه الخصائص والخصال الحميدة وتشجيعها والحث عليها كفيل بأن يقلِّص الخصال الذميمة والظواهر السيئة، ويحصرها في دائرة ضيقة.
وهذا يستدعي استنفار جهود الدعاة والمصلحين والمربين وأهل الخير؛ حتى تتضافر جهودهم لتصب في استقامة المجتمع واستقراره ونمائه.