المشرف العام الشيخ الدكتور

محمد عبدالكريم الشيخ

الطلاق بغير نية؟

السؤال

الجواب

س: السلام عليكم ورحمة الله، أنا واقع في مشكلة كبيرة، فلقد وقعَتْ عليَّ ضغوط كثيرة من قِبَل أهل زوجتي، وتم استفزازي مع ضغوط أخرى حتّى أطلقها، ولم يدعوني حتى تلفَّظتُ بلفظ الطلاق الصريح، ولكن يعلم الله أني لم أنوِ الطلاق، بل حكيتُ لهم أني قد طلقتُ زوجتي السابقة، بما يفهمون منه أني أقصد صاحبتهم، حتى أتخلص من ضغوط ذلك الموقف. فأخذوا بذلك.

ولمَّا أخبرتُ زوجتي بمقصودي قبِلَتْ مني موقفي، ولكن أهلها رفضوا بشدة، واستفتوا علماء في ذلك، فأفتوا بوقوع الطلاق، ولا مكان لنيّتي التي نويتها.

وبعد تدخل بعض الوساطات قرّر أهل زوجتي تركنا وشأننا، ولكن الإشكال في ما صدر مني من موقف، فهل ما فعلتُه يوقع الطلاق، أم أنه غير واقع، وجزاكم الله خيراً؟

ج: وعليكم السلام ورحمة الله..

لو كان الموضوع كما ذكرتَ فلا يقع الطلاق.

والعلماء الذين لم يشترطوا النية في الطلاق إنما يعنون المختار القاصد للطلاق، أما غير القاصد فلا يقع منه الطلاق بالإجماع، قال شيخ الإسلام ‘ابن تيمية’ -رحمه الله-: (وهذه العقود من النذور، والطلاق، والعتاق، تقتضي وجوب أشياء على العبد أو تحريم أشياء عليه. والوجوب والتحريم إنما يلزم العبد إذا قصده أو قصد سببه؛ فإنه لو جرى على لسانه هذا الكلام بغير قصد لم يلزمه شيء بالاتفاق، ولو تكلم بهذه الكلمات مكرهاً لم يلزمه حكمها عندنا وعند الجمهور، كما دلت عليه السنة وآثار الصحابة، لأن مقصوده إنما هو دفع المكروه عنه؛ لم يقصد حكمها؛ ولا قصد التكلم بها ابتداء) [مجموع الفتاوى].

وقد ورد في الأثر أن امرأة قالت لزوجها: (سمِّني؟) فسماها ‘الظبية’، قالت: (ما قلتَ شيئاً؟) قال: (فهاتِ ما أسميك به؟) قالت: (سمني: ‘خليّة طالق’)، قال: (فأنتِ خلية طالق)، فأتت ‘عمر بن الخطاب’ فقالت: (إن زوجي طلقني؟) فجاء زوجها، فقصّ عليه القصة، فأوجع عمر رأسها، وقال لزوجها: (خذ بيدها، وأوجع رأسها).

وقد وقع فريب من الواقعة التي حكيتها في عهد ‘عثمان بن عفان’ ذكرها الحافظ ‘ابن حجر’ في [المطالب العالية]، وبوّب لها: (باب النية في الطلاق): أن رجلاً خطب امرأة، فقالوا: (لا نزوّجك حتى تطلق ثلاثاً). فقال: (اشهدوا أني قد طلقت ثلاثاً). فلما دخل على المرأة ادعوا الطلاق، فقال: (كيف قلتُ؟) قالوا: (لا نزوجك حتى تطلق ثلاثاً، فطلقت ثلاثاً). فقال: (أما تعلمون أنه كان تحتي ‘فلانة بنت فلان’، فطلقتها ثلاثاً حتي عد ثلاثاً؟) قالوا: (ما هذا أردنا). فوفد ‘شقيق بن ثور’ إلى ‘عثمان’، وأمروه أن يسأل ‘عثمان’، فلما قدم سألناه، فأخبر أنه سأل ‘عثمان’، فقال: (له نيته).

هذا، والله تعالى أعلم.