المشرف العام الشيخ الدكتور

محمد عبدالكريم الشيخ

الضعف الإداري والتستر على الجرائم

الضعف الإداري والتستر على الجرائم

ما هي عقوبة من يتستر على جريمة؟.. سؤال قانوني نطرحه على القانونيين لكي يفتوا لنا في ما سأقوله من أحداث تندرج تحت هذا الشكل.

أعرف أن التستر على الجرائم يختلف في الشكل والأسلوب، وفي اعتقادي أن المتستر يمكن أن يكون شخص عادي، وقريب مثل الأخ والصديق أو الجار وهذه أسبابها معروفة.

وقد يكون الشخص لا علاقة له بالمجرم ألبته، لكنه يخشى الدخول في تفاصيل المحاكم كالشهادة والإجابة على أسئلة النيابات.

لكن هناك ماهو أخطر من ذلك وهو تستر المسؤولين أو المدراء على جرائم تحدث في مؤسساتهم و أمام أعينهم فيعجزون عن استخدام سلطاتهم ومسئولياتهم لخوف وضعف في شخصياتهم وطبعهم.

وخطورة مثل هذا التستر معروفة لأنها تأتي بنتائج عكسية على المؤسسات، ويمكن أن تؤدي للكثير من المشكلات المستقبلية، بدءاً من فتح الباب على مصراعيه لمثل هذه الممارسات بتشجيع بقية الموظفين بعد التهاون الاداري.

مما يؤشر لاستشراء الفساد، والظلم، وضياع المبادئ والهيبة الادارية، فوق ذلك الدخول تحت طائلة القانون بسبب هذا التستر الذي يعتبر جريمة أخرى في حد ذاتها ويعاقب عليها القانون.

إذن، علينا أن نعرف القصة أولاً، وكيف تم التستر على المجرم، و ما هي الجريمة؟ وكيف كانت ردة الفعل الادارية تجاه هذا العمل الاجرامي؟

سوف أذكر تفاصيل القصة لكنني سأترك لكم تقيم مستوى العقليات الإدارية والمالية التي تدير هذه المؤسسة.

ففي واحدة من المؤسسات السودانية – سنذكر اسمها وأسماء المسؤولين في المقالات القادمة – قام أحد الموظفين وبطريقة فنية تثبت فشل الضوابط الاجرائية والمستندية والمراجعة الداخلية باختلاس مبالغ كبيرة.

وبطريقة بسيطة متكررة ومستمرة، إذ كان يقوم بإعادة ترتيب نفس المعاملات بعد فترات وجيزة، ويقدمها مرة أخرى كمعاملات عادية من باب أداء وظيفته، ويستلم هو مقابلها بدلاً عن العملاء الحقيقين لأنهم قد استلموا المقابل في المرة الأولى.

وبذا فقد كان يأخذ مقابل كل معاملة مرتين، مرة أولى للعميل، وثانية لصالحه الخاص، ولم يكتشف صاحبنا لسنوات لكن في النهاية تم اكتشافه عن طريق الصدفة، والخبرات القادمة من الخارج بسبب الفشل الاداري والمالي المستحكم بالمؤسسة.

حدث هذا بالرغم من وجود عدد من الإداريين الذي يحملون درجات الدكتوراة في الإدارة، وفي المحاسبة نفسها، ويجلسون على قمة الهرم الاداري والمالي، وكذا وجود عشرات المراجعين والمحاسبين، فبالله عليكم هل هناك فشل أكبر وأعظم من الوصول الى هذه الدرجة؟!!..

هناك أناس يجلسون على كراسي، ومواقع إدارية لا يستحقونها في الحقيقة، ربما ضعف الإدارات نفسها أو المحاباة أو العلاقة الخاصة هي من أتت بهم وأوصلتهم الى تلك المكانة التي لا يستحقونها..

دعونا من ذلك لأنني قلت سأترك لكم قصة الحكم على مستوى الإداريين، والمسؤولين، وسأكتفي بالسرد فقط، لذا سأحكي لكم ما حدث بعد ذلك..

صاحب القصة المختلس كان على علاقة نسب بأحد المتنفذين السياسيين لذا فقد خاف هؤلاء المسؤولين الضعفاء، وتهيبوا الدخول في تفاصيل قد تطيح بهم – والخوف نعمة لأن الخواف ربى عيالو – فاحتاروا في الأمر..

ما أعجبني في القصة أن الأمر وصل الى أكثر من ذلك، لأن المختلس كان شجاعاً "وأدخل هؤلاء الجبناء في نفق آخر، فقد إعترف بجرمه، ولم ينكر بل هدد أحد الإداريين من أولئك الذين يرثى لحالهم وقال له بالحرف الواحد:

"نعم اختلست وكان إنتوا رجال أمشوا اشتكوني"..

الرجل الإداري طبعاً مسكين وضعيف دخل المؤسسة بدبلوم ليس له علاقة بالإدارة، وكان إلى وقت قريب يطالب بمساواته بزملائه الآخرين لكن سرعان ما قفز بالزانة، ووجد نفسه أمام مسئوليات أكبر من عقليته، وشهاداته، وخبراته الإدارية لذا فقد أفحمه صاحبنا بالرغم من كل الوقائع التي كانت تقف في صفه.

الغريب في الأمر أن نفس هذه الإدارة الجبانة، الخائفة، الفاسدة، الفاشلة كانت في أوقات سابقة قد حاكمت، وفصلت، وأبعدت العشرات من الموظفين بسبب أخطاء إدارية أو اختلاسات بسيطة يعرفها كل العاملين بالمؤوسسة.

لكن لمن يا ترى من الناس كانت تقوم بهذا الإجراء!!..

طبعاً لأولئك الذين لا يسندهم أحد وليس لهم "ظهر" غير الله سبحانه وتعالى، فإذا بأقدار  الله – جل في علاه – الآن تفضح هذه الإدارة وممارساتها وتسليط الضوء على  فسادها، ولعمري فان هذه الوقائع لا يثبتها إلاّ قول رسولنا الكريم، فقد قال عليه الصلاة والسلام:

(( يا أيها الناس إنما أهلك من كان قبلكم أنه كان إذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد، وإذا سرق فيهم الشريف تركوه، وأيم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها )).

فمتى كانت المبادئ تجزأ؟ ومتى كانت للقوانين خيارات تؤخذ كما هو متاح؟؟ ولماذا يحاكم ويفصل من اختلس جنيهات معدودة، ويتم "تحنيس، وتطيب خواطر" من اختلس الملايين؟

هذا بالضبط ما يحدث الآن، وهذه ردة الفعل من قبل الإدارة والعقليات التي تدير واحدة من المؤسسات الإقتصادية حالياً، ولأن الأمر في غاية الأهمية لذا فإنني أرجع إلى سؤالي الأول الذي بدأت به المقال، وهو:

(ما هي عقوبة من تستروا على مثل هكذا جرائم؟!)..

ومن بعدها سوف أعلن لهم اسم المؤسسة، وتلك الأسماء الضعيفة المتحكمة في أمور هذه المؤسسة، لتتم محاكمتهم أمام القانون والشعب.