س: السلام عليكم ورحمة الله، شبكة الهداية الإسلامية، جزاكم الله خيراً على ما تقدموه من خير في موقعكم العامر، عندي سؤال تابع لسؤال سابق لو تسمحون لي به، درسنا أن (الفور) من فرائض الوضوء، فما دليل هذا الفرض؟ وجزاكم الله خيراً.
ج: وعليكم السلام ورحمة الله.. وجزاك بمثله، ووفقنا الله وإياكم لفعل الخير.
نعم، (الفور) أو (الموالاة) من فرائض الوضوء والغسل عند المالكية -على تفصيل في ذلك عندهم- كما ذكر الإمام ‘القرافي’ في [الذخيرة]، قال: (الموالاة فرض في الوضوء، والغسل)، أما دليلهم على ذلك:
§ قول الله تعالى: ﴿ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا ﴾، والاستدلال بالآية من ثلاثة أوجه:
• (إذا): شرطية، والأصل عدم التأخير بين جملة المسبب والسبب.
• (الفاء): للتعقيب، والأصل تعقيب كل الأعضاء للشرط.
• (اغسلوا): صيغة أمر، والأصل في الأمر الفور.
وهي ذاتها أدلة الموالاة في الغسل، قال: (الفرض الخامس: الفور، ودليله: ما تقدم في الوضوء).
§ ولكنه زاد في الوضوء أيضاً حديث: أن النبي ﷺ توضأ مرة على الموالاة ثم قال: «هذا وضوء لا يقبل الله الصلاة إلا به»، ودليله أن ما سوى ذلك غير مقبول، ولكن الحديث ضعّفه أبو حاتم، وأبوزرعة، والدارقطني، والبيهقي، وغيرهم من أئمة الحديث.
ولكن في هذه الاستدلالات نظر. ولذلك خالفهم غيرهم من العلماء في هذا الشرط. وذلك لأمور:
§ اسم التطهر والوضوء والغسل يحصل من غير متابعة.
§ صح عن النبي ﷺ التفريق، كما جاء في [مسند الإمام أحمد]: أن عائشة -رضي الله عنها- قالت: (كان رسول الله ﷺ إذا أراد أن يغتسل من جنابة يغسل يديه ثلاثاً، ثم يأخذ بيمينه ليصب على شماله، فيغسل فرجه حتى ينقيه، ثم يغسل يده غسلاً حسناً، ثم يمضمض ثلاثاً، ويستنشق ثلاثاً، ويغسل وجهه ثلاثاً، وذراعيه ثلاثاً، ثم يصب على رأسه الماء ثلاثاً، ثم يغتسل، فإذا خرج غسل قدميه).
وخرج: أي من مغتسله.
كما جاء في [معجم الطبراني الأوسط] بنفس الإسناد بلفظ: (ثم يمضمض ثلاثاً، ويستنشق ثلاثاً، ويغسل وجهه ثلاثاً، ويغسل ذراعيه ثلاثاً ثلاثاً، ثم يصب على رأسه الماء واحداً واحداً، فإذا خرج من مغتسله غسل قدميه).
ففرق ﷺ -وهو أعلم بتأويل القرآن- فصحّ التفريق.
§ صح التفريق عن الصحابة -عليهم رضوان الله-، وهم كذلك أفهم للقرآن..
• ورد أن ابن عمر -رضي الله عنهما- توضأ بالسوق، فغسل وجهه، ويديه، ومسح برأسه، ثم دعي لجنازة، فدخل المسجد ليصلي عليها، فمسح على خفيه، ثم صلى عليها. [الموطأ] و [مسند الشافعي].
• وقال أبو هريرة -رضي الله عنه-: (إذا غسلت رأسك وأنت جنب، ثم غسلت سائر جسدك بعدُ = فقد أجزأ عنك).
• وقال إبراهيم النخعي -وقد ادرك صغار الصحابة-: (كان أحدهم يغسل رأسه من الجنابة بالسدر، ثم يمكث ساعة، ثم يغسل سائر جسده) [مصنف عبد الرزاق].
فعلى ما تقدم، لا يكون الفور فرضاً في الوضوء، ولا في الغسل. والله تعالى أعلم.